مخاوف من تبدد «الثقة الدولية» بإقليم كردستان

أربيل والسليمانية تجربان «أقسى أزمة» منذ ربع قرن

نشر في 24-09-2017
آخر تحديث 24-09-2017 | 21:10
تمثال جديد في كركوك يشيد بالبيشمركة
تمثال جديد في كركوك يشيد بالبيشمركة
يصف الخبراء في المسألة الكردية الاستفتاء على تقرير المصير في كردستان العراق بأنه أزمة تنتج قلقاً غير معهود منذ نحو ربع قرن، وخاصة أن جيل الشباب الحالي هناك اعتاد الترف والاستقرار ولم يعايش حروب صدام حسين ولا المغامرات العسكرية الداخلية بين الأحزاب.

ولعل اهم ما يغامر به هذا الانفعال العاطفي نحو حلم الاستقلال التاريخي، ليس مستقبل الصناعة النفطية الواعدة ولا الاستقرار الامني، بل الثقة التي نجح الاكراد في بنائها مع القوى الكبرى، فبينما كانت مدن العراق طوال عقد ونصف عقد مضيا، تزخر بالعنف ومعارضة الولايات المتحدة وبريطانيا، كان الاكراد يقبلون على تعميق الاواصر مع واشنطن ولندن، ويتجول الاجانب في المدن الكردية بأمان وألفة شبيهين بالحرية التي يتمتع بها في كردستان الجيران التاريخيون أتراكا وفرسا، اذ تمكنت براغماتية اربيل من ادارة التناقضات بنحو فاعل، فتعاملت القوى الغربية مع الإقليم كشريك موثوق وتدفقت الاستثمارات لأول مرة في التاريخ الحديث على مدن الشمال وازدهر البناء وارتفعت العمارات الشاهقة حتى ان من يهبط في مطار أربيل يكاد يرى مشهد "نموذج دبي مصغرة" يعج بالأمل.

إلا أن الأزمة المالية الخانقة لكردستان بسبب الحرب مع "داعش"، والخلاف مع بغداد تزامنا مع تراجع سوق النفط الحاد، جعلت الكردي يشعر بأنه لم يحظ بالمساعدة الكافية من قبل حلفائه الكبار، الذين باتوا يقولون: إن الأولوية حاليا لحرب "داعش" ولإعادة الاستقرار لمدن عربية تعاني ويلات الحرب مثل الموصل، ومساعدة بغداد لضبط الميليشيات، بينما على كردستان أن تصبر قليلا، ولعل هذا ما دفع رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى التصرف بسرعة (وبكثير من العناد) مع طلبات متكررة من واشنطن ومجلس الأمن الدولي، لتأجيل الاستفتاء على حق تقرير المصير المقرر اليوم، رافضا "البديل" الذي طرحته هذه الاطراف.

واقترحت القوى الكبرى تأجيل الاستفتاء من عامين الى ثلاثة، مقابل اطلاق حوار جدي مع بغداد حول نزاعات النفط والارض والادارة، يرعاه مجلس الامن، وبرغم أن السليمانية وحزب الرئيس السابق جلال طالباني تحمسوا لقبول العرض، فإن بارزاني يرفض ذلك مطالبا "بثمن اوضح"!

الا ان الأمر تجاوز ذلك، ففي بغداد لم يعد السؤال هو "هل سيقبل بارزاني بالمقترح الدولي، ويؤجل الاستفتاء؟" بل تحول الى: "هل ستقبل بغداد تأجيل الاستفتاء لعامين أو ثلاثة؟" كما ينص المقترح، لأن العبادي والأحزاب الرئيسية من العرب والتركمان، صاروا يطلبون إلغاء الاستفتاء مقابل حوار جدي، لا مجرد تأجيله!

وظل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مدعوما من القوى الدينية التقليدية في النجف، يحرص على التهدئة مع اربيل، لكن الفصائل المسلحة الشيعية والأجنحة المتشددة ممثلة في حلفاء سلفه نوري المالكي، تندفع بشهية مفتوحة للتصعيد الشعبوي مع الاحزاب الكردية، وخاصة أنها تستعد لموسم انتخابات في الربيع المقبل برصيد واطئ، وهي فرصتها الان للظهور بمظهر المدافع عن وحدة العراق، الامر الذي يدفع العبادي نحو مواقف متشددة شيئا فشيئا لمنع خصومه الشيعة من اتهامه بالضعف، بموازاة حماس من ايران وتركيا لاطلاق التهديدات وموقف دولي حازم يريد الاحتفاظ بالصديق الكردي "المسيطر عليه" ومنعه من الذهاب بأحلام اعلان الدولة في لحظة تصادم مع بقايا "داعش"، وخصوصا في محيط كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها قوميا، حيث انطلقت عمليات عسكرية واسعة نهاية الاسبوع.

ووسط أجواء الترقب يقلل الخبراء من احتمالات النزاع العسكري، لأن حدود كردستان مع العرب في الشمال الغربي تفصلها منطقة مسيحية حول نينوى تميل الى الحياد دوما، اما جنوبا بين بغداد وكردستان فإن النفوذ من حصة حزب طالباني ذي العلاقة الوثيقة بايران والميال للمرونة، الى درجة ان معظم المناطق المتنازع عليها لن تشهد على الارجح، حصول الاستفتاء درءا لأي احتكاك مسلح، بينما تتصاعد احتمالات ان يتخذ حزب طالباني قرارا كبيرا بوقف عملية الاستفتاء المقررة اليوم، في لحظة تكشف التصدع الداخلي للقوى الكردية في هذا التوقيت بالذات، وتضعف من القيمة التاريخية للعملية برمتها.

back to top