وقف تدفّق المهاجرين الأفارقة... استراتيجية أوروبا وهم مضلِّل!

نشر في 13-09-2017
آخر تحديث 13-09-2017 | 00:04
يتكلّم جوناثان أوبوت همساً عندما يصف السجن في غارابولي بليبيا. يعيش في زنزانة مع 60 آخرين، مكبلاً كحيوان، ويقول إنه في لحظة عدم انتباه الحراس، ينام على الأرض، ويتعرّض للضرب، ويبقى جائعاً غالباً.
تأمل أوروبا بأن يتقرّر قريباً مصير المهاجرين الأفارقة في مرافق تشاد أو النيجر. فكرة رائعة، ولكنها أيضاً وهم مضلل.
في الحقيقة، تركيز أوروبا الأساسي الآن ينصبّ على إغلاق الطريق عبر البحر الأبيض المتوسط. «شبيغل» ألقت الضوء على هذه الأزمة.
منذ وقت ليس بعيداً، كان جوناثان أوبوت، النيجيري الهزيل البالغ من العمر 23 عاماً، ذو الوجه الشاب والعينين المتعبتين، يعمل مع شقيقه في موقع للبناء في طرابلس في ليبيا على أمل بأن يكسب ما يكفي من المال لمواصلة رحلته إلى أوروبا. ولكن بعد ذلك، قبل نصف سنة، اقتاده رجال يرتدون الأقنعة من شقته إلى غارابولي، بالقرب من نقطة إطلاق تريبوليا للقوارب اللاجئة المتجهة إلى إيطاليا.

يجلس أوبوتي في فناء السجن، حيث يُسمح له بتمديد ساقيه مدة ساعة يومياً، ليعود بعدها إلى زنزانته حيث تنبعث رائحة البراز والبول، ويقبع سجناء يائسون لدرجة أنهم يتعاركون غالباً.

تتوافق رواية أوبوت مع معلومات جمعها نشطاء في حقوق الإنسان ودبلوماسيون. كذلك انتقدت منظمة الإغاثة «أوكسفام» ليبيا، بسبب المزاعم بأنها تسجن المهاجرين في السجون أو المخيمات حيث يتعرضون للتعذيب والاغتصاب. وفي شهر يناير، شبهت وزارة الخارجية الألمانية الأوضاع في مراكز الاعتقال الليبية بمعسكرات الاعتقال النازية. أما تقرير الاتحاد الأوروبي الداخلي عن المخيمات في طرابلس، فوصفها بتجارة الرقيق في العصر الحديث، زاعماً بأن السجناء، ومعظمهم من الأفارقة، يُباعون «ذهاباً وإياباً بين المخيمات».

مع ذلك، يبذل الاتحاد الأوروبي الآن كل ما في وسعه لمنع المهاجرين من الخروج إلى البحر من ليبيا، ما يضمن وصولهم في نهاية المطاف إلى هذه السجون الليبية. وبعد عامين من كلمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الشهيرة، «يمكننا أن نفعل ذلك،» ها هي أوروبا تغلق على نفسها مجدداً. وإذا أكمل القادة الأوروبيون في طريقهم، يمكن لأفريقيا أن تبدو قريباً مثل البلقان: قارة مليئة بالأسوار والحواجز المصممة لمنع المهاجرين من مواصلة رحلاتهم إلى الشمال.

أمر مستحيل عملياً

في مؤتمر قمة اللاجئين في باريس أخيراً، أعاد كل من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة ميركل تقديم مفهوم قديم، دراسة طلبات الحماية في البلدان الأفريقية مثل النيجر وتشاد. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير فشل في اقتراح مماثل في عام 2003، كما فعل وزير الداخلية الألماني السابق أوتو تشيلي.

للوهلة الأولى، يبدو المفهوم منطقياً. إذا تمكن اللاجئون والمهاجرون من تقديم طلبات لجوء في أفريقيا، فلن يكونوا مجبرين على المخاطرة بحياتهم في محاولة للوصول إلى أوروبا، ولن يعودوا مضطرين إلى ركوب مراكب مكتظة يديرها المتاجرون بالبشر، ولن ينتهي بهم المطاف في المخيمات الليبية.

إلا أن من المستحيل تقريباً تنفيذ هذه الخطة، فمن سينشئ ويُشغّل مراكز الاستقبال والاختيار خارج الاتحاد الأوروبي؟ تفتقر البلدان الفقيرة مثل النيجر وتشاد إلى الموارد، كذلك يفوق العبء وكالة اللاجئين، ما يعني ضرورة إرسال المسؤولين الأوروبيين إلى أفريقيا.

ولكن أوروبا ليست قادرة حتى على معالجة طلبات اللجوء بسرعة في اليونان وإيطاليا. وكجزء من اتفاق اللاجئين مع تركيا، تعهدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدراسة طلبات اللجوء خلال أيام، وأعيد الذين رفضت طلباتهم فوراً إلى تركيا، في حين أن الطلبات الأخرى كافة ستوزع في أنحاء أوروبا. لكنّ سوريين كثيرين وأفغاناً وباكستانيين علقوا في الجزر اليونانية خلال العام ونصف العام الماضيين بسبب التأخير في معالجة طلباتهم.

