«الاستفتاء»... والمعادلة القديمة!

نشر في 18-09-2017
آخر تحديث 18-09-2017 | 00:18
 صالح القلاب الكثير مما يجري الآن في العراق، وأخطره الخلاف المحتدم الآن حول قضية "الاستفتاء"، التي اتخذت أبعاداً إقليمية ودولية، معظم أسبابه، إن ليس كلها، يعود إلى ذلك التحالف المفتعل الذي استهدف فئة عراقية محددة هي "العرب السنة"، بعد الغزو الأميركي عام 2003، وإسقاط نظام صدام حسين، وعلى اعتبار أن هؤلاء كانوا هذا النظام، وأنه كان هُم، وبالطبع فإن هذا غير صحيح على الإطلاق، فالحكم منذ عام 1968 كان لحزب البعث الذي كانت نسبة الشيعة فيه بمقدار نسبة السنة، إن لم تتجاوزها، إن ليس على صعيد القيادات العليا فعلى صعيد القاعدة العريضة.

كان المندوب السامي الأميركي بول بريمر هو صاحب هذه الفكرة، لا بل هو صاحب هذا القرار، ولأنه كان واضحاً، ومنذ اللحظة الأولى، أن المستفيد من هذه التركيبة، التي أحدثت شرخاً كبيراً بين العراقيين، سنة وشيعة وأكراداً، لا يزال له التأثير الأكبر في هذا البلد العربي الذي كان ولا يزال وسيبقى عربياً، وهو إيران التي كانت ولا تزال تجتر مرارة ما ذاقته خلال حرب الأعوام الثمانية، التي فتح لها الأميركيون أبواب بلاد الرافدين على مصاريعها، سواء في زمن جورج بوش الابن، أو في زمن باراك أوباما، أو في هذا العهد الجديد الذي لم يتضح بعد "خيره من شره"، وإلى حد أنها أصبحت دولة محتلة بكل معاني الاحتلال، وعلى غرار ما بات عليه الوضع في سورية "القطر العربي السوري".

والمستغرب فعلاً أن الأكراد قد دخلوا هذه المعادلة الخطيرة التي وضع أسسها ونفذها بول بريمر ربما بدافع الثأر من "العرب السنة"، وبحجة أنهم كانوا صدام حسين، وكان صدام حسين هُم، وهكذا فإنهم لم يدركوا وهم في ذروة نشوة ما اعتبروه انتصاراً تاريخياً أن الأخطر في معادلة بريمر هذه أن هناك تياراً من الطرف الرئيسي فيها تبعيته الحقيقية لإيران، وأن موقفه الفعلي بالنسبة للقضية الكردية، التي بقيت عالقة في عنق الزجاجة منذ إسقاط دولة "مهاباد" التي أنشئت عام 1946، هو الموقف الإيراني الرافض كما هو الموقف التركي لأي "كيانية" كردية، وعلى غرار ما يحدث الآن بعد إثارة موضوع "الاستفتاء"، الذي كان مفترضاً التفكير فيه ملياً قبل إعلان إجرائه في 25 الشهر الجاري.

وهنا ونحن نتحدث عن "معادلة" بريمر هذه وجناحيها فإن المقصود ليس العرب الشيعة، الذين لا يستطيع كائن من كان المزايدة عليهم في انتمائهم القومي، ولا التشكيك في صدق ورسوخ عروبتهم، وإنما فئة محددة ومعروفة من هذه الطائفة الكريمة بادرت إلى التذيُّل لإيران مبكراً، وأصبحت اعتماداً على الدعم الإيراني تتصدر الصفوف الأمامية، وهذا كان يجب أن يدركه "الأشقاء" الأكراد قبل أن يتخذوا قرار "الاستفتاء" هذا الذي كان يجب أن يدرس دراسة كافية قبل الإعلان عنه وعن موعده، وكان يجب أن يدركوا أن الإيرانيين والأتراك لن يسمحوا بأي خطوة كهذه الخطوة التي وصفها رجب طيب أردوغان بأنها تشكل خطراً على الأمن الوطني والقومي التركي، وأنه لن يسمح بها حتى وإن اضطرت تركيا إلى المواجهة العسكرية.

والآن وقد أثيرت مسألة "الاستفتاء"، على هذا النحو، فإن ما لم يأخذه "الأشقاء" الأكراد بعين الاعتبار هو أن ما قاموا به وبالأسلوب الذي اتبعوه، والذي وصفه حتى الأميركيون بأنه "استفزازي"، خدم الإيرانيين خدمة لا تقدر بثمن بإرجاع المكانة الإيرانية في العراق إلى ما كانت عليه في البدايات بعد عام 2003، وذلك في حين أن الفترة الأخيرة شهدت مجافاة لهؤلاء وصلت إلى حدود الكره والعداء أيضاً، وفي أوساط الشيعة تحديداً الذين هم من بدأوا الصحوة القومية والعروبية الحالية في هذا البلد العربي، والذي سيبقى عربياً إلى يوم القيامة.

back to top