حبر و ورق

نشر في 09-09-2017
آخر تحديث 09-09-2017 | 00:00
No Image Caption
أوبنياس

يشعر الإنسان عند السفر بأنه واقع بين ما فات وما سيأتي، من دون أن ينغمس في أي منهما.. غمرني هذا الإحساس لحظة أن وطئت قدماي الصالة الثانية من الصالات الخمس لمطار الملك خالد الدولي الذي يبعد حوالى عشرين كيلومتراً من العاصمة الرياض.

اسمي وائل البرجس، وأقيم في شارع الوشم بحي المربع في عمارة سكنية مخصصة للعزاب، ولكنني في طريقي إلى الهند دون وجهة محددة بها سوى نقطة البداية وهي مدينة مومباي.

أعمل منذ ما يقرب من عشرة أعوام في مصنع للمنتجات البلاستيكية، كأمين مخازن في المدينة الصناعية الأولى في حي الملز، القريبة من وسط الرياض، مقابل الجمارك والميناء الجاف ومطار الملك خالد الدولي، حيث أنا الآن.

تدرجت بين الوظائف المحدودة في إدارة المخازن حتى تمت ترقيتي إلى وظيفة أمين مخزن، وبدأت أشرف على بعض العاملين الذين كانوا في غالبيتهم من الجنسية الهندية.. تنحصر مهام عملي في تنفيذ الخطط وتنظيم الأمور المتعلقة بمخزن الخامات البلاستيكية، ورفع التقارير إلى مدير المخازن بالاحتياجات المطلوبة، وتنظيم دخول وخروج المخزون طبقاً للإجراءات المعتمدة. وتتشكل مسؤولياتي وصلاحياتي فيما يتم تكليفي به من دون أن تكون لي سلطة اتخاذ القرارات إلا في حدود مهامي التي أؤديها.

حصلت في الثانية والعشرين من عمري على بكالوريوس تجارة قسم محاسبة من جامعة الرياض، واستطعت تعليم نفسي اللغة الإنكليزية قراءة وكتابة بجهود ذاتية، وبشكل مقبول يتفق مع احتياجات العمل.

لم أحب عملي مطلقاً، ولا أحببت من قبله دراستي المحاسبة المالية، كان قلبـي معلقاً بالسينما، وأحلم أن أكون ممثلاً سينمائيّاً، مثلي الأعلى في ذلك كان الممثل الأميركي مات ديمون الذي أشبهه إلى حد بعيد كما قال لي الأستاذ وحيد سري المدرس المصري لمادة الرياضيات في ثانوية مدرسة البراعم بالمربع..

كنت أشبهه بالفعل، بيد أن شعري فحمي مجعد، وعينيَّ أكثر اتساعاً، وربما كنت أطول قامة منه وبشرتي سمراء، أما ما تبقي فمطابق تماماً معه؛ هكذا قالت لي مرآة الحائط في غرفة نومي، التي أقف مطولاً أمامها يومياً محاولاً تقليد مشاهد من أدوار مات ديمون في أفلامه التي احتفظ بها على أسطوانات تسجيل فيديو بمكتبتي الخاصة، ولكني لم أحسن محاكاة قدرات مات ديمون الأدائية لعدم التحاقي بمعهد متخصص بالسينما، والذي لا وجود له إلا في بعض الدول المجاورة ورفض والداي فكرة التحاقي بأحدها عندما عرضت عليهما رغبتي بإلحاح..

هذا إلى جانب كوني إنساناً خجولاً بطبعي؛ وهذا ما دعا زملائي سواء، في المدرسة أو الجامعة أو في مصنع المنتجات البلاستيكية، إلى إطلاق صفة الخيالي على شخصي.

حجتهم في إطلاق هذا اللقب أنني أعالج الأمور والمواقف وفقاً لمشاعري، وأحب من حولي، وأتعامل معهم برقة، وأحكم على الأمور وفقاً لإحساسي..

