«تيسلا» الأميركية... عمالقة السيارات الألمانية تواجه تحدّياً وجوديّاً

نشر في 09-10-2017
آخر تحديث 09-10-2017 | 00:00
No Image Caption
تناضل شركات «بي أم دبليو ودايملر وفولكس واجن» للتأقلم مع ظهور السيّارة الكهربائيّة، إذ تعوق كلّ من سياسة التحفّظ والتحدّيات الداخليّة تقدّمَ هذه الشركات في حين تشقّ سيّارة «تيسلا» طريقها في السوق الألمانية تاركةً السيّارات الوطنيّة لتواجه مصيراً مجهولاً.
«شبيغل» في تقرير مشوّق حول السيارة الكهربائية.
في بداية العام الجاري، كان كارل توماس نيومان يخطّط لثورةٍ بسيطةٍ تهدف إلى تحويل شركة «أوبل» الألمانيّة إلى علامةٍ تجاريّةٍ كهربائيّةٍ بحت، وكان من المقرّر تصميم السيّارات الكهربائيّة في «مركز أوبل للبحوث والتطوير» بالقرب من مدينة فرانكفورت، قبل إطلاقها في السوق العالميّة. كان رئيس شركة «أوبل» آنذاك، مقتنعاً بأنّ نهاية محرّكات الحرق الداخلي وشيكةٌ، على عكس ما يظنّ كثيرون، والآن يتمنّى لو استطاع إدخال التكنولوجيا الضروريّة في هذا المجال إلى ألمانيا.

ولما كانت «أوبل» شركةُ تصنيعٍ صغيرة، فإنها تواجه تحدّياً كبيراً في ضبط سيّاراتها ذات محرّك الاحتراق الداخلي لتتوافق مع معايير الانبعاثات التي تزداد صرامةً، فتجذب مركباتها أنظاراً غير مرغوبٍ بها بسبب انبعاثاتها المفرطة. لكنّ نيومان حاول على الأقلّ معالجة أزمة الديزل واعتبرها فرصةً للبدءِ من جديد.

غير أن خطّته الكهربائيّة الطموحة باءت بالفشل حين فقدت فجأةً شركة «جنرال موتورز»، المالكة الأميركيّة لأوبل، الاهتمامَ بالسوق الأوروبّيّة وباعتها في الصيف لمنافسها الفرنسي، صانع المركبات بيجو-سيتروين (بي أس إي).

لم يعد نيومان يعمل في أوبل لكنّه لا يزال يؤمن بصحّةِ أفكارِه. يخشى الرئيس التنفيذي السابق استخفاف صانعي السيّارات، خصوصاً «بي أم دبليو ودايملر وفولكس واجن»، بزخم التحوّل، فتسهر على أمجادها بدل أن تطوّر أفكاراً جديدةً. ويؤكّد أنّ الصناعة الألمانيّة تحتاج إلى «انطلاقةٍ نظيفةٍ» وأنّ عليها «تقبّل حقيقة أنّ الديزل ينقرض تدريجاً». كذلك يحذّر القطاع بأكمله: «إذا لم يطوّر هذا القطاع نفسه باستمرار، واجه خطرَ أن يسبقه بأشواطٍ منافساه من الصين والولايات المتّحدة الأميركيّة».

لا يزال الزبائن، وفي بعض الحالات شركات، في حيرةٍ، فالحجج التي يقدّمها النقّاد ضدّ السيّارات الكهربائيّة تتنوّع بين قصر المسافات التي تقطعها وبين ارتفاع كلفتها وبصمات الكربون المشكوك بها.

لكن هل هذا يعني أنّ على شركات صناعة السيّارات أن تستمرّ في الوضع الراهن؟

على مدى عقودٍ، استمرّ قطاع صناعة السيّارات على بناء عرباتٍ أكبر وأسرع وأقوى وزوّدها بمحرّكاتٍ تعمل على البنزين والديزل، فازدهرت الأعمال، وأعلنت كل من «بي أم دبليو ودايملر وفولكس واجن» عام 2016 أنّ المبيعات وصلت إلى 552 مليار دولار والأرباح لامست 30 مليار يورو. لكنّ نموّها كلّفها الكثير.

