حسين السماهيجي: الشاعر العربي لا يزال يبحث عن الحرية

نشر في 21-09-2017
آخر تحديث 21-09-2017 | 00:00
يرى الشاعر البحريني د. حسين السماهيجي أن على المثقف العربي أن يكون واضحاً وصارماً في رفض الخضوع لمنطق الإلغاء والتهميش لأي من مكوّنات مجتمعاتنا العربية، سواء السلطات الحاكمة أو أي حزب أو تيار. كذلك على المبدع عموماً أن يقف في الأمام دائماً، ويشير إلى المستقبل، محطّماً الخوف المصطنع الذي يفتعله بعض الأفكار، ومتجاوزاً الرموز التي تشكّل عائقاً بينه وبين الذهاب إلى المستقبل.
حول رؤيته للواقع الأدبي وأعماله وحال الأدب في البحرين، كان الحوار التالي معه.
أخبرنا عن بداياتك في الكتابة والإبداع.

كانت أول كتابة في تجربتي تهجس بالتواصل مع التراث الشعري في رموزه المضيئة. لا أخفيك سرّاً بأنني كنت، وما زلت مع فارق التجربة الآن، شغوفاً حدّ الثمالة بالنتاج الجاهلي على نحو الخصوص، وكانت اللغة والصورة ضاريتين في سطوتهما على الكتابات الأولى. حتى مفهوم خلق العالَم، العالَم الموازي، بالنسبة إليّ كان خاضعاً للهيمنة ذاتها. على أنّ الفارق الحقيقي، في ما أرى، يتمثل في كون هذا الذي يحاول الكتابة حينَها إنما كان يفتّش عمّا يميّز تلك الذّات الشاعرة.

الشعر الصوفي

لماذا اخترت الشعر الصوفي تحديداً في أطروحة الدكتوراه الخاصة بك؟

في الواقع، اخترت الشعر العربي المعاصر الذي وظّف التراث الصوفي، وليس الشعر الصوفي بحد ذاته، واشتغلت في هذه الأطروحة لأنّها تمثِّل بالنسبة إلي هاجساً ذاتيّاً إضافةً إلى كونها متعلّقةً بالجانب الذي أحببته وشغفت به منذ الصغر. الحالة الصوفية متصلة بأرفع ما أنتجه التراث العربي الإسلامي، ووجدت من خلال متابعتي واستقصائي للنتاجات الشعرية المعاصرة والجوانب التي اتّصلت فيها بذلك التراث، أن ثمة مساحات لم تحظ بما يليق بها من اشتغال نقدي، ثمّ نظرت إلى هذا الاشتغال باعتباره جزءاً أساسيّاً من تجربتي الذاتية في الكتابة، ولم أنصرف إلى هذا البحث إلاّ عندما أحسست بأهميته بالنسبة إلي.

ماذا عن ديوانك الشعري «دمٌ على حافّة البياض»؟

إنه آخر تجاربي الشعرية المطبوعة. صدر العام الماضي عن دار «فراديس»، وكان ذهاباً إلى الذات، وإلى الآخر بما هو انعكاس للذات ومرآة لها. كان تفتيشاً عن الحلم والعشق، وكان، فوق هذا كله، هذا الدم المتناثر على الحواف الجارحة.

صدرت لك أعمال أخرى من بينها على سبيل المثال لا الحصر «ما لم يقله أبو طاهر القرمطي، والغربان، وامرأة أخرى، ونزوات شرقية». حدثنا عنها وأي منها الأقرب إليك؟

لكل ديوان قصته الخاصة. أرى أنّها كلها متصلة بي، لذا لا يمكنني أن أفاضِل بينها. كان «ما لم يقله أبو طاهر القرمطي» سبيلاً لي لرؤية العالَم، وهكذا إلى أن أصل إلى «نزوات شرقية» التي أخذتني إلى لحظة جديدة في المعاينة والخلق.

عند المقارنة بين الأمس واليوم، هل ترى أن تجربتك تغيرت؟

بالطبع. في الكتابة، بعد هذه السنوات، صرت أكثر إدراكاً لقبح هذا العالَم ولجماليّاته. القبح من خلال المعادلات التي فرضها علينا الطغاة، والجماليّات من خلال تشظي الأرواح النبويّة التي أزهقت ظلماً وعدواناً. تؤشِّر الكتابة اليوم إلى ذلك الممكن الجميل الذي علينا الذهاب إليه، وبسبب كل ما جرى ويجري، وبسبب كل ما رأيناه ولا نزال نراه، لن تكون الكتابة اليوم كما كانت في الأمس.

