في ضيافة الهنود الحمر

نشر في 12-09-2017
آخر تحديث 12-09-2017 | 00:10
إن ما يدفعني للحديث عن ذكريات العمل والتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها هو رغبتي في مشاركة القارئ العزيز في بعض تلك الأحداث وتصوير أماكن قد لا تخطر على بال أحد، ولقاءات مع بعض الشخصيات التاريخية والعامة.
 يوسف عبدالله العنيزي إن الحديث عن ذكريات العمل والتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها حديث ذو شجون ويلامس الوجدان، فليعذرني القارئ العزيز على سرد تلك الذكريات، ولكن الواقع أن ما يدفعني لذلك هو رغبتي في مشاركة القارئ العزيز في بعض تلك الأحداث وتصوير أماكن قد لا تخطر على بال أحد، ولقاءات مع بعض الشخصيات التاريخية والعامة.

ومن تلك الشخصيات التي سعدت بلقائها في قطار الحياة المطران هيلاريون كابوتشي مطران كنيسة الروم الكاثوليك في مدينة القدس، وقد قامت القوات الإسرائيلية باعتقاله، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات لدعمه المقاومة الفلسطينية وتهريب السلاح لها، وبعد أربع سنوات نُفي خارج فلسطين، التقيت بالمطران كابوتشي في منزل سعادة القائم بالأعمال السوري في مدينة كراكاس عاصمة جمهورية فنزويلا الصديقة، عندما كنت أتولى مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية هناك.

كان لقاء وحديثا ذا شجون، حيث تحدث عن كفاحه ونضاله ودعمه للمقاومة الفلسطينية، ثم تطرق إلى الحديث عن ترابط الأديان السماوية ببعضها، فهي تكمل بعضها في الإيمان برب السموات والأرض، مع التأكيد أن الكتب السماوية الثلاثة قد صدرت من مشكاة واحدة، وأضاف بأنه كثيرا ما كان يستعين ببعض الأحاديث النبوية الشريفة في مواعظ يوم الأحد، نظرا لما فيها من عمق وتجسيد للنفس البشرية وارتباط المخلوق بالخالق جلت قدرته.

من ناحية أخرى وحين كنت في مكتبي تلقيت مكالمة هاتفية من المكتب السياحي الذي يملكه الصديق العزيز د. ريمون قبشة، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية السابق هوغو تشافيز، حيث أفاد بأن المكتب في طور الإعداد لرحلة سياحية لمدة ثلاثة أيام لزيارة منطقة كانايما في وسط غابات الأمازون، وزيارة بعض قرى الهنود الحمر التي ما زالت تعيش حياتها بعيدا عن الحياة العصرية التي غيرتها التكنولوجيا، وبالطبع أبديت رغبتي في الانضمام إلى الفريق، حيث بدأت الرحلة من مدينة كراكاس مرورا بجزيرة مارغريتا، ومنها إلى منطقة كانايما، كان المطار عبارة عن بعض الأكواخ التي تستخدم كصالات استقبال للركاب، وبجانبها كافتريا شعبية تقدم بعص المأكولات الخفيفة، أما سيارة نقل الركاب فكانت «وانيت» طلي بألوان زاهية تحاكي ألوان الغابات المحيطة.

أما السكن فكان عبارة عن غرف مبنية على ساحل البحيرة التي تكونها شلالات «الملاك»، وهي أعلى شلالات في العالم حيث يقارب «ألف متر»، وإذا ما لامست تلك المياه المتدفقة صفحة الماء تطاير الرذاذ في كل أنحاء المنطقة، قضينا اليوم الأول متنقلين بالقوارب في البحيرة وبين الأدغال والعودة إلى مقر الإقامة، حيث قضينا أمسية كاريبية بكل ما في ذلك من روعة وجمال.

في اليوم التالي بدا الجزء المثير في الرحلة، حيث استقللنا طائرة صغيرة من نوع «دي. سي.10» تتسع لعشرين راكبا من مختلف الجنسيات، وبالطبع كنت الكويتي أو العربي الوحيد في المجموعة، وبعد مضي ما يقارب الساعة بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي نحو مدرج ترابي يقع بين الأدغال، ثم توقفت غير بعيد عن بعض الأكواخ التي يسكنها بعض قبائل الهنود الحمر السكان الأصليين لهذه الأدغال، وقد كان استقبالا فيه الكثير من الترحيب والتقدير، بعد ذلك قمنا بتبديل ملابسنا وارتداء الملابس الخاصة بالسباحة، وبدأنا رحلة على الأقدام لعبور النهر متمسكين بحبل مشدود خوفا من الانجراف مع التيار الشديد، وبعد رحلة غاية في المتعة وصلنا إلى ذلك المكان الذي يصعب وصفه.

أزهار وورود بألوان مختلفة نعرف بعضها ونجهل أغلبها، وأشجار عملاقة وغصون وارفة من أعلى قمة الجبل المحيط بالبحيرة، تتهادى تلك الشلالات التي تنبع من خلال ألوان الطيف، والتي تشع من أنوار «قوس قزح»، والتي تحتضن هذه اللوحة التي أبدع الخالق في رسمها، فمن الصعب علينا وصفها، وفي وسط تلك البحيرة الوادعة توجد صخرة كبيرة بدت وكأنها جزيرة، تجمع الفريق بالجلوس فوقها والسباحة حولها، وقد حاول البعض الدخول إلى كهف «كافاك» الذي يقع خلف الشلالات المنحدرة بقوة، وقد حاولت الدخول إلى ذلك الكهف، ولكن قوة الشلال غاصت بي إلى الأعماق، فانسحبت بسلام إلى تلك الصخرة، حيث يجلس الفريق.

قضينا بعض الأوقات التي قد تكون من أروع لحظات العمر في منطقة لا تخطر على البال في جو لا مثيل له، ثم عدنا إلى قرية الهنود الحمر، وكانوا في غاية الكرم، فبعد أن جلسنا على الأرض تم تجميع أكوام من الخشب تم وضعها بطريقة معينة، وأشعلت النار بها حتى غدت جمرا ملتهبا، فألقيت قطع الدجاج المتبل بالأعشاب الهندية التي تم قطفها من الغابات وسفوح الجبال، والتي أعطت تلك القطع طعما آخر لم نذق مثله من قبل، وبعد أن نضجت تم نثرها على طاولة خشبية، وقام الفريق بافتراسها بالأيدي دون استخدام أي من الأدوات الحديثة، وبعد أن وصلنا إلى مرحلة عدم القدرة على الحركة نتيجة ذلك الافتراس افترشنا الأرض لتناول ذلك الشاي بتلك الأكواب الخشبية، وبنكهة الأزهار البرية.

تلك كانت أوقاتا لا تنسى، ولن يجود الزمان بمثلها، وهنا يلح على خاطري بعض أبيات قصيدة «ذكريات» للشاعر أحمد رامي، التي شدت بها سيدة الغناء العربي أم كلثوم:

كيف أنسى ذكرياتي وهي في قلبي حنين

كيف أنسى ذكرياتي وهي أحلام حياتي

إنها صورة أيامي على مرآة ذاتي

وهي لي ماض من العمر وآتي

كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

من الشخصيات التي سعدت بلقائها في قطار الحياة هيلاريون كابوتشي مطران كنيسة الروم الكاثوليك في مدينة القدس

رحلتي السياحية لمنطقة كانايما وسط غابات الأمازون وبعض قرى الهنود الحمر كانت من أجمل لحظات العمر
back to top