عبير ريدان: الشعر هو العين الثاقبة التي تواكب الزمن

تأثرت بالمتنبي والسياب وجبران خليل جبران

نشر في 19-09-2017
آخر تحديث 19-09-2017 | 00:02
عبير ريدان
عبير ريدان
شاعرة شابة نهلت من معين الثقافة العربية والأدب العربي الكثير الكثير مما مكن موهبتها الشعرية وجعلها تسير بخطى واثقة في مشوارها الشعري الذي يضم حتى الآن ديوانين «عندما يتكلم صمتي» (2010)، و«لولاك» (2016).
لم تكتفِ الشاعرة عبير ريدان بالغوص في منابع الأدب بل تعمقت في حضارة منطقتها راشيا في البقاع الغربي اللبناني التي شهدت عبر التاريح أحداثاً كانت مفصلا في الحياة السياسية اللبنانية، وبرز ذلك واضحاً في قوة صورها الشعرية التي تنم عن تعلق بالأرض والتراث والتاريخ.
في «عندما يتكلم صمتي» (2010)، و«لولاك» (2016) تنسجين الحياة بخيوط رومانسية، هل تعيشين الرومانسية في الواقع أم تفتقدينها وتحاولين البحث عنها في الشعر؟

الرومانسية موجودة في لحظات حياتنا اليومية، بدونها لا نستطيع أن نعيش، لأنها تضفي رونقاً على حياتنا، فالتعامل مع الآخرين يجب أن يكون بشكل راق وبلمحة رومانسية، وتعاملنا مع باقي الكائنات والنباتات يجب أن يُصبغ بصبغة رومانسية، كتاباتنا وأشعارنا وفنوننا وأعمالنا وواجباتنا يجب أن تُؤدى بروح رومانسية.

هل يمكن اعتبار ديوانيك يكملان بعضهما البعض من ناحيتي المضمون والأسلوب، أم أن لكل واحد منهما عالمه الخاص؟

يكملان بعضهما البعض، فأسلوب الشاعر هو واحد في مسار عطائه، وأنا لي أسلوبي الخاص في الكتابة يظهر في الديوانين، «عندما يتكلم صمتي» و«لولاك»،

تتكلمين بلغة الوردة والنسيم والفجر في عصر باتت فيه هذه اللغة مفقودة، فهل تحاولين الهرب عبر الكلمة من عصر التكنولوجيا والعالم الافتراضي إلى عالم ترسمينه على قياس أحلامك؟

الشاعر تفيض روحه بالأحاسيس والخيال الجامح، لذا تأخذه إلى ما يحيطه من جمال في أي عصر وأي زمن، بالنسبة إلي كل شيء جميل ومُعبِّر يحويه هذا الكون يشحن روحي ويأخذني إلى عالم الشعر فأنسج منه قصيدة، أليست مهمة الشاعر أن ينتبه بحسه إلى ما لا ينتبه له الآخرون من حوله، فيرسم بكلماته تفاصيل الحياة التي ربما تمر مرور الكرام على الجميع ولكّنه يجسدها بقصيدة؟

تأثر وتراكم ثقافي

بمن تأثرت من الشعراء الكبار؟ وهل تعتبرين أن على الشاعر أن يراكم قدراً من الثقافة قبل أن يمسك بقلمه ويخطّ قصائده؟

على الأديب عموماً، والشاعر خصوصاً أن ينمّي مفرداته من خلال مطالعاته، وعليه أن يوسِّع أفقه وخياله ويجدد أفكاره بالتثقف والإطلاع.

تأثرت بشعراء كثيرين من مدارس مختلفة، في مقدمهم من عمالقة الماضي المتنبي، والنابغة الذبياني، ومن المعاصرين إيليا أبو ماضي، وأدونيس، وأحمد مطر، وبدر شاكر السياب، وأحمد شوقي، والأخطل الصغير، وإبراهيم طوقان، ومحمود درويش، وغيرهم.

ولم يقتصر تأثري على فن الشعر فحسب، بل تأثرت بكتّاب أعلام أمثال جبران خليل جبران، ومخائيل نعيمة، وطه حسين، وإحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس، وغيرهم.

