طفيليات العالم تنقرض... إنّه خبر سيّئ!

نشر في 24-09-2017
آخر تحديث 24-09-2017 | 00:02
No Image Caption
ماذا لو اختفت الطفيليات من العالم فجأة؟ نظراً إلى الجهد الكبير الذي بذلناه لمحاربة البعوض الحامل للملاريا ودودة غينيا المريعة، قد يدفعنا هذا الخبر إلى الاحتفال. ولكن فكر ملياً: قد تترتب على خسارتنا هؤلاء اللصوص، مصاصي الدماء، والمتطفلين عواقب كارثية على البيئة وصحة الإنسان.
الطفيلي كائن يعتمد في معيشته على كائن آخر (فكّر في بق الفراش، العلقات، سمك مصاص الدماء، ونبتة الدبق). حققت هذه الكائنات المتطفلة نجاحاً كبيراً: يُصنّف نحو نصف الأنواع الـ7.7 ملايين على الأرض من الطفيليات. وتطور نمط الحياة هذا بشكل مستقل مئات المرات. ولكن في دراسة نُشرت أخيراً في مجلة «التقدمات العلمية»، حذّر الباحثون من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يدفع نحو ثلث الأنواع الطفيلية على الأرض إلى الانقراض بحلول عام 2070.

قد يؤدي هذا النوع من الموت الجماعي إلى كارثة بيئية. يذكر كولن كارلسون، الباحث المشرف على الدراسة وطالب دراسات عليا يدرس علم تبدل الأحياء العالمي في جامعة كاليفورنيا: «من النقاط التي تعلمناها عن الطفيليات خلال العقد الماضي أنها تشكّل جزءاً ضخماً ومهماً من نظامنا البيئي أهملناه طوال سنوات».

يملك كارلسون خبرة واسعة في مجال الأبحاث التي تُظهر تحفيز التبدل المناخي موجة موت الأنواع الكبيرة التي نشهدها راهناً. ولكن قبل أربع سنوات، أُتيحت أمامه فرصة تأمل مجموعة أقل شهرة: الطفيليات. يخبر كارلسون: «أُنجزت في العقود القليلة الماضية أبحاث كثيرة سعت إلى فهم أسباب انقراض الثدييات الكبيرة أو طريقة تفاعل المحاصيل مع التبدل المناخي. ولكن ثمة أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات التي لا نعرف الكثير عنها».

شكّل كارلسون فريقاً هدفه اكتشاف مدى تأثر الأنواع الطفيلية بالحرارة خلال العقود المقبلة. ارتكز الفريق في توقعاته لهذا البحث على «نموذج قد يبدو بسيطاً» من دراسة بارزة نُشرت عام 2004 في مجلة Nature وربطت معدلات انقراض الأنواع بحجم ما يتوقع العلماء أن تخسره من مواطنها الطبيعية. لكن كارلسون يستدرك موضحاً: «تبقى المشكلة في أننا لا نعلم الكثير عن أماكن عيش الطفيليات».

يكمن الحل للإجابة عن هذا السؤال في مجموعة الطفيليات الوطنية التي يديرها متحف سميثسونيان. شُكّلت هذه المجموعة طوال 125 سنة، وتحتوي على أكثر من 20 مليون عينة من الطفيليات من آلاف الأنواع يعود بعضها إلى مطلع القرن التاسع عشر. صحيح أن هذه المجموعة ضخمة، إلا أنها تبقى جزءاً صغيراً نسبياً من تنوع الطفيليات العالمي. رغم ذلك، أدرك كارلسون أن هذه المجموعة، التي تضم عينات من أميركا الشمالية خصوصاً، إلا أنها تمثل كل القارات، قد تشكّل قاعدة بيانات تاريخية تساهم في توقع الامتداد الجغرافي لأنواع محددة من الطفيليات.

سعى كارلسون للتواصل مع القيّمة على المجموعة آن فيليبس، وهي باحثة متخصصة في علم الحيوان في متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي. شملت الخطوة الاولى تنظيم الكثير من سجلات التقارير القديمة. توضح فيليبس: «بما أن هذه مجموعة قديمة جداً، فما زال الكثير من التقارير يعتمد مواقع محددة مثل ‘هذا الجدول عند تقاطع الطرق السريعة ذاك، على بعد 10 كيلومترات من تلك البلدة’. صحيح أن هذا مفيد جداً، إلا أننا نفضل اليوم استخدام احداثيات نظام تحديد المواقع العالمي GPS».

عمل فريقها من الباحثين على إدخال عشرات آلاف العينات ومواقعها إلى قاعدة بيانات رقمية على شبكة الإنترنت، مطوراً ما وصفه كارلسون بأكبر سجل للطفيليات من هذا النوع. وبالاعتماد على هذا المورد الضخم، بات بإمكان الباحثين استعمال نماذج على الكمبيوتر لتوقع ما قد يحدث لأكثر من 450 نوع طفيليات مختلفة عندما يغيّر التبدل المناخي مواطنها، مستندين في ذلك إلى كيفية تبدل مداها خلال القرنين الماضيين.

