سِكّين

نشر في 29-09-2017
آخر تحديث 29-09-2017 | 00:06
 دانة الراشد تنطلق الكلمات من الأفواه بلا مبالاة، يمر الزمن وينساها القائل، لكن أصداءها تبقى في القلوب، تتقاذفها جدران القلب ولا تجد لها مخرجاً إلا بعد حين. يلتئم الصدع أخيراً- وقد يأخذ ذلك عدة سنوات- لكن القلب لا يعود كما كان، فالقلب المتصدع حذر، يخشى الانكسار مرةً أخرى، نعم قد يكون ذلك القلب أكثر حكمة ونضجاً في التعامل مع مختلف الأشخاص والمواقف، ولكن المرارة التي تجرعها كانت الثمن.

تطلق الألسنة سهامها دون رحمة، وكلها إيمان أنها على صوابٍ مطلق لا يتحمل الخطأ، تنهمر تلك الكلمات المؤلمة على الأسماع دون حسبان، فتتبعثر المشاعر وتنقلب القلوب في لحظة انفعال، وقد يدفع المرء ثمنها دهراً، فتنطلق الكلمات بلا عودة، فلا ينفع الندم بعد أن أحرقت نيرانها جسور الوصال.

الكلمة سكين ومشرط حاد يمكنه أن يداوي ويستأصل الآلام من النفوس، ويمكنها كذلك أن تقتل الكثير من المحبة والأحلام البريئة في مهادها، والكلمة بلسم ودواء يشافي تلك القلوب المتصدعة ويبقى تأثيرها الجميل طويلاً في زمن أصبح فيه اللطف شحيحاً، فلا تبخل بالكلمة الطيبة، فقد يكون من حولك في أشد الحاجة إلى كلمات التشجيع الرقيقة والمواساة.

أما على الضفة الأخرى فهنالك الصمت، وللصمت أنواع، وهناك صمتٌ جميل مقرون بالصبر والحكمة، وهنالك صمتٌ مرير يزيد فوهة الخلاف البشعة اتساعاً، وكما الكلمات فالصمت شفاء لبعض الخلافات ريثما تفتر سخونتها، ورشاقة التغاضي والسماح سر نجاح واستمرار العلاقات الإنسانية، ولكن الصمت في غير محله قد يسبب ألماً لصاحبه، فتبقى كلمة الحق حبيسة التردد ويبقى الخلاف عالقاً في الهواء، فيؤذي ذلك الطرفين.

بضع كلمات قد تكون الفيصل في استمرار علاقة أو إنهائها دون رجعة، وبضع كلمات قيلت أو كُتِمَت قد تكون سبباً رئيساً في تغيير مجرى الأمور بشكل جذري. تمهل! فقد تخسر عزيزاً في صمتك الجليدي أو حميم كلماتك.

* «بين منطوق لم يُقصد ومقصود لم يُنطق تضيع الكثير من المحبة». (جبران خليل جبران)

back to top