إلى أي مدى تعبّر قصائدك عن شخصيتك وعن نظرتك إلى الحب والحياة والعلاقات مع الغير؟

ما يكتبه الشاعر مرآة ذاته، وبطبيعة الحال ما كتبته من أشعار يعكس شخصيتي ويجسد خيالي وأفكاري وأحاسيسي ورؤيتي. وأنا لا أتكلف الكتابة أو أتصنعها بل تنساق الكلمات في خاطري بعفويتها وسلاستها، فحين تهيم المشاعر والأحاسيس في الذات تجتاحني الكلمات وتحلق بي إلى آفاق بعيدة، فتنساب الأحرف من وجداني بعفو الخاطر بموسيقى خاصة تفرضها أجواء تلك اللحظة الحالمة لتتولد الأفكار والصور على صفحاتي.

ملاذ وملجأ

ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟

الكتابة هي ملاذي وملجأ ذاتي للتعبير والتنفيس عن مكنوناتي، ولبث أفكاري ولإلقاء الضوء على القضايا الهامة في المجتمع، لا سيما أن للكلمة وقع السحر على النفس الإنسانية، وهي القادرة على التغلغل إلى الأعماق. فالكتابة جزء لا يتجزأ من حياتي، وإذا مرّت فترة ولم أكتب فيها أشعر بالتوتر وأن أمراً أساسياً ينقصني، فبيني وبين القلم والورقة صلة ألفة وصداقة.

تعتمدين في شعرك على الصورة الشعرية التي تحملينها الكثير من المشاعر فتغدو القصيدة عندك أقرب إلى الرمزية، فالصمت يتكلم، والسكون ينطلق، والسحاب مسافر ... هل تقصدين بذلك أن تكون القصائد مفتاحاً يلج من خلاله القارئ إلى عوالمه الخاصة من دون تقييده بعالمك؟

في كتاباتي أطرح المواضيع من وجهة نظري وبأسلوبي الخاص المفعم بالصور الشعرية، وللقارئ وجهته الخاصة به ليتصّور ويتخيِّل الصور والأفكار حسب عالمه ورؤيته، ولا أحب أن أُجبِر أي قارئ أن يرى الكلمات بمنظوري الخاص، فالقصيدة كاللوحة الفنية يراها كلٌّ منّا من وجهته ومنظوره الخاص.

تفاعل وإقبال

أنت شاعرة شابة، فهل تعتبرين أن الشعر يمكن أن يصمد ويستمر إزاء هجمة الفنون الأخرى، لا سيما الرواية والقصة القصيرة جداً؟

أجيب عن سؤالك بسؤال: هل توقف الحب في كل العصور القديمة والمعاصرة؟ وتصوير انجازات الأبطال والمآسي ولحظات اللقاء والفراق وجمال الطبيعة والمشاعر المختلفة وغيرها؟ الشعر هو العين الثاقبة التي تواكب الزمن، ومهما تطورت التكنولوجيا ستبقى الموسيقى، وسيبقى الشعر وبقية الفنون لغات التواصل في جميع أصقاع العالم. نعم، الشعر سيبقى ويستمر ويواكب باقي الفنون. الشعر هو التعبير الأمثل للوجدان.

إلى أي مدى يتفاعل الشباب مع الشعر، وهل ثمة إقبال على الدواوين الشعرية؟

الاهتمام بالأعمال الأدبية عموماً، وبكتب الشعر خصوصاً، قلَّ جداً في عصرنا هذا، خصوصاً لدى الشباب لتعلقهم بما هو مرئي ومسموع، فثورات التكنولوجيا والعولمة أسرت اهتمام معظم شرائح الشباب، ولكن تبقى شريحة لا بأس بها تحب الشعر وتقرأه، ومهما كانت الظروف يبقى للشعر بصمته التي لا يعفو عليها ظرف ولا زمن.