ما كانت الخلاصة التي توصلوا إليها؟ حتى في السيناريوهات الأكثر تفاؤلاً، سينقرض نحو %10 من أنواع الطفيليات بحلول عام 2070. أما في أحلك الظروف، فسيختفي ثلث الطفيليات بأكملها.

سيترتب على موجة الانقراض هذه الكثير من العواقب السلبية. تذكّر أن الطفيليات تؤدي دوراً مهماً في ضبط أعداد مضيفيها وفي توازن النظام البيئي ككل. أولاً، تقتل الطفيليات بعض الكائنات وتجعل أخرى ضعيفة أمام أعدائها. على سبيل المثال، عندما يُصاب طائر الطيهوج الأحمر بالدودة الخيطية Trichostrongylus tenuis، تنبعث منه رائحة أقوى، ما يسهّل على المفترسين العثور عليه وافتراسه. ولا شك في أن هذا يساهم في الحد من أعداد هذا الطائر.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون للطفيليات تأثيرات غير مباشرة. على سبيل المثال، عندما يُصاب حلذون الونكة الشائعة بالديدان المثقوبات Cryptocotyle lingua، يتناول مقداراً أقل بكثير من الطحالب في مواطنه على الساحل الأطلسي لأن الطفيليات تضعف جهازه الهضمي. ومع تراجع شهيته، تصبح كمية أكبر من الطحالب متوافرة لأنواع أخرى من الحيوانات. علاوة على ذلك، ثمة ملايين من أنواع الطفيليات غير المكتشفة التي لا يسعنا سوى تخمين دوها البيئي.

تشدد فيليبس: «من الصعب توقع ما سيكون تأثيرها في النظام البيئي بما أننا لا نعرف ماهيتها بعد. تُعتبر هذه إحدى النقاط الأكثر إثارة للقلق في توقعات هذه النماذج، لأنها تشعرنا بمدى إلحاح الحاجة إلى اكتشاف التنوع المنتشر في الطبيعة».

تأمل فيليبس وكارلسون في المستقبل أن يقومَا بالمزيد من التحاليل، مستخدمَين قاعدة البيانات الجديدة هذه بمستويات أكثر دقة بغية توقع أداء طفيليات محددة في مناطق مختلفة مع تبدل المناخ. ويعتقد هذان الباحثان أن الطفيليات الأكثر قدرة على الهجرة والتكيف مع مواطن جديدة ستحقق، على غرار الكثير من الكائنات الأخرى، أداء أفضل من تلك المرتبطة بأماكن محددة.

ولكن حتى لو تمكنت الطفيليات من تخطي هذه العقبات بنجاح، تشكّل التبدلات الجغرافية المرجحة مشاكل محتملة للإنسان. لا شك في أن الطفيليات قد تؤذي البشر، كما في حالة البعوض الذي ينقل أمراض زيكا، الملاريا، وحمى الضنك. ولكن في هذه الحالة، قد يكون الشر الذي تعرفه أفضل من الشر الذي تجهله.

تتطور الطفيليات ومضيفوها معاً عادةً على مر سنوات طويلة، ما يولّد توازناً دقيقاً بينهما. وليس من مصلحة الطفيلي في نهاية المطاف أن يقتل مضيفه، وفق فيليبس، لأن ذلك يعني خسارته موطنه ومصدر غذائه. نتيجة لذلك، قلما تكون الديدان الشريطية مميتة للإنسان الذي يصاب بها. فقد تطورت هذه الدودة لتنتقل إلى أمعائك وتتغذى بالطعام الذي تتناوله، إلا أنها نادراً ما تستهلك كمية كافية من السعرات الحرارية لتقتلك.

ولكن عندما تنقرض طفيليات معروفة، تظهر ثغرة مفتوحة جديدة في النظام البيئي تسعى أنواع طفيليات غازية أخرى إلى استغلالها. وتؤدي هذه الخطوة إلى احتكاك جديد بين نوع طفيليات ومضيف يُعتبران غريبين أحدهما عن الآخر ولم يطوِّرَا بعد علاقة غير مميتة. على سبيل المثال، عُثر عام 2014 على نوع من الديدان الشريطية غريبٍ عن الإنسان في دماغ رجل في الصين، ما أدى إلى إصابته بنوبات صرع والتهاب في الدماغ.

وعن هذه المسألة تقول فيليبس: «أعتقد أن هذا بحد ذاته مخيف بقدر فكرة انقراض الطفيليات».

نظرة محايدة

يذكر كيفن لافرتي، عالم بيئة من وكالة «المسح الجيولوجي الأميركي» تعمّق في دراسة الطفيليات والتنوع الحيوي، أن هذه الدراسة تثير أسئلة مهمة عن سلوكنا تجاه الطفيليات فيما تواجه خطر الانقراض. يكتب لافرتي في رسالة إلكترونية: «في حالات كثيرة، نملك ميلاً إلى أنواع محددة أو نعلّق عليها أهمية بشرية كبيرة. لكن هذا الحافز يتراجع في حالة الطفيليات».

يضيف لافرتي: «صار مجال علم الحفاظ على الأحياء ينظر إلى كل الأنواع نظرة محايدة عند تقييم حاجتها إلى الحماية. وتفرض علينا هذه النظرة حماية الطفيليات مع مضيفيها».

back to top