كنت في الواقع أميل ميلاً شديداً إلى الوحدة، والانفراد بنفسي. فلم يكن لي أصدقاء، ولكنني أرحب دوماً بمن أتوقع ألا تتعدى العلاقة معه حاجز المعرفة. لم يكن لدي أقارب أتواصل معهم، وغرقت في وحدتي بعد وفاة والديّ.

لا أعرف سبباً لسفري، سوى رغبتي في الانفراد بخيالي بعيداً عن حياتي اليومية، واتخاذ قرار مصيري مهم في تغيير اتجاهي المهني تغييراً جذريّاً، فما زلت في بداية الثلاثينات من العمر ولديّ متسع من الوقت لتغيير مسار حياتي..

كان خيالي هو كل شيء لا تقر به عقول الآخرين، وكانوا ينظرون إليه على أنه هاجس، أو حلم، أو كألوان الطيف تُشاهد وتختفي. أو مجرد أوهام صنعتها وكأنها سراب غير قابل لتعرف العقل إليه. بل يزيدون على ذلك أنه شيء أريده ولم أحصل عليه، وبالتالي يعتبرونني في أحاديثهم الخاصة غبياً وعديم الحيلة. غير أنهم مخطئون تماماً؛ فخيالي شغف بالحياة، ومن وجهة نظري أهم من المعرفة، لأن المعرفة يمكن لأي أحد أن يتحصل عليها، ولكن الخيال هبة من الله تمكّن صاحبها من الوصول إلى الحقيقة.

في الواقع، لم أتأخر في التفكير بتغيير مسار حياتي، ولكن ظروف انهماكي في تأمين سبل العيش، كانت عائقاً حاسماً في الإحساس بضرورة ذلك التغيير. إنني بحاجة إلى التفكير جديّاً والإجابة عن أسئلة طالما حيرتني، وأكاد أجزم أن حياتي ستتوقف عند هذا الحد لو تغافلت عن الإجابة عنها!

لم تكن الرحلة من الرياض إلى مومباي شاقة، حيث استغرقت زهاء الأربع ساعات، أمضيت بعضاً منها نائماً وغالبيتها منصتاً لما يرويه القابع في المقعد المجاور لي؛ أحد الهنود العاملين في مكتب الملحق الثقافي بالسفارة الهندية في الرياض، وكان على ما يبدو مثقفاً ومولعاً بالأساطير الهندية.

قال لي:

- الأسطورة الهندية حكاية تقليدية تروي أحداثاً خارقة للعادة، أو تتحدث عن أعمال الآلهة والأبطال. وهي تعبر عن معتقدات الشعب الهندي، في عهوده البدائية، وتمثل تصوره لظواهر الطبيعة والغيبيات. وفي عهود أقرب، قام بعض الأساطير الهندية على أشخاص حقيقيين، أو أحداث حقيقية، ومعظمها يعكس الاتجاهات والمُثل العليا للمجموعة التي أبدعتها. ويحمل أبطال الأساطير صفات يعتبرها المجتمع الهندي مثيرة للإعجاب.

كنت أنصت إليه لأن الإنصات ينعش خيالي الخصب، وهو سبيلي إلى المعرفة، فكل إنسان يلج إلى حياتي، يجلب معه عالماً أغرب وأكثر تعقيداً مما كنت آمل أو أتخيل. بالنسبة إليّ مهارة الإنصات ذاتية وأساسية آخذ منها عبراً حياتية جميلة، بما يساعدني على التميز.

أحلامي تجسد حقيقتي، تلك الشفافية التي أتسم بها من حيث إنني أرى أكثر مما يراه الآخرون. وخيالي هو نبع انتمائي ويسبغ عليّ البساطة والروح اللتين تصلان بـي إلى الشفافية.

تأثر قراري بالسفر إلى الهند؛ بحكايات العاملين الهنود وذكرياتهم عن بلادهم، فتعتبر الهند بحسب ما قاله جاري في الطائرة، سابع أكبر دولة من حيث المساحة الجغرافية، والثانية من حيث عدد السكان، وهي الجمهورية الديمقراطية الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم. يحدها المحيط الهندي من الجنوب، وبحر العرب من الغرب، وبنغلاديش وميانمار وخليج البنغال من الشرق وجمهورية الصين الشعبية، نيبال، وبوتان من الشمال.

