اختبار لقاح «الهربس» يثير جدلاً حول قواعد السّلامة في الولايات المتحدة الأميركية

نشر في 20-09-2017
آخر تحديث 20-09-2017 | 00:04
تدعم الجامعة الأميركية مع مجموعةٍ من الليبيراليين الأثرياء، ومن بينهم مناصر بارز للرئيس الأميركي دونالد ترامب، اختباراً أجنبياً للقاح تجريبي للهربس في تحدٍ لمعايير السلامة الأميركية حول التجارب البشرية.
واستثمر رجال أعمال أميركيون، ومن بينهم مستشار ترامب بيتر تيل نحو 7 ملايين دولار في بحوث حول اللّقاح المعني، وفق الشركة الأميركية الداعمة للمشروع. كذلك دعمت جامعة جنوب إلينوي البحث المذكور والباحث الأساسي في الدراسة رغم أنها لم تستند إلى معايير مراقبة السلامة الأميركية في تجربتها الأولى للقاح بسانت كيتس في جزر الكاريبي.
لم تشرف إدارة الغذاء والدّواء في الولايات المتحدة الأميركية، ولا هيئة الرقابة المعروفة، أي لجنة المراجعة المؤسساتية، على اختبار لقاحٍ يزعم مُبتكروه أنه يمنع تفشّي الهربس. كان المشاركون الأميركيون في معظمهم مصابين بالهربس وأرسلوا إلى الجزيرة مراتٍ عدة لتلقّي اللقاح، وفق الشركة التي أشرفت على الاختبار Rational Vaccines (لقاحات منطقية).

يقول رئيس قسم الأمراض المعدية في مركز «جونز هوبكنز بيفيو الطبي» جوناثان زنيلمان: «الاختبار غير أخلاقي بتاتاً. يرتكز الباحثون على معايير السلامة المطلوبة لغرضٍ وجيه. سيتعرض الناس لخطر الموت في حال حصول أي خطأ».

والمخاطر حقيقية فعلاً. تؤدي الاختبارات التّجريبية الشاملة لفيروسات حيّة إلى إصابات خطيرة في حال عدم تطبيقها بشكلٍ سليم، أو تخلّف آثاراً جانبية على المصابين.

ينتج الهربس التّناسلي عن نوعيْن من الفيروس يؤديان إلى تفشّي قروح مؤلمة، وينتقلان من خلال العلاقة الجنسية أو عبر الاحتكاك بالبشرة في بعض الحالات، وفيما لا تظهر الأعراض على بعض المرضى، يعاني كثيرون منهم بشدّة.

سبب استبعاد اللقاح سياسي أكثر منه طبي، إذ وعد الرئيس دونالد ترامب بتسريع قبول بعض الأدوية من إدارة الغذاء والدّواء، وانتقد مفوّض الأخيرة سكوت غوتليب، الذي تربطه علاقة مالية وطيدة بسوق الأدوية، الإدارة لتفضيلها حماية المستهلك بشكلٍ كبير، ما يضرّ بالابتكارات الطّبية.

في سياق متصل، يقول المتقاعد من مصرف الائتمان السّويسري ومستشار السياسات لمعهد هارتلاند المحافظ بارتلي مادن، وهو مستثمر آخر في اللقاح: «إنها قضيّة اختبار. تعرقل إدارة الغذاء والدّواء الاختبار وسيطالب الأميركيون بالتحرّك ما إن يسمعوا بالأمر».

مراجعة التجارب

يقصد الباحثون الأميركيون غالباً الدول النّامية للقيام بتجارب سريرية بسبب ارتفاع الكلفة محلياً. بيد أن المصادقة على أي دواءٍ في الولايات المتحدة الأميركية، وبحسب قوانين إدارة الغذاء والدّواء، تمرّ بالضرورة بمراجعة التجارب التي تشمل البشر من الهيئة المؤسساتية للمراجعة (أو أية هيئة علمية شبيهة)، ويحق للأخيرة أن ترفض الاختبار استناداً الى مخاوف تتعلق بمعايير السلامة.

يقول روبيرت كاليف الذي عمل مفوّضاً لإدارة الغذاء والدّواء في عهد الرئيس أوباما حتّى يناير 2017 إنه لا يتذكر أية حالة سابقة لم يختبر فيها الباحثون الأميركيون أبحاثهم في الخارج. ويعلق: «تأتي ضرورة الإشراف على التّجارب البشرية لسببٍ محق. طبعاً يمكن إجراء التجارب من دون إشراف قانوني لكنّ ذلك يبقى أمراً خاطئاً».

