قيادة المرأة والقبول المجتمعي ... التجربة القطرية نموذجاً

نشر في 09-10-2017
آخر تحديث 09-10-2017 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري كل حق يسترده طالب حق، وكل مظلمة تنجلى عن مظلوم، وكل إنصاف يناله مهمش أو مستضعف أو محروم، وكل إنجاز يتحقق على صعيد حقوق الإنسان، وكل إجراء يسير مع حركة التاريخ، ينبغي أن يشجع ويدعم ويعزز، ومن هذا المنطلق فإن قرار السماح للمرأة في الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية بالقيادة، خطوة إيجابية على صعيد حقوق المرأة السعودية كأهم قرار اجتماعي. وبطبيعة الحال فإن أي قرار جديد يتعلق بالكيان الاجتماعي، ويمس حركة المرأة في المجتمع، لا بد أن يثير ردود أفعال متفاوتة، بعضها مرحب به وأكثرها غير متقبلة، وهنا يأتي دور القيادة السياسية في اتخاذ خطوات أخرى متدرجة على مختلف الصعد الإعلامية والدينية والثقافية والتوجيهية والتنظيمية، التي تطمئن أولياء الأمور، وتساعد في تهيئة الأجواء لتقبل الرأي العام المجتمعي، والقرار الجديد، وتنفيذه بأقل كلفة اجتماعية.

يذكرني ما حصل في الساحة السعودية، في مرحلة ما قبل السماح بالقيادة وما بعدها، من ممانعة مجتمعية، ومن تحذيرات وتهديدات، يطلقها بعض الرافضين، بما حصل في المجتمعات العربية، في كل الأمور المتعلقة بالمرأة، بتعليمها وعملها وحقوقها السياسية، وأخص بالذكر ما حصل عندنا في الساحة القطرية، قبل أكثر من عقدين، حين قررت القيادة السياسية السماح للمرأة القطرية بالقيادة، كانت هناك كثرة من الرافضين المهولين من تبعات قيادة المرأة وأكلافها الضخمة على المرأة والتنشئة وحركة المرور والحوادث والسلبيات الاجتماعية والأخلاقية المترتبة على حرية حركة المرأة في المجتمع، لكن القيادة السياسية وضعت خطة متدرجة وفق ضوابط شرعية واجتماعية ملائمة، لضمان القبول المجتمعي العام للقرار، وتمريره بسلاسة، وأذكر أنه في تلك الأجواء كتبت مقالة بعنوان "نحو فجر جديد للمرأة القطرية". (الوطن القطرية، 1998/12/27). قلت فيها: في هذه الأيام المباركة تعود بي الذكرى إلى عام 1980 حين ألقيت بجامعة قطر محاضرة عامة عن حقوق المرأة في الإسلام، فتعرضت لهجوم غير مبرر، ودارت الأيام وأشرق فجر جديد، وجاء اليوم الذي رأيت فيه المرأة القطرية تقود سيارتها وتذهب إلى عملها وتساهم في تنمية مجتمعها، وبعدما نجحت القيادة السياسية في تهيئة المجتمع، كتبت مقالة أخرى شرحت فيها كيف تمت التهيئة، بعنوان "حراس الماضي ورياح التغيير"، (الوطن القطرية 2011/7/11). قلت فيها: بتولي القيادة السياسية الجديدة مقاليد الحكم 1995 آمنت، بحقوق المرأة، وتبنت سياسة إنصافها وتمكينها من حقوقها الشرعية التي قررها الإسلام، وفق خطوات محسوبة ومتدرجة يتم فيها تهيئة المجتمع لقبول المشاركة العامة للمرأة، وكان لدعم سمو حرم الأمير الأثر البارز فيما تحقق للمرأة القطرية من مكتسبات تنعم بها اليوم، فأنشئ المجلس للأسرة، وصدر قانون متطور للأسرة، وتم تنقيح التشريعات من أي صبغة تمييزية ضد المرأة، ونشطت النخبة الثقافية والفنية والإعلامية القطرية في دعم التغيير، فتولت المرأة القطرية مناصب قيادية: وزيرة ومديرة للجامعة وعميدة للكلية وقاضية، وشاركت في الانتخابات، وقادت السيارة، وأصبحت لها مشاركة مجتمعية واسعة، وهكذا نجحت القيادة السياسية في تهيئة المجتمع وتغييره، بل حتى الذين كانوا يعارضون في الماضي، تطوروا وانفتحوا وأصبح من بناتهم أو قريباتهم من يقدن سيارتهن ويمارسن حقوقاً ووظائف، كان آباؤهن يستنكرونها من قبل.

ختاماً: تجارب مجتمعاتنا في مجال التغيير الاجتماعي مختلفة، وهي تستفيد من بعضها، إلا أن ما يجمعها، أن القيادة السياسية في مجتمعاتنا لها دور حاسم في الخيارات الاجتماعية، وأن التغيير الاجتماعي تابع للتغيير السياسي، وقديماً قيل: إن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لأن البيئة الاجتماعية العربية عصية على التغيير بفعل الموروثات والتقاليد الراسخة في عمق مجتمعاتنا والمتجذرة في لا وعيها، ومهما بذل دعاة التغيير من جهود فإنها لن تؤتي ثمارها إلا بقناعة القيادة بالتغيير الاجتماعي، والعمل على تهيئة المجتمع له، وهنا يأتي الدور المهم للنخبة السياسية والثقافية من الكتاب والمثقفين والفنانين والناشطين، في ترسيخ هذه القناعات الجديدة في التربة المجتمعية، بهدف استمراريتها وصيانتها من النكوص والانتكاس، فتحديات التغيير تتطلب قيادات حازمة وهذه حكمة التاريخ الباقية.

*كاتب قطري

back to top