سياسيون يتناولون تركيبة السكان بشكل إقصائي وخاطئ وخطر

السياسات المالية التوسعية هي العامل الأهم المؤثر في النمو السكاني للوافدين

نشر في 23-09-2017
آخر تحديث 23-09-2017 | 20:00
No Image Caption
استعرض تقرير الشال الأسبوعي الاقتصادي موضوع التركيبة السكانية، وقال إن «هناك سياسيين يتناولون تركيبة السكان في الكويت بشكل إقصائي وخاطئ وخطر، وهذا الطرح ساد أيضا حتى عند مناقشة تركيبة الكويتيين من السكان، واخضعوا تصنيفات بغيضة، مثل: محاكمة معدلات النمو السكاني للكويتيين بالذهاب أكثر من 50 سنة في التاريخ، بنية التشكيك في هويتهم، وتقسيمهم إلى بادية وحاضرة، وسُنة وشيعة، وكلها طروحات مزقت دولاً في أمثلة حاضرة أمامنا».

وأضاف: «المؤكد أن هناك خللاً في التركيبة السكانية، هو خلل كمي، وأخطر ما فيه هو الخلل النوعي، وهو خلل هيكلي قديم، ناتج عن سياسات خاطئة، وطُرح حينها متزامناً مع خلل نتج عن هيمنة النفط؛ إنتاجياً ومالياً، على قدر الاقتصاد المحلي. تلك الاختلالات لا ذنب للوافد فيها، فطلب الرزق أمر مشروع، مارسه الكويتيون عندما كانت مواردهم شحيحة، سواء في هجراتهم؛ صيفاً وشتاءً، عن طريق البحر، أو ترحالهم في الصحاري، أينما وجد الماء والكلأ».

وأوضح التقرير أن الأرقام قاطعة في أن العامل الأهم المؤثر في النمو السكاني للوافدين هو السياسات المالية التوسعية، وهي سياسات عامة خاطئة، اتخذتها سلطات اتخاذ القرار المحلية، فزيادة النفقات العامة 5 أضعاف ما كانت عليه بين عامي 2000 و2013، تسببت في مضاعفة عدد السكان بنحو ضعفين، وحققت أهدافاً معاكسة لأي مشروع تنموي حقيقي، وحدث ذلك، رغم تحذير متكرر ومسبق، داخلي وخارجي، لسلطات اتخاذ القرار، بأنها سياسات غير مستدامة.

فاقم انحرافها، ذلك التساهل الكبير مع الفساد ورخاوة القوانين، والتي خلقت من الاتجار بالبشر مصدر ثروة، وجاءت من حصيلة فرض الاتاوات على ضعاف الوافدين، وإن كان لابد من غضب وعقاب، فليكن أولاً من نصيب راسمي السياسات الخاطئة، وللفاسدين المتاجرين بالبشر.

وقال: قبل بضعة أسابيع، نشرت «انترنيشنز» تصنيفها السنوي للدول المستقبلة للوافدين، وجاءت البحرين على رأس الدول الودودة لهم، والكويت ضمن أسوأ 10 دول على مستوى العالم في العداء لهم، أي من أكثر الدول تشدداً ضدهم، وذلك أمر غير طيب، وليس ذلك هو الوجه الحقيقي لناسها».

وأكد «التقرير» أن «التكسب في العمل السياسي أمر متكرر الحدوث، لكن هناك سقفا أدنى لابد من احترامه، وفي سياسات الإقصاء ما بين الكويتيين أنفسهم، أو مع الوافدين، ما يتسبب في عملية تدمير ذاتي، لابد من موقف منها. يضاعف من فداحة أثارها، حكومة ضعيفة، لا رؤية ولا موقف لها، تتحرك مغيرة اتجاهاتها مع كل نفحة ريح، أي مع أي تهديد أو نقد، حتى لو كان مجرد جملة في مدونات التواصل الاجتماعي».

ولفت إلى أن الأهم، هو أن النتيجة الحتمية لمثل هذه المواقف المتعصبة لن تؤدي قطعاً إلى تعديل كمي يذكر في التركيبة السكانية غير تلك الناتجة عن انخفاض إيرادات النفط، وسوف تسوء كثيراً تلك التركيبة من حيث النوعية، لأن المؤهل والقادر من الوافدين سيبحث عن بيئة أكثر وداً، فيما تبقى وتتكاثر العمالة الهامشية مهما بلغت الضغوط.

وتابع: «كان لابد من هذه المقدمة قبل أن نناقش في تقريرنا، وفي ثلاث فقرات منفصلة، آخر الأرقام المتوافرة حول تركيبة السكان والعمالة، وتلك الأرقام مصدرها الهيئة العامة للمعلومات المدنية، دون المراهنة على دقتها».