قلّلت «راشينل فاكسينز»، من أهمية مخاوف السّلامة بشأن اختبار لقاح الهربس مؤكّدةً أن خطر إصابة المشاركين بالأذى ضئيل لأنهم يُعانون الهربس أساساً. أسّس أغوستان فرنانديز الثاث هذه الشركة بالاشتراك مع البروفسور ويليام هالفورد من جامعة جنوب إلينوي. وهو يعتبر أن الأخير، وهو الباحث الأساسي، أخذ الاحتياطات اللّازمة خلال التّحقيق الذي امتدّ من أبريل حتّى أغسطس 2016.

توفي هالفورد بعد صراعٍ مرير مع السّرطان في يونيو الفائت، ودعمت الجامعة عمل أستاذها عبر نشر مقالٍ عن اللقاح على موقعها الإلكتروني، وهي تُعتبر أحد مالكي براءة اختراع اللقاح وأنشأت حساباً لجمع التّبرعات للعمل.

في المقابل، قال مسؤولو جامعة جنوب إلينوي إن القانون لا يفرض عليهم التّحقق من اتخاذ تدابير الحماية اللّازمة بما أن علاقة الجامعة بـ«راشينل فاكسينز» لا تحتمّ ذلك. وأوضح فرنانديز أن الشركة رخّصت اثنتين من براءات الاختراع المتعلّقة باللّقاح من الجامعة.

وتقول المتحدّثة باسم الجامعة كارن كارلسون: «لم تشارك مدرسة الطب في جامعة جنوب إلينوي بتجارب «راشينل فاكسينز» السريرية. لكننا متأكّدون من أن الدّكتور هالفورد اتّبع بروتوكول السلامة المناسب للتجارب السريرية، كونه المسؤول العلمي الرئيس للشركة».

تجاهلٍ لبروتوكول السّلامة

في المقابل، عبّر بعض الباحثين الآخرين عن شعوره بالهلع نتيجة ما وصفه بتجاهل بروتوكول السلامة مدة 70 عاماً من الجامعة. وطالب العلماء بإشرافٍ أكثر دقّة على التجارب السريرية، مشيراً إلى الفظائع التي ارتكبها النازيون في ما يخصّ التجارب البشرية في أربعينيات القرن الماضي.

يقول زنيلمان الذي عمل مستشاراً تقنياً للجنة الرئاسية حول الأخلاقيات البيولوجية في عهد الرئيس أوباما: «لا يمكن تجاهل معايير الحماية المتعلّقة بالبشر والتي تطوّرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». واستشهد الخبير بالأمراض المنتقلة جنسياً بتجارب الحكومة الأميركية في أواخر أربعينيات القرن الماضي والتي أدّت إلى إصابة المشاركين في غواتيمالا بأمراضٍ منتقلة جنسياً من دون علمهم.

قوانين

أصدر الكونغرس في عام 1974 قوانين شاملة لحماية البشر المشاركين في الاختبارات تطالب بإشراف مجلس المراجعة المؤسساتي للبحوث الممولة من الدّولة. وتحدّثت لجنة استشارية في الحكومة لاحقاً عن الحاجة إلى تشكيل لجان مراجعة السلامة لضمان الالتزام بـ«المبادئ الأخلاقية الأساسية» لحماية البشر من الأذى. وفي عام 1979 طالب تقرير بلمونت من الباحثين قياس الأخطار المحتملة التي يتعرّض لها الأشخاص في مقابل فوائد أي اكتشاف طبّي جديد.

وبينما تمنّعت إدارة الغذاء والدّواء عن التعليق على تجارب لقاح الهربس، قالت المتحدّثة لورين سميث داير: «الإشراف على التجارب السريرية إضافة إلى إعادة النّظر فيها من مجلس المراجعة المؤسساتي أمر مهم جداً لإدارة الغذاء والدّواء، ويعدّ أحد المتطلّبات الإلزامية للتّجارب السريرية التي تخضع لأنظمة الهيئة المذكورة».

ورغم تأكيد غوتليب ضرورة الخضوع لإشراف إدارة الغذاء والدّواء، يشكّ كثير من الباحثين أنه ربما يقبل بلقاحٍ مبنٍ على اختباراتٍ لم تتبع الأنظمة الأميركية أو قوانين السلامة في تجاربها.

