ما قل ودل: الدين والمنهج الدستوري الفكري الوحدوي العربي (1)

نشر في 24-09-2017
آخر تحديث 24-09-2017 | 00:09
 المستشار شفيق إمام في أتون الأزمة الحالية التي تعصف بفكرة الوحدة العربية، واستقواء بعض الدول العربية بالخارج ضد غيرها أو ضد شعبها، والتفتيت والتجزئة اللذين تتعرض لهما أمتنا العربية، على صخرة الإرهاب والفوضى الخلاقة التي دعت إليها كونداليزا رايس وزيرة خارجية أميركا في عهد بوش الابن، يطل علينا دستور الكويت، بمنهجه في الفكر الوحدوي العربي.

فقد كانت الفترة التي وُضع فيها الدستور وإقراره حبلى بأحداث عالمية وإقليمية، تتجاذب الأمةَ فيها التيارات المختلفة؛ تيار التحرر من الاستعمار ونشوء دول كثيرة كانت تحت نيره، والتيار الاشتراكي الذي صاحبته الدعوة إلى عدم الانحياز إلى أي من القطبين المتنازعين على سيادة العالم، والتيار القومي العربي الذي نجح في تحقيق أول تجربة للوحدة العربية في العصر الحديث وهي وحدة مصر وسورية.

وحدة الدين والقومية واللغة

ولم تقو الوحدة المصرية السورية على الصمود إلا بضع سنوات قليلة، أثبتت هشاشة ما قامت عليه من شعارات تقوم على القومية الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة، وهي العناصر التي لم تقم عليها الوحدة الأوروبية، التي قامت على ركائز من الاقتصاد والتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، ولعل الرعيل الأول من أهل الكويت الذين وضعوا هذا الدستور، لم يفتهم إدراك هذه الحقيقة بفطرتهم السليمة وثاقب نظرهم والحكمة التي تحلوا بها، فعنوا بهذه الركائز في المنهج الفلسفي الذي تبنوه وهم يصنعون دستور الكويت، دون أن يغفلوا الحلم العربي الذي ما زال يراود أهل الكويت فجاء استهلال نصوص الدستور يبشر بالحلم العربي، وجاء استهلال المذكرة التفسيرية للدستور المكملة لأحكامه يركز على الوحدة الوطنية.

الوحدة الوطنية

ذلك أن الوحدة الوطنية هي أساس نشوء الدولة لتحل محل القبيلة والعشيرة، وتقوم غالبا على وحدة القومية واللغة والدين، إلا أنها قد تقوم أيضا مع تعدد الأديان والأعراق، وتظل العناصر الثلاثة سالفة الذكر، تعزز الحلم العربي في شكل من أشكال الاتحاد أو الوحدة، كما حرص الدستور، في تبيانه للركائز السليمة للوحدتين، على إعطاء أهمية كبيرة للركائز التقليدية الثلاث السابقة، والتي نتناولها فيما يلي:

الدين

وقد عنى الدستور بالدين كركيزة للوحدتين الوطنية والعربية، فنصت المادة الثانية على أن دين الدولة الإسلام، ولم يكن النص على دين الدولة في الدستور، شكلا بغير مضمون، خصوصا أن الدين لصيق بالشخص الطبيعي والدولة شخصي اعتباري، بل باعتبار أن الإسلام هو الدين الذي سينهل منه الدستور الكثير من مبادئه السامية في الشورى وحرية العقيدة والتراحم والتعاون، فضلا عن مبادئ الشريعة الإسلامية، وهو ما سنتناوله تباعا فيما يلي:

الشورى

فقد جاء دستور الكويت ليؤكد الأخذ بالشورى في الحكم في وثيقة التصديق على الدستور وإصداره، كما جاءت المذكرة التفسيرية للدستور لتؤكد هذا المعنى، في استهلالها بقولها: امتثالا لقوله تعالى «وشاورهم في الأمر» واستشراقاً لمكانة من كرّمهم في كتابه العزيز بقوله «وأمرهم شورى بينهم»، وتأسياً بسنّة رسوله، صلى الله عليه وسلم، في المشورة والعدل، ومتابعة لركب تراثنا الإسلامي في بناء المجتمع وإرساء قواعد الحكم.

ثم جاءت المادة (4) من الدستور تطبيقا لذلك بأن أوجبت في تعيين ولي العهد أن يكون بمبايعة من مجلس الأمة، ثم استطردت إلى ما جاء فيها من رغبة واعية في الاستجابة لسنة التطور والإفادة من مستحدثات الفكر الإنساني وعظات التجارب الدستورية في الدول الأخرى.

لذلك جاء النص في المادة السادسة من الدستور على أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا...»، باعتبار هذا النظام الصورة المستحدثة لأنظمة الحكم التي أفرزها تطور الفكر الإنساني والتي تجسد معنى الشورى ولا تتعارض معه.

فضلا عن أن موضوع الشورى هو من الموضوعات الغامضة في التاريخ السياسي الإسلامي، وأن الفقه الإسلامي لم يفرد له كتاباً أو بابا أو فصلا من كتب هذا الفقه العظيم وأبوابه وفصوله، لعزوف العلماء المسلمين عن البحث في أمور الحكم أمام منطق السيف الذي تعامل به الملك العضوض مع الفقهاء، حتى إن من تصدى لهذا الموضوع وهو الإمام الماوردي، أوصى بعدم نشر كتابه المعروف «الأحكام السلطانية» إلا بعد وفاته، خشية أن يلقى مصير الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.

وليقطع الدستور بذلك خط الرجعة على من يقولون إن مبدأ الشورى لا يقوم على سبيل الحتم والوجوب، إنما هو عمل مندوب إن قام به الحاكم استحق عليه الثواب في الآخرة والشكر في الدنيا، وأيضا على من يرفضون نظام الحكم الديمقراطي (انظر في ذلك كتاب «القول السديد في بيان أن دخول المجلس (أي البرلمان) مناف للتوحيد»، وهو اختصار لرسالة «إبلاغ الحق إلى الخلق» لفضيلة الشيخ سيد الغباشي.

حرية العقيدة

في قوله سبحانه وتعالى «لا إكراه في الدين»، وهو المبدأ الإسلامي الذي جسده الدستور فيما نصت عليه المادة (35) منه من أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب».

وفي حرص الدستور على التأكيد على حرية العقيدة، إرساء لركيزة من ركائز الوحدة الوطنية، حيث ينص الدستور في المادة (29) على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top