قضية الاختلال في التركيبة السكانية مطروحة منذ سبعينيات القرن الفائت

قال تقرير الشال بشأن التركيبة السكانية/ الخلل الكمي، إنه في عام 1985 هبط عدد السكان الكويتيين بنسبة -17.4%، مقارنة بعددهم في عام 1980، لأن الحكومة قررت حينها عدم احتساب فئة غير محددي الجنسية ضمنهم. وفي العام نفسه، تبنت الحكومة خطة خمسية، هدفها الأساسي تعديل التركيبة السكانية بهدف موازنة السكان بنسبة 50 في المئة لكل من الكويتيين وغيرهم، وكانت نسبة السكان الكويتيين في نهاية عام 1985 بحدود 27.7 في المئة، وكانت الكويت تعاني هبوطاً حاداً في إنتاج وأسعار النفط، وتعاني تداعيات أزمة المناخ، واشتداد خطر الحرب العراقية الإيرانية، إذ تم في فبراير 1986 احتلال شبه جزيرة الفاو. وكانت تلك الظروف على شدة سوئها، تدعم هدف الخطة الخُمسية بموازنة السكان، لأن الوضع الأمني والاقتصادي طارد للسكان. ورغم ذلك، انخفضت مساهمة الكويتيين في السكان إلى 26.9 في المئة لظروف سياسية كانت سائدة في الكويت بحلول عام 1990، عام نهاية الخطة الخُمسية.

وفي أغسطس عام 1990، حدث الغزو، وأُفرغت الكويت من معظم سكانها، ونظرياً تحقق ما هو أفضل من هدف الحكومة. وبعد التحرير، أعلنت الحكومة الكويتية أنها لن تسمح بأقل من موازنة السكان، حينها كان الكويتيون الأكثر عدداً. ومع نهاية عام 1993، أي بعد أقل من ثلاث سنوات بعد التحرير، بلغت نسبة مساهمة الكويتيين في السكان نحو 40 في المئة. وفي عام 1998، هبطت نسبة مساهمة الكويتيين في السكان إلى نحو 34.6 في المئة، ولكن أزمة نمور آسيا وتدهور أسعار النفط، تسببا في انخفاض نمو الوافدين من السكان في الكويت في عام 1999 و2000 بنسبة -2.8 و-4.7 في المئة، على التوالي، وخلال العامين، ارتفعت نسبة مساهمة الكويتيين إلى 36 في المئة في عام 1999، ثم إلى 38في المئة في عام 2000.

ولابد من التذكير بأن قضية الاختلال في التركيبة السكانية مطروحة منذ سبعينيات القرن الفائت، ولكن كل السياسات العامة كانت تتسبب في تحقيق عكس المعلن من الاهداف، وذلك تكرر مع بدء ارتفاع أسعار النفط بداية القرن الحالي. فبعد النمو السالب للسكان الوافدين في عامي 1999 و2000 كما أسلفنا، تسبب الانفلات المالي منذ عام 2001 وما بعده، في ارتفاع كبير مع معدلات نمو السكان الوافدين، فبلغ معدل نموهم للسنوات 2001 – 2003 نحو 5.6 في المئة سنوياً، ليرتفع إلى معدل 9.7 في المئة للسنوات 2004 – 2007، ثم ليهبط إلى معدل 1.8 في المئة للسنوات 2008 – 2011 بسبب أزمة العالم المالية، ليعاود الارتفاع إلى 4.1 في المئة مع زيادة أسعار النفط للسنوات 2012 – 2016. وذلك يعني أن اتساع هوة الخلل السكاني ما هو إلا متغير تابع للتغير في السياسات المالية، ويدعمه التسامح مع تجارة البشر، أما الوافد، فحاله حال المواطن، ضحية مثل تلك السياسات التنموية البائسة.

ولأن تأثير السياسات المالية على النمو السكاني لا يتحقق إلا بعد فترة سماح، فمن المتوقع حالياً أن يبدأ نمو السكان الوافدين بالانحسار في السنوات القليلة المقبلة، ومن دون جهد يذكر، أسوة بما حدث في عامي 1999 و2000، وما حدث بعد أزمة عام 2008.

ويشير المتوفر من الأرقام، ومصدرها الهيئة العامة للمعلومات المدنية، إلى أن انحسار ذلك النمو قد بدأ، فقد بلغ معدل نمو السكان غير الكويتيين للنصف الأول من عام 2017، نحو 0.4 في المئة فقط، وهو الأدنى منذ بداية الألفية الحالية، بينما بلغ نمو السكان الكويتيين لنفس الفترة 1.1 في المئة، أو نحو 3 أضعاف نمو غيرهم. بمعنى آخر، المتغيرات الخارجة عن قدرتنا على التأثير، سوف تعمل على زيادة نسبة مساهمة الكويتيين في السكان، ولا حاجة للشعارات الإقصائية لبدء تعديل التركيبة، بينما يظل خطر ذلك الخطاب الإقصائي على ما هو أهم، وهو تعميق الخلل النوعي في تلك التركيبة.