بدأت خيبة الأمل المنهجيّة منذ 10 سنواتٍ تقريباً في قسم التطوير في الشركات، فلجأ المهندسون إلى برمجيّاتٍ مصمّمةٍ لتغشّ النظام حين عجزوا يوماً بعد يوم عن تلبية المتطلّبات الصارمة بشأن الانبعاثات. وضمنت نتائجَ انبعاثاتٍ جيّدةٍ في محطّات اختبار المركبات لكنّها سمحت للسيّارات المفترض أن تكون نظيفةً بأن تبعث على الطرقات غازات أكاسيد النيتريك الضارّة. في الولايات المتّحدة الأميركيّة، اعترفت شركة «فولكس واجن» بتحايلها على اختبار الانبعاثات وعرقلة مجرى العدالة. ويجري راهناً تحقيقٌ في ألمانيا على سيّارات «فولكس واجن ودايملر»، فيما نجت «بي أم دبليو» وحدها من التدقيق القضائي.

بعدما كشفت صحيفة «دير شبيغل» في يوليو الماضي عقوداً من التواطؤ بين الشركات الثلاث على التكنولوجيا والموردين وأنظمة تنظيف الغاز العادم، ربما تواجه شركات صناعة السيّارات الألمانيّة الثلاث الكبرى مشاكل قانونيّةً أخرى. لذا تقوم بتحضيراتٍ مكثّفةٍ خشيةً من التحقيقات أو الأبحاث المحتملة. ففي «بي أم دبليو»، التي تنفي قيامها بأيّةِ مخالفةٍ، يحلّل في الوقت الراهن 18 محامياً بياناتٍ ووثائقَ تغطّي ثلاثة عقودٍ تقريباً.

تعطّل الشكوك في التواطؤ أيضاً خططَ التعاونِ الوثيقِ التي أعدّتها «بي أم دبليو و دايملر وفولكس واجن» حول مختلف المواضيع مثل خدمات التنقّل والقيادة الذاتيّة.

يتزايد عدد البلدان التي تخطّط للتخلّص التدريجيّ من تكنولوجيا محرّكات الاحتراق. وترغب بريطانيا وفرنسا بحظر السيّارات المزوّدة بمحرّكات البنزين والديزل بحلول العام 2040، بينما تخطّط النرويج لاتّخاذ الخطوة ذاتها بحلول العام 2025. ومن المتوقّع أن تفرض الصين حدّاً أدنى من حصص مبيعات المركبات الكهربائيّة بدءاً من العام المقبل. كذلك تُظهر استطلاعات الرأي أنّ 60٪ من المستهلكين الصينيّين يفكّرون في أن تكون سيّارتُهم المقبلةُ كهربائيّةً.

على هذا القطاع إيجاد محرّكاتٍ بديلةٍ قليلةِ الانبعاثات ليكون قادراً على بيع منتاجاته في المستقبل. كذلك يحتاج إلى نشر مفاهيم التنقّل مثل تقاسم السيّارات وخدمات النقل وإلّا لن تقود شركات «بي أم دبليو ودايملر وفولكس واجن» الأعمالَ في المستقبل بل سيستلم منافسوها الأجانب الدفّة.

«تسلا» تصل إلى ألمانيا

يزداد قلق قطاع صناعة السيّارات في ألمانيا مع قدوم «تيسلا» الأميركيّة المنافسة. نشأت الأخيرة عام 2003 ونجحت حيث فشلت الشركات الألمانيّة على مدى سنوات: بناء السيّارةِ الكهربائيّةِ التي يرغب بها كثيرون.

وضع أكثر من 450000 مستهلكٍ طلباتهم المسبقة لاقتناء سيّارة «تيسلا» الجديدة من طراز 3 وتقول الشركة إنّها تتلقى أيضاً 1800 طلب يوميّاً. ويعترف نيومان بأنّ «المستهلكين الآن يعشقون تيسلا وهذا ما تحلم به شركات السيّارات الأخرى».

تأتي أزمة شركات السيّارات الألمانيّة في الوقت المناسب لمصلحة «تيسلا»، وفي حين تتحفّظ الشركةُ الأميركيّة في تصريحاتِها العلنيّةِ، يتحدّث مديروها عن «تلاعبٍ غير شرعيٍّ في سياق فضيحة الديزل».