شحنات من الإبداع

أنت ابنة منطقة راشيا التي شهدت أحداثاً تاريخية حددت مصير لبنان، ومنها انبثق علم الاستقلال الأول، فإلى أي مدى تؤثر بيئتك في كتاباتك؟

منطقة راشيا الوادي منطقة جميلة جداً، وطبيعتها الخام وبيئتها الفطرية، تبث في الروح شحنات من الابداع، يكفي وجود جبل الشيخ، مشرفاً على قريتنا المتواضعة، ومنزل أهلي في مواجهة هذا الجبل الأشم، حيث نستيقظ على منظر شروق الشمس من جهته، ونشهد انعكاس غروبها الساحر على واجهته، ومنظر النجوم مع القمر عن قرب، بحيث تشعر وكأنها في متناول يدك، فضلاً عن الأهمية التاريخية لهذه المنطقة، والتي تعود إلى آلاف السنين، فقد مرت عليها حضارات وشهدت أحداثاً تاريخية ووقفات صمود ضد المحتلين، راشيا مهد الاستقلال وقلعة الصمود قد زرَعَت في داخلي روح التحدي والطموح، وأرست في ذاتي مشاعر مختلفة في حب الأرض والطبيعة وحب الوطن، وزرَعَت في نفسي الميل للتأمل، وقد جَسْدتُ ذلك في قصائد احتضنها الديوانان.

لبنان بلد الإبداع والمبدعين، وفي سياق الكلام على بيئة راشيا الطبيعية وروحها الفطرية، كيف ترين البيئة الفكرية والاجتماعية ودورهما في إبداع الكتاب والشعراء والمثقفين؟

هنا أحب أن أنوه بدور البيئة الاجتماعية، عائلتي الصغيرة، وعائلتي الكبيرة (المجتمع)، وبالدور الذي تقوم به «جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون (راشيا، لبنان)» بشخص رئيس المحترف الدكتور شوقي دلال بمساندة ودعم المواهب الأدبية والفنية في منطقة راشيا الوادي، وتشجيعها وإلقاء الضوء على أعمالها وإبداعاتها، لا سيما أن منطقة راشيا الوادي تضم مواهب ومبدعين كُثُراً، خصوصاً في الشعر، وقد كان له ولجمعيته الفضل برعاية حفلة توقيع ديواني الثاني في معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت في دورته الأخيرة، وكان المشجع والداعم لي في المتابعة والاستمرار في هذا المضمار، والساعي إلى فتح الأفق والسبل أمامنا للنجاح والبروز.

قطيعة مع الماضي

يعتقد البعض بضرورة القطيعة مع الماضي، ورسم خط في الكتابة مستقل كلياً عما سبق، فإلى أي مدى يصح هذا التوجه، وهل يمكن إحداث قطيعة مع الماضي ومع التراث؟ حول هذا السؤال تجيب عبير ريدان:

«معنى ذلك أن نقطع التواصل مع المستقبل ويبقى الحاضر، لا يجوز قطع أي صلة بالماضي، بل لا بد من أن نبني جسور التواصل بين الماضي والحاضر، وجسوراً عصرية بين الحاضر والمستقبل».

تضيف: «الماضي نقل إلينا الثقافة والحضارة والتاريخ والعلم والاكتشافات، وبنى أسس اللغات والفنون والآداب والموسيقى وغيرها، فهل من المنطق والطبيعي أن ننقطع عن جذورنا؟! وهل يمكننا أن نكتفي بأغصان الشجرة بعد قص جذورها؟ مجرد أن نقص جذورها ستموت، وبالتالي فالجذور هي التي تمد الشجرة بالحياة لكي تظل شامخة».

تتابع: «على سبيل المثال، هل يمكن تدمير المباني المعجزة في التاريخ كبعلبك وتاج محل والأهرامات وغيرها؟ هذه شواهد حضارية، وثمة شواهد في اللغة والشعر أيضاً، يجب أن تظل في عقولنا وفي العقول المقبلة.

عندما تتأجّج الأحاسيس تتقطّر منّي تعابير لا أراقب توازنها بل فعل تسرّبها إلى القلوب
back to top