الخلل النوعي يشمل ضعف المستويين التعليمي والحرفي

أشار تقرير شركة "الشال" إلى أن الخلل النوعي في التركيبة السكانية أهم من الخلل الكمي، فعندما تكون السياسات العامة حصيفة تصبح نوعية السكان متفوقة بمهارات عالية، وذلك كان ولا يزال حال سنغافورة مثلا، لكنه بالتأكيد ليس وضع التركيبة السكانية في الكويت.

واضاف التقرير ان الخلل النوعي في التركيبة السكانية بالكويت يشمل ضعف المستويين التعليمي والحرفي، ويشمل التوزيع بين الجنسين، والتوزيع بين الجنسيات، والتوزيع بين مواقع العمل -عام وخاص-، ويشمل اتساعا كبيرا في قاعدة الهرم السكاني -الصغار- للكويتيين.

وتشير إحصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، كما في 30/06/2017، إلى أن هناك نحو 130 ألف أمي في جملة السكان الذين تبلغ أعمارهم 10 سنوات وأكثر، وهناك 1.012 مليون فرد، أي نحو ربع إجمالي السكان، يقرأون ويكتبون فقط، أي دون مؤهلات تعليمية، وهناك 378 ألف فرد بمؤهل ابتدائي.

يعني ذلك أن نحو 1.520 مليون نسمة من السكان البالغة أعمارهم 10 سنوات وأكثر، مؤهلاتهم لا تتعدى الابتدائية، ونسبهم من جملة السكان أكثر من 10 سنوات نحو 40 في المئة، وذلك خلل سببه تواضع متطلبات العمل، وهي من تداعيات فشل السياسات العامة في البلد.

وقد يكون ذلك الرقم أكبر، فضمن الإحصاءات المنشورة هناك نحو 400 ألف فرد، أو نحو 9 في المئة من إجمالي عدد السكان، من غير المعروف مستوى تعليمه، وفي إهمال التصنيف التعليمي دليل آخر على ضعف كبير في قاعدة الإحصاءات التي هي زاد العالم المعاصر للتخطيط لمشروعات تنميته.

وعلى الطرف الآخر، هناك ضمن السكان نحو 293 ألفا من حملة الشهادات الجامعية، ونحو 11.8 ألفا من حملة الشهادات فوق الجامعية، تصاحبها ندرة في عدد ومستوى الأبحاث والإبداع، وذلك دليل على ضعف مستوى التعليم من جانب، وعلى وفرة الشهادات المضروبة من جانب آخر، وهو خلل نوعي آخر.

الخلل النوعي قائم أيضا وفقا للجنس، فضمن السكان الوافدين البالغ عددهم 3.086 ملايين نسمة، يبلغ عدد الرجال ضمنهم نحو 2.111 مليون، أي إن نسبتهم إلى المجموع تبلغ 68.4 في المئة، أي انه مجتمع عزاب. وتوزيع السكان الوافدين وفقا لمجموعات الجنسية يضع مجموعتين لكل منهم 40.2 في المئة و27.4 في المئة من جملة السكان الوافدين، أو لهم مجتمعين نحو ثلثي عدد سكان الوافدين.

والخلل النوعي بكل مكوناته أمر كان من الممكن اجتنابه بالحد الأدنى من التخطيط السكاني، وذلك لم يحدث ولا يحدث ما لم تكن للدولة أهداف تنموية رشيدة ومعلنة، تعنى بنوعية الوظيفة، وتعنى بمخاطر الخلل المحتملة، وتسبقها في التحكم بالكم والكيف، كما هو حال السويسريين مثلا.

ولكن كل ما حدث قبل الاحتلال، ورغم بناء وتبني خطة تنموية في عام 1985 هدفها الرئيسي تعديل خلل التركيبة السكانية، ورغم ما أتاحه الاحتلال من فرصة لإعادة إصلاح التركيبة، كانت وما زالت السياسات العامة تعمل مناقضة للأهداف السكانية المعلنة.

يضاف اليها ما سوف نتطرق له في فقرة لاحقة حول اختلال ميزان العمالة، وهي القنبلة القادمة الناتجة عن وجود نحو 450 ألف كويتي دون سن العشرين، وهم قادمون إلى سوق العمل في اقتصاد لا علاقة للتعليم بسوقه، وعاجز تماما عن خلق فرص عمل حقيقية.

back to top