حتّى أن فرنانديز، وهو مخرج هوليوودي سابق، يقول إنه ومموّليه يخطّطون لإرسال البيانات إلى إدارة الغذاء والدّواء على أمل بالحصول على موافقتها على اللّقاح. وإن لم تستجب الإدارة، فسيستكملون التّجارب في المكسيك وأستراليا. كذلك قال إنه يأمل بالحصول على موافقة هيئة المراجعة المؤسساتية، وهو مصمم على صناعة اللقاح مهما حصل حتى لو كان ذلك خارج البلاد. ولكن من دون موافقة الولايات المتحدة يبقى بيع لقاح من هذا النوع تحدّياً كبيراً.

تنتقد شركة «تيل» التي تبرعت لحملة ترامب الرئاسية علناً سياسة إدارة الغذاء والدّواء، معتبرة أن موافقة الإدارة على الاختبارات غير عملية بتاتاً، ويقول أحد ممثليها: «سيتعذّر عليك اختراع لقاحٍ ضدّ شلل الأطفال بهذه الطريقة».

تصميم

وقال فرنانديز إنه يأمل بأن تشكّل التجارب ضغطاً سياسياً على إدارة الأغذية والعقاقير يدفعها إلى إعادة النّظر في اللقاح. وأضاف أن الأخير سيساعد المرضى الذين يعانون أسوأ الأعراض، ويسهم في الحدّ من انتشار المرض.

فرنانديز الذي يعتبر التّجارب مهمّته الأساسية، ذكر أيضاً: «لن أتوقف. يعاني كثيرون هذه المشكلة». يُذكر أن هالفورد اختبر اللقاح على نفسه وعلى فرنانديز قبل التجارب، وعندما فشل في الحصول على التمويل الحكومي وعلى موافقة هيئة المراجعة المؤسساتية انتقل إلى إجراء التجارب في الخارج.

ويخشى الباحثون مشاركة المصابين بالهربس في الاختبار، أو تناول اللقاح، من دون إطلاعهم على المخاطر المحتملة.

ويعمل حالياً باحثون من جامعات وعيادات خاصّة على نوعين مختلفين من لقاح الهربس تحت إشراف إدارة الغذاء والدّواء وهيئة المراجعة المؤسساتية. ومن المتوقع أن يشهد أحد اللقاحين تجاربه الأخيرة عام 2018 قبل تقديمه إلى إدارة الغذاء والدّواء للموافقة عليه نهائياً. كذلك جربت المنظمات العالمية للصحة نوعاً آخر من اللقاح الفاعل للمرة الأولى.

ويشير كاليف إلى أن بيع الأدوية واللّقاحات مكلف غالباً، ذلك لأنها ليست فاعلة بما يكفي أو لعدم الوثوق بها. ويعلق: «لا تكمن المشكلة في إدارة الغذاء والدواء، بل في كثرة التجارب الفاشلة».

ويؤكد الباحثون في اللقاحات لشبكة الأخبار الصّحية «كايزر» أن تجارب سانت كيتز بيّنت سلامة لقاح الهربس ودوره في الحد من إصابة المرضى بالهربس.

حماسة المشاركين

لم تُنشر النتائج في مجلة لعرض المقارنات المتوافرة في هذا المجال، كذلك باءت محاولات هالفورد السّابقة بنشرها بالفشل. في المقابل، تابع كثير من مرضى الهربس المشروع عبر الإنترنت بأملٍ وحماسة كبيرين.

ويقول ريتشارد مانكوسو، وهو أحد المشاركين الأميركيين في التجارب، إنه قرر مشاركة تجربته علناً رغم صعوبة الأمر، مشيراً الى أنه طُلِب منه المشاركة في التجارب عبر «فيسبوك»، وأصبح في ما بعد أحد أعز أصدقاء هالفورد الذي يصفه بالـ«بطل».

واعتبر مانكوسو أن اللقاح أوقف التفشي الحاد للهربس وعلّق مؤكداً: «أنقذ اللّقاح حياتي».

الباحثون يخشون مشاركة المرضى في الاختبار من دون إطلاعهم على المخاطر

من دون موافقة الولايات المتحدة يبقى بيع لقاح من هذا النوع تحدّياً كبيراً
back to top