تغتنم الشركةُ الأميركيّةُ الفرصةَ لتحصل أخيراً على موطئ قدمٍ في ألمانيا، موطن «دايملر وبي أم دبليو وفولكس واجن»، التي لم تكن فعلاً ودودةً مع شركة تيسلا في الماضي. وفي النصف الأوّل من العام 2017 ازدات مبيعات الأخيرة أكثرَ من الضعف في ألمانيا ليصل مجموعها إلى 2000 سيّارة.

تعمل إدارات «بي أم دبليو ودايملر وفولكس واجن» على هجماتٍ مضادّةٍ.

في مكتب كلاوس فغوليه، رئيس قسم التطوير في شركة «بي أم دبليو»، تكثرُ نماذجُ السيّارات القديمة على عتبة النوافذ، وتأخذك المجموعةُ في رحلةٍ عبر الزمن ترى فيها سيّارة العام 1968 من طراز «أن أس يو رو80» التي توقّف تصنيعها منذ مدّةٍ طويلةٍ، وصولاً إلى الزمن الحالي فترى «البورش كاريرا واللاند روفر ديفّندر»، سيّارة الدفع الرباعي الضخمة.

يتحدّث عن «بي أم دبليو» والاستراتيجيّة الكهربائيّة التي تعمل الشركة على تحقيقها بدل أن يركّز على المنافسة فحسب، لكنّه يأتي على ذكر منافسه من كاليفورنيا باستمرار إذ إنّه ذكر كلمة «تيسلا» 16 مرّةٍ خلال 60 دقيقة.

ويعتبر مدير قسم التطوير أنّ شركتَي «بي أم دبليو وتيسلا» تتسابقان «عنقاً لعنق»، لكنّه يعتزم أن تتفوّق الأولى على منافستها الأميركيّة في السنوات الثلاث المقبلة وستركّز، مثل تيسلا، أكثر على «تعاطف» سيّاراتها الكهربائيّة مع البيئة في المستقبل، بالإضافة إلى تزويدها بإطاراتٍ أعرض وتصاميم أكثر ديناميكيّة.

يرسم فغوليه على ورقةٍ بيانيّةٍ ثلاثةَ خطوطٍ توضح الزيادة المحتملة لمبيعات السيّارات الكهربائيّة في السنوات المقبلة. ويمثّل الخطّ الأوّل المبيعات في الصين وبدءاً من العام 2020 يصعد عموديّاً تقريباً.

تطوِّر «بي أم دبليو» تصاميمها لتسهيل تجهيز السيّارات كافةً إمّا بمحرّك احتراقٍ داخلي أو محرّكٍ هجين أو محرّكٍ كهربائيٍّ بحت. مع ازدياد الطلب، تتوقّع الشركة أن تبدأ بإنتاج آلاف المركبات الكهربائيّة عن طريق تحويل السيّارات بشكلٍ أساسيٍّ. لذا يؤكّد فغوليه أنّ «بي أم دبليو» مستعدّةٌ لتلبية رغبة المستهلكين الصينيّين في حال أرادوا أن يستخدموا السيّارات الكهربائيّة فحسب. أمّا بالنسبة إلى الخطّ الثاني الذي رسمه فغوليه، فهو يمثّل سواحل الولايات المتّحدة الأميركيّة الشرقيّة والغربيّة. ووفقاً لحساباته، فإنّ ازدهار السيّارات الكهربائيّة في هذه المنطقة يبدأ في العام 2025 تقريباً وسيحذو الألمانُ حذوَها بعدها بخمس سنواتٍ تقريباً.

السيّارات العملاقة

تحاول بي أم دبليو، كالشركات الألمانيّة كافة، أن تؤدّي عملاً متوازناً: الاستمرار في بيع السيّارات التي تعمل على البنزين والديزل والتحضير في الوقت ذاته لزمن السيّارات الكهربائيّة. أعلنت الشركة إطلاق 25 نموذجاً من المركبات الكهربائيّة لعام 2025، لكنّ تكاليف البدء ضخمةٌ. سبق واستثمرت «بي أم دبليو» مبالغ تفوق العشرة مليار في المحرّكات المستدامة. وتضع الشركة القائمة في مدينة ميونيخ رهاناً على المستقبل. أمّا في الوقت الراهن فهي تخسر المال على كل سيّارةٍ كهربائيّةٍ تبيعها.

