تفاقم الانقسام الأوروبي

نشر في 08-10-2017
آخر تحديث 08-10-2017 | 00:10
تمتعت القومية الكتالونية تاريخياً بنكهة يسارية وسطية، بخلاف الحركات الانفصالية الأخرى التي تؤيدها روسيا في أوروبا، لكن المصلحة الروسية لا ترتبط كالعادة بالعقيدة بقدر ارتباطها بالسعي إلى نشر الفوضى ليس في إسبانيا فحسب، بل داخل الاتحاد الأوروبي أيضاً.
 ذي أتلانتك ينطق الكتالونيون بلغتهم الخاصة، ويُعتبرون أكثر ثراء من سائر مواطني إسبانيا، مما يعني أن مساهمتهم في الموازنة العامة تفوق ما يتلقونه، كذلك ما زال الكتالونيون يملكون ذكريات أليمة عن سيطرة الحكومات المركزية في مدريد، فقد قمع نظام فرانكو الدكتاتوري بين عامَي 1939 و1975 ثقافتهم، وهويتهم، وحرياتهم السياسية والمدنية بقسوة، وشكّل انضمام كتالونيا إلى المملكة الإسبانية مجرد مصادفة تاريخية، فنجحت البرتغال في الانفصال بنجاح في أربعينيات القرن السابع عشر، ولو أن حرب الثلاثين عاماً، أو حرب الخلافة الإسبانية، أو حروب نابليون اتخذت منحى مختلفاً قليلاً، لاختلف وضع كتاليونيا على الأرجح.

قد يبدو لنا كل هذا بعيداً وقديماً جداً، لكنه عاد فجأة ليشغل بال أوروبا المعاصرة، فقد دعت الحكومة الإقليمية الكتالونية شعبها إلى التصويت يوم الأحد في استفتاء بشأن الاستقلال، لكن الحكومة الدستورية الإسبانية أعلنت أن هذا الاستفتاء منافٍ للقانون لأنه ينتهك بنود دستور عام 1978 الذي يؤكّد أن الوحدة الإسبانية "لا تتفكك"، وجاء رد فعل الحكومة المركزية تجاه مشروع الاستفتاء قوياً، فداهمت مكاتب الحكومة الإقليمية، وصادرت صناديق الاقتراع، واعتقلت مسؤولين محليين، وأشارت استطلاعات الرأي إلى أن نحو 40% من الكاتالونيين أيدوا الاستقلال نحو منتصف فصل الصيف، إلا أن هذه المشاعر تزداد انتشاراً وتأججاً في الوقت الراهن.

زار رئيس الوزراء الإسباني ماريو راخوي واشنطن في السادس والعشرين من سبتمبر، وفي مؤتمر صحافي مشترك، ندد الرئيس ترامب باستفتاء الانفصال هذا، فأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد بيو أن 92% من الإسبان لا يثقون بترامب. ورغم ذلك كان الرئيس الأميركي لمرة يتحدث باسم الولايات المتحدة بطريقة يستسيغها أصدقاء الولايات المتحدة في إسبانيا.

تمتعت القومية الكاتالونية تاريخياً بنكهة يسارية وسطية، بخلاف الحركات الانفصالية الأخرى التي تؤيدها روسيا في أوروبا، لكن المصلحة الروسية لا ترتبط كالعادة بالعقيدة بقدر ارتباطها بالسعي إلى نشر الفوضى ليس في إسبانيا فحسب، بل داخل الاتحاد الأوروبي أيضاً. ولا شك أن تقسيم اقتصاد تفوق قيمته التريليون يورو سيولّد مشاكل لا نهاية لها لكاتالونيا وسائر إسبانيا.

اتبعت المصلحة الأميركية تاريخياً منحى معاكساً: دعمت استمرار المؤسسات القائمة، واستقرارها، والحفاظ عليها. صحيح أن ترامب تخلى قبل انتخابه عن هذا المعيار بتعاطفه مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن الرئيس ترامب مُنح على الأقل نقاطاً أفضل ليتحدث عنها.

من المرجح أن يحالف الحظ الولايات المتحدة والغرب: تحد السلطات في مدريد من استفزازها ويصوت الكتالونيون بالرفض أو ربما لا يتوجهون البتة إلى صناديق الاقتراع، ولكن إلى متى سيدوم هذا الحظ؟ بدأ الأذى الناجم عن رئاسة أميركية لا تهتم إلا بمصالح الرئيس الشخصية يتراكم ويتسارع الشهر تلو الآخر والأسبوع تلو الآخر.

* «ديفيد فروم»

back to top