تعد الهند مهد حضارة وادي السند، ومنطقة طريق التجارة التاريخية، والعديد من الإمبراطوريات، وكانت معروفة بثرواتها التجارية والثقافية فترة كبيرة من تاريخها الطويل. وقد نشأت على الأراضي الهندية أربعة أديان رئيسة هي الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية، في حين أن الزرادشتية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام وصلت إليها في الألفية الأولى الميلادية وشكلت هذه الديانات والثقافات التنوع الثقافي للمنطقة.

تمتلك الهند سابع أكبر اقتصاد في العالم، وثالث أكبر قوة شرائية. وأصبحت واحدة من أسرع اقتصادات العالم نمواً، كما أنها تصنف ضمن الدول الصناعية الجديدة. رغم ذلك، ما زالت البلاد تواجه تحديات الفقر، والفساد، وسوء التغذية، وعدم كفاءة أنظمة الرعاية الصحية العامة. في الجانب العسكري تعد الهند قوة عسكرية إقليمية، كما تُصنَّف ضمن الدول المالكة للأسلحة النووية..

ويُصنف الجيش الهندي على أنه ثالث أكبر جيش في العالم، في حين تحتل الهند المرتبة السادسة في الإنفاق العسكري بين الدول. ونظراً إلى الكثافة السكانية الهائلة، تملك الهند مجتمعاً متعدد الديانات، كما أنه متعدد اللغات ومتعدد الأعراق.

بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي في مطار تشاتراباتي شيفاجي الدولي، وكان المنظر العام من نافذة الطائرة أخضر، نقيضاً للأصفر الذي جئت منه..

وفي الطريق إلى الفندق، كانت الأمطار تهطل بغزارة فوق التلال المحيطة ورافقتنا حتى بوابة الدخول. لم يكن هناك ما استرعى انتباهي أمام حاجز الاستقبال بالفندق سوى وجود رجل نحيف، طويل القامة والشعر الذي تصل أطرافه حتى مستوى كتفيه.

قال لي مبتسماً:

- مرحباً بك في الهند يا سيد وائل!

علقت باندهاش:

- هل تعارفنا من قبل؟

ابتسم فبدت أسنانه الأمامية طويلة هي الأخرى وأجاب قائلاً:

- الهنود مثلكم أهل الجزيرة العربية.. يرحبون دوماً بضيوفهم! لقد سمعت اسمك من موظف الاستقبال أثناء محادثته معك.

صمت لوهلة ثم مال يتناول حقيبة يده وقال:

- أكبرك ربما بعقد من الزمان، لذا فنحن على ما يبدو قد نكون متقاربين فكرياً؛ اسمي أوبنياس تستطيع أن تناديني بـ آبا ورقم غرفتي هو 1313.. يومك سعيد وإلى اللقاء.

استدار آبا باتجاه بوابة الخروج ثم اختفى في زحام بهو الفندق.

كان صباح اليوم التالي في مومباي جميلاً ومشرقاً، حيث توقفت الأمطار عن الهطول تماماً، وجفت الهضاب الخضراء من حول الفندق الواقع في ضواحي المدينة.

تناولت إفطاري من الطعام الهندي الشهي، الذي اعتدت صنوفه في مطاعم الرياض، وما كان يقدمه لي الزملاء للتذوق في المخزن بمصنع المنتجات البلاستيكية بالمدينة الصناعية.

خرجت إلى حديقة الفندق الواسعة للتنزه، وكانت خالية تماماً من النزلاء، حتى أدركت بوابة خلفية للخروج، ووددت لو تجاوزتها إلى الشارع الواسع الملاصق للفندق، إلا أنني شاهدت عدداً كبيراً من الهنود شبه العراة يلتحفون بملابس بيضاء متسخة، بالكاد تستر عورتهم، يفترشون الأرصفة وكأنها مساكن لهم. فترددت قليلاً، ثم قررت العودة من حيث أتيت تحسباً لما قد يكون رد فعلهم لو اخترقت جموعهم.. تباينت ظنوني عندما تقدم مني أحد هؤلاء المتسولين، وقدم لي ثمرة فاكهة غريبة لم أعهدها من قبل، وهو يتفحص وجهي ملياً بعينيه السوداوين الواسعتين اللتين اكتستا بخطوط حمراء عريضة زادت من شكوكي وحيرتي، فشكرته منحنياً على عجل وعدت أدراجي.