والمعضلةُ التي تعيشها صناعة السيّارات تكمن في أنّ أعمالَها الجديدة، التي لا تزال تخسّرها المال، تشكِّل حواجز تؤخّر إقامة التغيير اللازم.

يبدو أنّ الجهود التي يبذلها بعض الشركات في التحضير للمستقبل فاترةٌ. في أواخر العام الفائت، أعلنت «دايملر وفورد وبي أم دبليو وفولكس واجن» مبادرةٍ مشتركةٍ لإقامة محطّات الشحن السريع. وكان من المقرّر أن يبدأ المشروع في العام 2017 بإقامة نحو 400 موقعٍ في أوروبا في المرحلة الأولى.

تسعةُ أشهرٍ مرّت منذ هذا الإعلان ولم تنشأ أيّة محطّةٍ في أوروبا بعد. ولكن يُتوقّع أن تفتح أوّل محطةٍ شحنٍ هذا العام ويُقال إنّها ستفوق تكنولوجيا الشحن الخاصّة بسيّارة «تيسلا». أمّا الأخيرة فثبتت على العكس أكثر من 6300 محطّةٍ يُطلق عليها اسم «سوبرتشارجرز» أو محطّات الشحن الخارقة في أنحاء العالم. وتهدف «تيسلا» إلى زيادة العدد ليصل إلى 10000 بحلول نهاية العام الجاري.

لم تحقّق الشركة الأميركيّة بعد أرباحاً من سيّاراتها الكهربائيّة، ولكن لا داعي لأن تقلق بشأن ضخامة هذه التجارة القائمة على عكس الشركات الألمانيّة. يفسّر ذلك النهج العدواني الذي تعتمده «تيسلا» في التسويق، ما يجعلها تبدو وكأنّها تهتمّ بتغيير الطاقة التي يعتمد عليها العالم وليس ببيع سيّاراتها.

ليس هذا الأمر بالضرورة صحيحاً، إذ يسعى مؤسّس شركة «تيسلا» إلين ماسك بطبيعة الحال إلى تحقيق مصالح اقتصاديّةٍ لا هوادَة فيها. لكنّ رسالته تبدو مقنعةً أكثر من رسالة صانعي السيّارات الألمانيّة التي تتأرجح باستمرارٍ بين التزامها بالتنقّل الكهربائي وبين اعترافها بولائها لمحرّكات الاحتراق الداخلي. وشعارها «محرّك الديزل لم يشرف بعد على نهايته».

أمضى قطاع صناعة السيّارات عقوداً وهو يقاوم التغيّرات الضخمة التي تواجهه، وصار أيُّ شخصٍ يتحدّث عن التنقّل الكهربائي أو تقاسم السيّارة في التسعينيات حكماً موضعَ سخريةٍ.

وتقدّم «فولكس واجن» أوضح مثال لهذا الأمر، فقد أراد المدير التنفيذي الأعلى دانيال جوديفرت تحسين العلامة التجاريّة للشركة عام 1991 عن طريق إدخال سيّاراتٍ أصغر حجماً وأكثر كفاءةً في استهلاك الوقود لكنّه فشل. وكان يعمل أيضاً على مشروعٍ مشتركٍ مبنٍ على تقاسم السيّارات بالتعاون مع شبكة السكك الحديد الوطنيّة الألمانيّة «دويتشه بان»، وكان الاستنتاج الذي توصّل إليه آنذاك أنّ عدد الناس الذين يريدون امتلاك سيّارةٍ خاصّةٍ بهم يقلّ أكثر فأكثر لأنّهم يفضّلون استخدام خدمات النقل العامّة.

عندما توقّع جوديفرت انتهاء زمن محرّك الديزل، قرّر مجلس إدارة فولكس واجن أن يضع حدّاً لهذه المهزلة. ففي اجتماع جوديفرت الأخير، قيل له جملةً لن ينساها أبداً: «ستندهش بكلّ ما نستطيع فعله من خلال الديزل».