لا يتوافر أي دليل يشير إلى أن هذه العملية ستكون أسهل في أفريقيا. ومن المرجح أن تنمو الأعداد بشكل أكبر، وسيجد الآلاف من طالبي اللجوء أنفسهم عالقين على حافة الصحراء، في انتظار معالجة طلباتهم. وسيضطر عندها الاتحاد الأوروبي إلى فتح معسكرات وتوفيرها لهم. ولكن حتى لو تمكّن الأوروبيون بأعجوبة من وضع إجراءات قانونية في أفريقيا، فإن ما سيحدث بعد ذلك لا يزال غير واضح.

ويسمح لطالبي اللجوء الذين تمتّ الموافقة على طلباتهم بالسفر إلى أوروبا. إلا أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يرفض فعلاً قبول المزيد من اللاجئين. في العامين الماضيين، جزء صغير فقط من 160000 مهاجر، كان من المقرر توزيعه بين بلدان أوروبية أخرى، خرج من اليونان وإيطاليا. وتوقفت المفاوضات بشأن آلية التوزيع الدائم.

أكثر من وهم

ناشد ديمتريس افراموبولوس، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والشؤوون الداخلية والمواطنة، الدول الأعضاء أخيراً من أجل زيادة جهودها لتوطين اللاجئين والمهاجرين من مصر وليبيا والنيجر وأثيوبيا والسودان. وقال في رسالة إلى وزير الداخلية الألماني توماس دي مايزيير: «على أوروبا التزام قانوني وأخلاقي بتوفير الحماية لمن يحتاج إليها حقاً».

أما بالنسبة إلى طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم، فإن الوضع أكثر تعقيداً. ولكل طالب الحق في الطعن في القرار في المحكمة. ولكن في أي محكمة في تشاد سيلتمس طالبو اللجوء طعونهم؟

وبالإضافة إلى ذلك، فان معظم الأشخاص الذين يسافرون راهناً عبر طريق وسط البحر المتوسط ​​ليسوا لاجئين من الحرب الأهلية، بل هم شباب من نيجيريا أو غينيا أو بنغلادش، يبحثون عن عمل، وآفاق حصولهم على اللجوء ضئيلة، ومن المرجح أن يواصلوا محاولة الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر.

تبدو الخطة الأوروبية جذابة، بعبارة أخرى، هي ليست أكثر من وهم. في مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية الألمانية في 24 سبتمبر، تريد ميركل نشر انطباع بأن أزمة اللاجئين تحت السيطرة. أما ماكرون فيريد أن يصور نفسه على أنه منقذ أوروبا. والحقيقة أن أوروبا قررت فعلاً الإغلاق على نفسها. وتسعى إيطاليا إلى المضي قدماً في خطتها لإغلاق طريق البحر الأبيض المتوسط، ​​كما أغلقت النمسا ممر برينر. ميركل هي المستفيد الرئيس من هذه الإجراءات، إذ تمكنها الأخيرة من البقاء في منصب مستشار اللاجئين، حتى مع إغلاق الحدود في الجنوب.

أما الاتفاق مع تركيا، فقد ضمن عبور عدد قليل جداً من الناس عبر بحر إيجه إلى أوروبا، وحتى أولئك الذين يبقون عادة عالقين في اليونان. وتحاول ميركل الآن إنشاء مشروع مماثل في أفريقيا، عن طريق تحويل حدود أوروبا الخارجية إلى شمال أفريقيا. غير أن التعاون مع البلدان الأفريقية يمكن أن يكون أكثر صعوبة من تركيا.

في ليبيا، يجب على أوروبا أن تتعامل مع حكومتين متعارضتين وعدد لا يحصى من الميليشيات. ويدعم الاتحاد الأوروبي حكومة الوحدة الضعيفة لرئيس الوزراء فايز سراج، عبر إرساله ملايين اليورو إليها، كي تمنع المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط، ​​في حين أن السفن الحربية الإيطالية تضمن أن قوات حرس السواحل الليبية تجبر قوارب اللاجئين على العودة إلى الأرض. وأجبرت غالبية منظمات المعونة الخاصة على التخلي عن جهودها لإنقاذ اللاجئين.

خطوة غير حكيمة

تؤيد إيطاليا أيضاً الاتفاق بين حكومة الوحدة وبين جماعتين من الميليشيات الليبية، اللواء 48 والأمو. حتى وقت قريب، سيطرت جماعتان على تجارة تهريب المهاجرين من غرب ليبيا إلى أوروبا، أما الآن فيُدفع لهما لمنع القوارب من الخروج إلى البحر.