خلال سيري على الممر داخل الحديقة، لمحت من بعيد رجلاً يجلس على دكة خشبية طويلة وضعت خصيصاً لاستراحة زوار الفندق أثناء تجوالهم بين أشجارها الباسقة، وعشبها الأخضر الداكن..

وكانت تلك المفاجأة الثانية في ذلك الصباح بعد جحافل المتسولين خارج الفندق. كان الرجل الجالس على الدكة الخشبية هو آبا الذي قابلته بالأمس عند حاجز الاستقبال في الفندق ثم توارى عن الأنظار..

نواميس ملوك الشمس

يُحكى أن ملكاً عاش في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، كان شديد البأس، قوي الشكيمة، سديد الرأي، ثابت العزم متأجج الهمم. أقام العدل بين رعيته بالقسط، وأفشى السلم، وأفاض عليهم من خيرات ملكه الوفيرة. فما من جائع إلا أطعمه، وما من عار إلاّ كساه وألبسه، وما من مستجير إلاّ أجاره وأكرمه. غير أنه فجأة وعلى حين غرّة، انقلب عليه الدهر، وقسا عليه الزمان فصار منفياً خارج البلاد، بتدبير ماكر من ملوك الجوار، قبل أن يبلغ مقاصده في نشر السلم والعدل والمحبة في سائر الأمطار، كما ظلّ يبشره جده الخالد من آنٍ إلى آن. فهل عاد من منفاه وانتقم لنفسه من ملوك الغدر والخيانة، ونفّذ مشيئة جده، أم أنه اعتراه الخنوع والذبول والهوان، فقبره الزمان وغشاه النسيان ولم يعد له مكان إلا في حكايا كان يا ما كان..؟!

يحكى أن حلماً ظلّ يتسلّل إلى نومه بين حين وآخر مذ كان طفلاً إلى أن صار ملكاً واسع السلطان ثم طريداً منفياً يعاني مرارة الخسران.

كبُر وتمدّدت آفاقه وتجدّدت مآلاته وتكالبت عليه نوائب الدهر وهفواته، ولكن ظل الحلم ثابتاً لم يتغيّر سوى ظاهره فقط، فيما بقي باطنه يحمل المعنى نفسه بلا تبدّل! حلم طائرٍ ذهبي اللون، غريب، لم يرَ مثيلاً له من قبل في البرية، له وجه جده الخالد وجناحا رخّ وذيل طاووس. يظهر فجأة أمام عينيه، واقفاً في الهواء محركاً جناحيه بالقدر الذي يجعله ثابتاً أعلى رأسه بقليل إلى أن يفرغ ما بجعبته من نداء:

“هيا.. هبّ من غفوتك أيها الحفيد الطيب وامتثل لأمرنا، أعد مجدي على الأرض ولا تتقاعس ولا تتراجع، قاتل الظلم، ابسط العدل، أفش السلم، انشر الحب، أطعم الجوعى، داو المرضى، اجبر المكسورين، أجر المستجيرين، حرّر المستعبدين وأنصف النساء”. ثم يختفي الطائر العجيب فيهب هو من نومه مذعوراً مرتجفاً من شدة الخوف والبرد، ويصيح بمربيته عواصف: “دثريني ولا تبرحيني”!