يعيش اليوم جوديفرت البالغ من العمر ٧٥عاماً في مدينةٍ بالقرب من العاصمة السويسريّة برن. يركب درّاجةً إلكترونيّة ويراقب قطاع صناعة السيّارات من بعيد. بحسرةٍ يقول: «بسبب النجاحات الكبيرة التي حقّقها القطاع صار أعمى، لا يرى احتياجات المستهلكين الحقيقيّة.» ويضيف: «منذ فترةٍ طويلةٍ جدّاً تهتمّ فولكس واجن وغيرها بالسرعة والترف فحسب».

ويرى أنّ الأمل الوحيد لقطاع صناعة السيّارات الألمانية يكمن في إثارة الحماسة لدى جيل الشباب، فمراهقون كثيرون يشعرون بأنّ إشارة شركة «آبّل» تحاكيهم أكثر من النجمة على إشارة سيّارة المرسيديس.

وبعد ربعِ قرنٍ على مغادرة جوديفرت مركزه السابق، تبدو أفكاره اليوم منطقيّةً أكثر. وترغب الشركة التي عمل فيها سابقاً في أن تصبح عصريّةً أكثر. فالمبتكرون وعالمو المستقبل يعملون من دون حدودٍ في مركز المستقبل في مدينة بوتسدام خارج برلين، في موقعٍ مثالي بالقرب من نهر هافل. يرتدي الموظّفون الأحذية الرياضيّة ويتحدّثون الإنكليزيّة ويرفضون الشكليّات.

أمّا بالنسبة إلى آخر التطوّرات التي توصّلت إليها «فولكس واجن»، فهي فكرة سيّارة «سيدريك» التي تأمل الشركة أن تكون بمنزلة سيّارةِ أجرةٍ روبوتيّةٍ تعمل من دون سائقٍ في المناطق الحضريّة في العقد المقبل. ويتفاخر المبتكرون بتصميمها الداخلي المستقبلي الذي يتضمّن شاشةً كبيرةً لتطبيقات الصوت والصورة، مثل الكاريوكي، المصمّمة لنيل إعجاب المستهلكين الآسيويّين بشكلٍ أساسيٍّ.

طرائق جديدة للعمل

يحاول الموظّفون في «فولكس واجن» في مركز بوتسدام ابتكار طرائق عملٍ جديدةٍ أيضاً. في حديثهم مع المتقاعدين على سبيل المثال، اكتشفوا ضرورة تبسيط عمليّة طلب سيّارةِ أجرةٍ روبوتيّةٍ قدر الإمكان. لذا يعمل المبتكرون على تطوير آلة تحكّمٍ عن بعد تتضمّن كبسة زرٍّ واحدة وأطلقوا على هذا الجهاز اسم «وان بوتن»، أي الزرّ الوحيد. تطلب الشركة أيضاً نصيحة الأطفال، لذا استقبل مركز المستقبل أخيراً أطفال دور الحضانات المجاورة له.

ويوضّح توماس سيدران، رئيس وحدة تنسيق الاستراتيجيّات منذ سنتين تقريباً في شركة فولكس واجن: «لا نزال في بداية الطريق نحو إقامة اتّصالٍ مباشرٍ مع مستهلكي التجزئة.» ويضيف: {هذا تحدٍّ كبير لشركةٍ اتّسمت سابقاً بتركيزها على الهندسة». بقدر ما يبدو هذا الأمر سخيفاً، ولكن فعلاً لم تملك فولكس واجن أدنى فكرةٍ منذ سنواتٍ عدّةٍ عمن يقودون سيّاراتها وما هي الخدمات التي يرغبون باستخدامها لأنّها كانت تتواصل بشكلٍ أساسيّ مع وكلائها المعتمدين فحسب.

أمّا اليوم، فهي تحاول بصعوبةٍ كبيرةٍ أن تتقرّب من زبائنها من خلال التطبيقات وخدمات المركبات على الطريق. وبدءاً من العام المقبل، تصمّم «فولكس واجن» على تقديم خدمة الحافلة التاكسي في مدينة هامبرغ التي ستضمّ في البداية 200 حافلة. وسيحدّد الاختبار هذا ما إذا كانت الشركة قادرةً على تحقيق أرباحٍ من خدمات الأجرة. والأهمّ من ذلك، محاولتها لتشكيل ولاءٍ طويل الأمد للعلامة التجاريّة لدى الزبائن.

