بالعربي المشرمح: الليبرالية وتخلف المجتمع!

نشر في 23-09-2017
آخر تحديث 23-09-2017 | 00:07
 محمد الرويحل الليبرالية لا تعني اليهودية أو المسيحية أو أي ديانة، بل هي فلسفة تأسست على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ونجح الغرب في توظيفها لخدمته دون المساس بعقيدته، ولأنها لا تتعارض مع الدين كحرية فإن من يتبناها ليس ملحداً أو كافراً، كما يدعي ذلك بعض العرب، ممن سخروا الدين والعقيدة للأنظمة دون سواها.

كتبت في بداية هذا الشهر مقالاً امتدحت فيه مؤسسي الحركة الليبرالية الكويتية وجرأتهم على مواجهة المجتمع باسم صريح لحركتهم، فدعوني لأحاضر في مقرهم للحديث عن الدولتين المدنية والدينية، وما بين المقالة والمحاضرة وبعدها قيل عني ما لم يقله مالك في الخمر، الأمر الذي أكد لي أننا فعلاً مجتمع لا يقرأ، كما أنني لا أَجِد أي تفسير لاشمئزاز المجتمع من أفكار تدعو للحرية والعدالة والمساواة تؤمن بها شريحة من المجتمع، وتحارب من أجل تطبيقها على الجميع، بمن فيهم من يكفِّرهم ويحاربهم.

الأمر الذي حاولت جاهداً أن أقنع به من ناقشني بشأن كفر الليبرالية هو تقديمهم لدليل قاطع على ذلك، فما أفهمه ويفهمه البعض أن الليبرالية فلسفة فكرية تدعو للحرية والعدالة والمساواة، وهي مبادئ لا تتعارض مع الدين ولا تدعو للانحلال الأخلاقي والمجتمعي، لذلك علينا أن نعي جيداً سبب محاربة معظم الحكومات العربية لها، فهل تلك الحكومات دينية بحتة حتى تحارب الليبرالية وتصورها بأنها "كفرية"؟ عندها سنعلم حقيقة الليبرالية وحقيقة الحرب عليها.

وبمعنى آخر فإن دعوة الليبرالية للحرية والمساواة والعدالة للجميع هي دعوة لا تقبلها الدكتاتوريات العربية، لذلك كفروها حتى لا يتبناها المجتمع فيطالب بحريته وكرامته وحقوقه المهدرة، والمسلم يعرف أن تلك المبادئ تبناها الإسلام في بداية ظهوره ودعا لها العلماء، لذلك انتشر الإسلام، وها نحن نرى الغرب عندما وظف تلك الأفكار لخدمته كيف تقدم وكيف أصبح الإنسان الغربي ذا قيمة وكرامة بعد سيطرة الكهنة والكنيسة عليهم قروناً؟

والغريب أن الفكرة الراسخة في ذهن الكثير منا أن الليبرالية كفر وإلحاد وتغريب وانحلال أخلاقي ودعوة للرذيلة والمجون دون أن نعطي أي مجال لفسحة من العقل والتفكير والتدبير لنعرف حقيقتها وفلسفتها وإمكانية تطبيقها في ظل واقع نعيشه يتمثل في انحراف كبير نحو الرجعية والتخلف وتشويه العقيدة والدين، متمثلاً في مجاميع نصّبت نفسها أولياء في الأرض، جعلوا من المستحيل تحقيق العدالة والمساواة والحريّة في ظل الإسلام السياسي الذي شوه كل جميل في عقيدتنا السمحاء، فألصق بها صفة الإرهاب والرعب والخوف، لا دين الرحمة للعالمين، كما نزل على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم.

يعني بالعربي المشرمح:

لست داعياً لليبرالية، وإنما أرى في ظل ما وصلت إليه مجتمعاتنا من رجعية وتشويه للعقيدة والدين أن ما تنادي به هذه الفلسفة من حرية وعدل ومساواة هو الأقرب في وقتنا الحالي إلى التطبيق، وحتى لا يستمر مسلسل تدمير الدين وتشويه الإسلام واستغلاله لأمور دنيوية علينا إبعاده عن السياسة وقذارتها حتى يستعيد عافيته ويُنقى من شوائب وتفسيرات بعض من لبس عباءته.

back to top