مسيرة طارق وجيهان رجب (2)

نشر في 18-09-2017
آخر تحديث 18-09-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم جيهان رجب، امرأة مبهرة بمعنى الكلمة، نادرة وغير عادية، شخصية روائية بامتياز، فمن تكون جيهان ذات الأسماء والشخصيات المتعددة؟ إنها "باتريشيا آن "بالولادة أو "تكي" بأغاني المهد أو "جيهان" بالاختيار لاسم رومانسي مرتبط بتاج محل، أو "كيتني" ملائم لروحها الغجرية، أسماء تسمّت بها، وأطلقتها على نفسها في مراحل مختلفة من عمرها، عندما تكون مأخوذة بروح شخصية تناديها تذهب إليها بكل جوارحها لتتشكل بعجينها، وتخلق طينها من جديد لتكون الغجرية "كيتني" أو المحبوبة "جيهان" أو باتريشيا آن ابنة الدبلوماسية الإنكليزية.

فمن تكون هذه المرأة؟

ولدت في البرازيل يونيو 1934، حيث كان والداها يقيمان، يعني برجها الجوزاء المشطور في الزمان والمكان، موجود وغير موجود، قبض ريح۔ تعود إلى إنكلترا وتعيش في "هامستد"، ثم تُرسل إلى "جامايكا" ثم "هامستد"، وهكذا ناسب قدرها المتنقل كابنة دبلوماسيين، صفات برجها المتلون اللامقبوض في الزمان ولا المكان، طائر حر مستقل عن الآخرين بأفكار صلبة ورؤية كاشفة واضحة واستقلال عنهم حتى في المظهر والشكل منذ الطفولة، تشهد عليها قصاقيص المعطف الكلاسيكي الراقي المختار من محلات "هارودز"، رفضت ارتداءه وعملت مقصها فيه ليصبح كومة من المزق الصغيرة، لا أحد يفرض عليها الذوق السائد، ذوقها يأتي من روحها ليس له علاقة بالتصاميم والطرز الشائعة، يروق لها لباس رعاة البقر الأرجنتينيين أو أزياء نيبالية، أو تنزل في مطار النزهة الكويتي القديم 1955 بالساري الهندي وتدهش أخوات زوجها، فيتهامسن:" شنو... يقولون متزوج إنكليزية مو هندية".

وانبهرت بالعباءة حتى بعد أن توقفت قريبات زوجها عن ارتدائها، بقيت وحدها ترتديها، إلى أن استقرت بالثياب البنجابية.

النزعات هذه لا تتوقف على اللبس والمظهر الخارجي، بل انسكبت على التكوين الداخلي لتتشكل شخصية فريدة من نوعها، شكَّلت عجينها مجموعة الثقافات المختلفة، التي هضمتها وتآلفت معها، فمن ثقافة استعمارية آسيوية إلى ثقافة إنكليزية خالصة، ولغات متعددة، ومن فتنة رقص الفلامنكو الإسباني، و"هوبا" تنطلق برحلة على دراجتها الهوائية من إنكلترا إلى فرنسا، تلقي بدراجتها المتحطمة في نهر باريس وتواصل بالقطار رحلتها إلى جبل طارق، ثم تعود إلى إنكلترا، كل هذا وهي في عمر الثامنة عشرة، فماذا ينتظر السنوات القادمة من عمرها؟!

تحصل على وظيفة في مكتب الحاكم البريطاني في كوالالمبور، وفجأة قبل تسلّم العمل يلتقي قدرها بقدر طارق رجب في مقهى "نوتاريني" في إيستبورن جنوبي إنكلترا عام 1954، كان جالساً يرسمها من بعيد وهي جالسة تدرس اللغة الغاليكية، من هنا بدأت حكاية العمر كله، كان القدر قد رتبها وهيأهما قبل أن يلتقيا، وإلا ما تفسير أن يتم إعدادهما بذات المواصفات وبنفس الروح المحبة والعاشقة للفنون والمفتونة بروح الحضارات، التي وحدتهما رغم اختلافات المكان والعادات والتقاليد وحتى الزمان، ونصيحة "برين جاكسون" لها: الا الكويت، ثقافة وحياة مختلفتان تماماً عن ثقافتها وحياتها، لكن لا أذن تسمع ولا قلب يصيخ، من يستطيع تغير مسار القدر؟

فالمفتونة بالثقافات صاحبة المغامرات الأنثربولوجية المنتمية لجمعية المعارف الغجرية والكاتبة فيها، ستجد في كويت الخمسينيات عالمها البريء النيء وستعيش مغامراتها في مجتمع مازال محكوماً بالتقاليد حتى أنها غسلت ملابسها في البحر عندما رأت بعض النسوة يفعلن ذلك، ولم تعرف أنهن العاملات في بيوت العائلات.

ستتطور الكويت وجيهان ستدخل في تجارب لأعمال مهمة ومختلفة، ستهتم بالحياة البرية وحيواناتها إلى جانب مشاركتها في البحث والتنقيب عن الآثار في "فيلكا"، وستحزن لما أصاب الجزيرة من تدمير لكل مواقعها الأثرية بعد الغزو العراقي للكويت، وستشارك في أكبر مظاهرة بالجابرية ضد الغزو، وأطلق العراقيون عليها الرصاص فارتمت على الأرض وصرخت بالحشد: "استلقوا على الأرض".

أعمالها متعددة ومتميزة بداية مع وكالة "توماس كوك" للسفريات، ثم متطوعة في منظمة "سانت جون الإسعافية" وقارئة للأخبار بالإنكليزية في إذاعة الكويت ثم كمدرسة للغة الإنكليزية، ومساعدة في "المجلس الثقافي البريطاني" وقامت أيضاً بتمثيل بعض الأدوار في مسرحه، إلى أن أنشأت هي وزوجها المدرسة الإنكليزية في الكويت، التي أصبحت هي مقرها وعملها الدائم إلى جانب إدارتها للمتحف الخاص بهما.

جيهان مولعة في التعلم والدراسة، تلقت دروساً في اللغات والحلي والرقص والفن التشكيلي والحضارات بما فيها الحضارة العربية.

غابت جيهان وبقيت سيرتها حية متوهجة في يومياتها.

back to top