«بث مباشر»!

نشر في 22-09-2017
آخر تحديث 22-09-2017 | 00:00
 مجدي الطيب ما الذي أدى إلى انصراف الجمهور عن هذا الفيلم؟

سؤال يشغلني منذ أن شاهدت «بث مباشر»، الذي كتبه طارق رمضان وأخرجه مرقس عادل. الفيلم الذي قام ببطولته الممثل سامح حسين يجمع بين الحس الكوميدي والهم الاجتماعي، ويمثل مفاجأة كبيرة بالنسبة إلى المتابعين، خصوصاً جمهور سامح حسين، الذي اعتاد من الأخير تقديم أفلام يغلب عليها الخفة، وربما السذاجة، والاعتماد على «الإفيهات» بأكثر مما تعتمد على مواقف درامية مكتوبة بعناية!

«فارس» (سامح حسين) ضابط تعرض للإيقاف من عمله، لأنه تجرأ يوماً وطارد الفساد، ولأن الأقدار هيأته للاستمرار في أداء هذا الدور قادته المصادفة إلى مطاردة لصَّين على دراجة بخارية خطفا حقيبة إحدى النساء، وكاد يدفع ثمن شجاعته لولا تدخل الفتاة «مريم» (الممثلة التونسية سامية الطرابلسي)، التي استنجدت به لإنقاذها من نصاب، يُدعى «فودة»، استولى على مبلغ مئة ألف جنيه مصري يخص شقيقها الشاب، وعائلتها، في مقابل وعد بتسفير الشاب إلى الخارج!

بسلاسة، ومن دون مباشرة، يندِّد الفيلم بظاهرة البطالة، واستغلال معاناة الشباب، عبر تكرار الوعود الوهمية، والكاذبة، بتسفيرهم، وعلى هذا النسق الفطن تسير الأحداث؛ فيتعاطف «فارس» مع «مريم»، ويُصر على تعقب «فودة» من دون أن يدري أنه تورط في دائرة جهنمية يمثل الفساد ركناً رئيساً فيها، إذ يكتشف أن «فودة»، الذي لم يظهر مطلقاً طوال الأحداث، ليس سوى غطاء بالوعة نفايات، وأنه أحد الأذرع الطولى في شبكة فساد كبيرة تضم: عضو البرلمان «إلهامي» (سامي مغاوري) الذي قُبض عليه في شقة تُدار للأعمال المنافية للآداب العامة، ورجل الأعمال «عباس الشربتلي» (محسن محيي الدين) بالإضافة إلى صاحب القناة الفضائية ورجل الأعمال «الغزاوي» (مراد مكرم) المعروف بعقد صفقات وهمية لتوريد القمح، وتقاضي عمولات، والاتجار في الآثار!

مثلما ضرب الفيلم بقوة أوكار الفساد الأَوْهَنَ من بَيْتُ الْعَنكَبُوتِ، وهو ما تأكد عقب السقوط السريع لرموز الفساد في قبضة الضابط الموقوف «فارس»، فضح زواج الإعلام ورأس المال، من خلال مذيعة التلفزيون «نوال» (إنجي علي)، التي اقترنت بصاحب القناة الفضائية، لكنه ثمَن في المقابل الدور الشريف للإعلام المنحاز إلى الحق، والحقائق، عبر مذيع «التوك شو» (شريف مدكور)، الذي خصص برنامجه لمتابعة أخبار القبض على رؤوس الفساد، كما سجل انحيازاً واضحاً إلى الإعلام الإلكتروني أو «السوشال ميديا»، الذي يستطيع أن يؤدي دوراً ضخماً داعماً ومُكملاً، وربما مُحرجاً، للإعلام التقليدي، عبر الناشط «ميشو» (أيمن منصور)، الذي نجح في لعب دور «الإعلام البديل»، وتابع في «بث مباشر» رفع الغطاء عن الفاسدين، وحظي بنسبة مشاهدة عالية تعكس مدى احتياج المواطنين إلى من يكاشفهم بالحقيقة، فيما غاب الإعلام الرسمي والخاص، عن المشهد، وكأن الأمر لا يعنيه أو متواطئ على أقل تقدير!

أعلن المخرج مرقس عادل نفسه، في تجربته الأولى، بنجاحه في اختيار الشكل المثالي، الذي طرح من خلاله قضية بمثل هذه الحيوية من دون أن يتخلى عن عنصري المتعة والترفية، كذلك أظهر امتلاكه قدراً ملحوظاً من الموهبة تجلى بوضوح في اختيار زاوية كاميرا يسقط فيها «الشربتلي» من «الكادر» كما سقط على أرض الواقع، في بلاغة سينمائية تُحسب له، على عكس ما فعل في اختيار الأغنية الطويلة «ملوك السوق»، التي قدم فيها المطربين الشعبيين حمدي باتشان وعمرو المصري، ومعهما الراقصة موكا، فاصلاً من الابتذال والسوقية، وأغنية النهاية «الجواز حلو» للمطربة منة عطية، في محاكاة للتوليفة الهابطة التي ألفناها في أفلام «السبكي»!

أعترف بأن خلفية الكاتب طارق رمضان مجهولة تماماً بالنسبة إلي، وفشلت في معرفة ما إذا كان قدم أعمالاً سينمائية أو تلفزيونية سابقاً، لكني أشهد أنه مبدع حقيقي سيكون له شأن كبير في المقبل من الأيام والأعوام، رغم تأثره الواضح، في مشهد محاكمة «فارس» بتهمة انتحال صفة ضابط، بـ «مونولوج» أحمد زكي في فيلم «ضد الحكومة»، ومخاطبة نور الشريف لصورة رئيس الدولة في فيلم «الحقونا»، وهي مناسبة للإشادة به في استعاضته عن غياب «الرئيس» بوجود «القاضي»، والتوجه إليه بالقول: «يا ريس»، وإن بدت المبالغة كبيرة، والوطنية زاعقة، في لغة خطاب «فارس» أثناء محاكمته، وحديثه عن مفهوم «البطل» و{السلطة»، وصراخه الهزلي «إحنا مخطوفين يا ريس»، وهو الهزل الذي استمر بإصدار «الرئيس الفعلي» قراراً جمهورياً بالعفو الرئاسي عن «فارس»، بعد الحكم عليه بسنة وتغريمه عشرة آلاف جنيه مصري، فالنبرة الوطنية المتشنجة أفسدت بساطة «بث مباشر»!

back to top