قصيدة النثر والواقع العربي

ما رأيك في قصيدة النثر، إذ ثمة من يعتبرها مجرد خواطر شخصية، وماذا قدمت للشعر العربي؟

لا، بل هي نوع أدبي متفوّق، وأستلم مثل هذه المقارنات باعتبارها تضع فن الخاطرة في مرتبة أدنى من غيرها، وهذا ليس صحيحاً أصلاً، وليس هذا المقام مقام نقاش هذه القضية. أمّا قصيدة النثر فقدّمت الكثير والكثير للشعر العربي، ويكفي أنّها أخذت الكتابة الشعرية إلى التركيز على جوانب كانت مغيبة، وقدّمت لنا إنجازات على صعيد الرؤية والصورة مغايرة وتتسم بالمغامرة.

هل تظن أن الإشكالية في مصادمتها» قصيدة النثر» هي مجرد إشكالية مصطلح أم أنها أعمق من ذلك؟

بالنسبة إلي، غدت هذه المقولات ورائي، المهمّ النتاج الإبداعي الجميل والمغاير. لم أعد أهتمّ بالشكل أبداً، إلا ضمن نطاق الدرس والتحليل وبمقدار ما تعني الإضافة الجمالية. أرى أنّ كلّ الأنواع الكتابية لها مشروعيتها الإبداعية.

إلام يسعى الشاعر العربي في تجاوزه حدود الواقع في حداثته؟ وإلى أين يصل في ظل المحددات التي تصنعها أيديولوجيات المجتمع حائلة بينه وبين ما يسعى إليه شعرياً؟

الشاعر العربي أفقه الحرية، ذلك هو ما تقترحه الحداثة دائماً وما تشير إليه، أمّا تلك المحدّدات التي صنعها بعض الأفكار والرؤى فوجودها أمر طبيعي أيضاً. تلك هي طبيعة المجتمعات في وجود قوى مناهضة للتحديث. الشاعر والمبدع عموماً يجب أن يقف هناك، في الأمام دائماً، ويشير إلى المستقبل، عليه أن يحطّم الخوف المصطنع الذي يصنعه بعض الأفكار، وأن يتجاوز الرموز التي تشكّل عائقاً بينه وبين الذهاب إلى المستقبل. لاحظ أنني لم أقل تحطيمها، بل تجاوزها، فحتى هذه الرموز تبقى ضمن دائرة الموروث الذي ينبغي أن نعرفه كي نتمكن من تجاوز المعادلات التي أطلقته في اللحظة الراهنة وحشاً كاسراً.

هل ترى أن الشعر ما زال ديوان العرب في ظل الحضور الكبير للرواية وقول البعض إننا نعيش عصرها؟

متى فقد الشعر عرشه كي نكون بحاجة إلى نقاش مثل هذه المقولة؟! أرى أن ذلك مجرد افتعال لا معنى له. الرواية فن له حضوره، كذلك الشعر.

كيف ترى الحالة الأدبية والوضع الثقافي البحريني عموماً؟

ابتُليت الحالة الأدبية لدينا في البحرين بانكسارات شديدة بسبب ما عصف بالبلاد على أثر أحداث الربيع العربي، وللأسف الشديد، غدونا نرى التشظي على أساس طائفي وبسبب من موالاة السلطة أو معارضتها هو المتحكِّم في المعادلة التي تحكم المشهد في عمومه، وليس الثقافي فقط، وألقى ذلك بظلاله على عموم المشهد الذي يتّصل بحالة الإنتاج المعرفي. آمل بأن نتجاوز الحالة الراهنة بما ينصف المطلب الشعبي الحر، ويعيد تهيئة المشهد الثقافي عموماً ويجعله منسجماً مع تاريخ الحراك الثقافي في البحرين، وهو يتسم بالعمق وعدم الخضوع للسلطة بما هي.

الحراك النقدي

يرى الشاعر حسين السماهيجي أن البحرين تشهد حراكاً نقدياً وإن كان لا يزال قاصراً عن مواكبة الحركة الإبداعية عموماً، كبقية البلدان العربية، ويضيف: «نعم، قدّم من قبل علامات مضيئة، ولكنّه الآن يمرّ بأزمة عميقة لها علاقة بما حدث خلال العقود الأخيرة من تدمير عطّل الحراك النقدي في أهم جوانبه».

حول مشاريعه المقبلة يقول: «لدي مجموعة شعرية جديدة آمل بأن ترى النور قريباً، فضلاً عن تحقيق لديوان شعري لأحد شعراء البحرين المهمين».

الحالة الأدبية في البحرين ابتُليت بانكسارات شديدة على أثر الربيع العربي

النقد في البحرين قاصر عن مواكبة الحركة الإبداعية
back to top