ويعتقد سيدران، رئيس وحدة تنسيق الاستراتيجيّات، أنّ «فولكس واجن» لم تعد قادرةً على تفويت أيّ تطوّرٍ جديدٍ. ويتوقّع حدوث «تحوّلٍ جذريٍّ في قطاع صناعة السيّارات كلّه»، ما قد يعني زوال العلامات التجاريّة الفرديّة.

ترتبط نجاة «فولكس واجن ودايملر وبي أم دبليو» من هذه الأزمة بوجود مفكّرين رائدين مثل سيدران. ويبقى مديرون كثيرون غير مقتنعين بضرورة إحداث تغيّراتٍ جذريّةٍ. حتّى إنّ بعضهم يظنّ أنّ أزمة الديزل انتهت.

ويشعر هؤلاء بأنّ نقّادهم يضطهدونهم، منهم: مؤسّسة دوتشيه أومويلتيف البيئيّة التي تكافح في المحاكم من أجل حظر الديزل، والسياسيّون الذين ينتقدون بشدّة تلاعب الصانعين بمستوى الانبعاث، وأخيراً، الصحافة لنقلها هذه الأخبار. غالباً ما تُسمع عبارة «يُتَّهم القطاع الأقوى بالجرم!» في شركات السيّارات. يؤمن ماثياس مولر، المدير التنفيذي في شركة «فولكس واجن» بوجود «حملةٍ مستمرّةٍ ضدّ محرّك الديزل».

كما يأمل كثير من المديرين أن تُحلّ مشكلةُ سيّارةِ «تيسلا» من تلقاء نفسها، ويتحجّجون بأنّ تكنولوجيا بطّاريّة منافستهم الأميركيّة ليست ناضجة، وهو ما يسمح لتيسلا بأن تنتج سيّاراتٍ بكلفةٍ معقولةٍ. هذه الفكرة يؤكّدها مسؤولٌ تنفيذيٌّ كبيرٌ في قطاع الصناعة الألمانيّة: «لا يمكن أبداً لشركةٍ كهذه، تخسر أموالاً فحسب، أن تصنع لها وجوداً في ألمانيا».

تحليله هذا فيه شيءٌ من الصحّة. ربما يفقد المستثمرون الأمل ويتوقّفون عن تمويل «تيسلا». ولكن هل سيغيّر هذا الأمر الوضعَ القائم؟ حتّى إفلاس الشركة لن يوقف التحوّل الحاصل لأنّ شركات مصنّعة أخرى، خصوصاً من الصين، اكتشفت أهمّيّة التنقّل الكهربائي وتبذل قصار جهدها لتقود السوق العالميّة.

منذ عشرة أعوام، ارتكب قطاعُ تكنولوجيا آخر خطأً وقلّل من قيمة منافسه وهو قطاع صناعة الهواتف النقّالة. من دون أدنى شكّ، كانت شركتا «نوكيا» و{بلاكبيري» قائدتين في السوق لكنّ النجاح أبطأهما. قبل أن تجبرا على مغادرة الساحة، بالكاد كان المنافسون الجدد الأكثر ابتكاراً يظهرون في الصورة.

وصارت إحدى الدعابات التي كانت تُطلق في اجتماعات شركة «أر أي أم» المصنّعة لهواتف «بلاكبيري» الآن أسطوريّةً، وتقول إنّه حين يمرّ المديرون برقّةٍ بجانب هاتف «آيفون»، يهزّ معظم الحاضرين رؤوسهم، فلن ينجح هاتفٌ شاشته كبيرة لأنّ أداء البطّاريّة لن يكون كافياً. وقالوا إنّ الهاتف المحمول القديم صار في عداد الموتى.

* سيمون هيدج

بريطانيا وفرنسا ترغبان في حظر السيّارات المزوّدة بمحرّكات البنزين والديزل بحلول 2040

من المتوقّع أن تفرض الصين حدّاً أدنى من حصص مبيعات السيّارات الكهربائيّة
back to top