مع اتخاذ هذه التدابير، تضع أوروبا حماية حدودها الخارجية في أيدي مجرمين، وهي خطوة مشكوك فيها أخلاقياً وغير حكيمة من الناحية الاستراتيجية، لأنها تجعل أوروبا عرضة للابتزاز. ولكن الأهم من ذلك كله، الحالة الإنسانية التي يجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم فيها، والتي من المرجح أن تصبح أكثر يأساً. فالغالبية العظمى من الذين يصلون إلى ليبيا لا تملك المال اللازم من أجل رحلة العودة. مع ذلك، ما الذي ينبغي أن يحدث للناس في المخيمات؟

رغم ذلك، تعد هذه الاستراتيجية ناجحة إذا نظر المرء فقط إلى الأرقام. وبعدما وصلت الأخيرة إلى مستوى قياسي في شهر يونيو، انخفض عدد المعابر الآن، حيث شهد شهر أغسطس الفائت انخفاضاً بنسبة ٪87 في المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا، مقارنة بما كان عليه الوضع في أغسطس 2016. نتيجة لذلك، قلّ عدد حالات الغرق أيضاً.

رغم ذلك، فمن المرجح أن يكون هذا الأمر مؤقتاً فحسب. عندما يُغلق طريق واحد، يجد المهاجرون بسرعة طريقاً جديداً، فالمعابر من المغرب إلى إسبانيا آخذة في التزايد، على سبيل المثال، وداخل ليبيا، يمكن نقل عمليات تهريب المهاجرين إلى الجزء الشرقي من البلد، والتي لا تخضع لسيطرة حكومة سراج.

ويخشى خبراء الأمن أيضاً من أن تتمكن الميليشيات من استخدام الأموال التي تتلقاها من أوروبا لمحاربة حكومة سراج. عندها ستؤجج أوروبا الحرب الأهلية الليبية، وسيزداد تهريب المهاجرين مجدداً في ظلّ غياب السيطرة الحكومية.

اعترافاً بهذه الإمكانية، تسعى إيطاليا وألمانيا أيضاً إلى قطع طريق المهاجرين إلى البحر الأبيض المتوسط، ​​من خلال إنشاء بعثة لحماية الحدود في الاتحاد الأوروبي على الحدود الجنوبية الليبية. وافقت المفوضية الأوروبية (55 مليون دولار) على البرنامج في أواخر شهر يوليو، وقدّم وزير الدفاع الألماني أورسولا فون دير ليين أخيراً لجيش وشرطة النيجر، 100 شاحنة مسطحة، و115 دراجة نارية، و55 هاتفاً يعمل بالأقمار الصناعية.

الوعود السياسية

الحدود بين ليبيا والنيجر، ورغم أنها تبلغ أكثر من 340 كيلومتراً، فهي تمرّ عبر الصحراء ويكاد يكون من المستحيل ضبطها بالدوريات. ويبلغ طول حدود ليبيا الجنوبية مع تشاد ثلاث مرات أكثر تقريباً. ويبدو أن من غير المرجح أن يستطيع عدد قليل من حرس الحدود في الاتحاد الأوروبي، إحداث فرق كبير.

في نهاية المطاف، لا يمكن وقف الهجرة إلا إذا تحسنت الأوضاع في بلدان المنشأ للمهاجرين بشكل كبير. حتى الآن، تسعى دول أعضاء عدة في الاتحاد الأوروبي إلى إقناع المجلس الأوروبي بخفض مبلغ المساعدات الإنمائية في ميزانية عام 2018 بمقدار 90 مليون يورو. وفي رسالة إلى رئيس المجلس الإستوني الحالي، قال مانفريد ويبر، زعيم حزب الشعب الأوروبي اليميني الوسطي في البرلمان الأوروبي، إنه «دهش» بالاقتراح. وبدلاً من ذلك، ذكر أن على أوروبا أن «تواجه أسباب أزمة الهجرة»، وأن تقليص الإنفاق على المعونة «يتنافى مع وعودنا السياسية».

يوافق معظم الخبراء على أن أوروبا بحاجة إلى سياسة هجرة جديدة بشكل أساسي. ويشكّ المستشار السياسي جيرالد كنوس، الذي ساعد في عقد الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، في إمكان تطبيق النموذج نفسه على شمال أفريقيا. بدلاً من ذلك، يقول إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتّخذ إجراءات اللجوء في إيطاليا، والتي تستغرق أسابيع قليلة فقط، بالإضافة إلى توقيع اتفاقات مع بلدان المنشأ للمهاجرين، حتى يتمكن أولئك الذين لا يحق لهم اللجوء، من العودة إلى ديارهم بسرعة.

وموازاة ذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يشكِّل مسارات قانونية لأوروبا في حق اللاجئين والمهاجرين، وفق كنوس. الأمر الذي يمكن أن يدعم برامج إعادة التوطين من منظمة الأمم المتحدة للاجئين، وإصدار تأشيرات العمل وتسهيل لمّ شمل الأسر. هذا ما يسمى بالسياسة الترحيبية والمنطقية.

* ميركو كايلبرث و بيتر ميولر و ماكسيميليان بوب

تضع أوروبا حماية حدودها الخارجية في أيدي مجرمين

في ليبيا على أوروبا أن تتعامل مع عدد لا يحصى من الميليشيات
back to top