يحكى أنه يوم تولّى العرش غداة موت أبيه، أمر بفتح خزائن القصر وتوزيع محتوياتها بالقسط على الفقراء، وأصدر الفرمانات وشرّع قوانين تحرر العبيد وتمنع الاتجار بالبشر وتساوي بين الذكر والأنثى في الميراث، بل في جميع الحقوق والواجبات، وتحرّم الزواج بأكثر من امرأة واحدة. كما صادر أراضي الأغنياء وأعاد توزيعها بالتساوي على الفقراء مع منحهم مبلغاً من المال لإعمارها. واستنفر كل الشباب القادرين على العمل من نساء ورجال للعمل في بناء المستشفيات ودور العلم وشق أقنية المياه الصالحة للشرب وتعبيد الطرق وإنشاء الجسور لربط البلاد بعضها ببعض. وقد أنفق المال بسخاء من أجل إنجاز تلك المشروعات التي شُغل عنها والده بالحروب والغزوات من أجل فرض المكوس والضرائب على القبائل والأمصار التي أخضعها لسيادته. غضب أقاربه وأفراد حاشية أبيه لما نالهم على يد الملك الجديد من ضياع ممتلكاتهم ونسائهم وعبيدهم والامتيازات كافة التي ظلوا يستأثرون بها ويتوارثونها جيلاً بعد جيل، فأخذوا يجأرون بالشكوى والمطالبة باسترداد كل ما صودر من ممتلكاتهم ومناصبهم في سلك الدولة وما يتبعها من مخصّصات وامتيازات. ولمّا لم يجدوا منه أذناً صاغية فرّ بعضهم إلى ملوك الجوار، فيما بقي البعض الآخر منهم، يتربصون به الدوائر في محاولة للتخلص منه وإطاحة عرشه وتنصيب أحد أقاربه بدلاً منه كي يعيد إليهم هيبتهم وأملاكهم الضائعة. غير أن الأمر كان مختلفاً مع عامة الشعب الذي وجد أفراده أنفسهم بين صبيحة وضحاها أحراراً وملاّك أراض يتمتعون بكامل حريتهم وكرامتهم وإرادتهم. ومما قوّى من سلطانه ودعّم أركان حكمه هو اكتشاف مناجم الذهب والفضة في الأراضي الواقعة ضمن أراضيه، فازدهرت الأعمال وتنامى الزرع وتناسل الضرع، فصارت البلاد مقصداً لأصحاب الحرف من بنائين ونجّارين وحدّادين وخطّاطين ورسّامين ونقاشين ومثالين وتجّار وأطباء وفلاسفة وبناة سفن وبحّارة واستكشافيين ومغامرين نزقين.. بيد أن نعمة اكتشاف تلك الثروات الهائلة التي أحالت البلاد إلى أغنى الممالك ومحط أنظار كل من رغب في الحصول على ثروة يؤمن بها حياته، قد انقلبت إلى نقمة، حيث كشرت ممالك الجوار عن أنياب الطمع، فأخذت ترسل الجواسيس وتحوك الدسائس والمؤامرات إلى أن أحكمت خطة لخروج الملك خروجاً أبدياً من أراضيه الغنية لتصبح خالصة لهم، فنجح مخططهم وتمكنوا منه ونفوه إلى ما وراء البحر ومن ثم استحوذوا على خيرات بلاده وكنوزها بعدما نصبوا على عرشها ابن عمه الضعيف (سحت) ملكاً عليها!

مضى ما يزيد عن العشر سنوات ولا يزال الملك المجدد يكابد منفاه وراء البحر، ولم يزل أفراد شعبه يتهامسون باحتمالية عودته إلى عرشه، آملين بأن يرفع عنهم الضيم الذي حاق بهم على أثر غيابه القسري. حيث أمعن الملك سحت الذي نصبه ملوك البر بمباركة صاحبة الجلالة ملكة البر والبحر في تجريدهم من كل مزايا نعموا بها في ظل حكم المجدد، بدءاً بالقوانين التي كفلت لهم حريتهم وكرامتهم وانتهاءً بمصادرة أرضهم وممتلكاتهم بحجة أنهم قاموا بسلبها من أصحابها الأصليين من أقارب الملك ثم ما لبث أن أصدر القوانين التي تبيح العبودية والسلب والنهب وسبي النساء، وشنّ الحروب على القبائل المستضعفة وفرض عليها المكوس والضرائب ووضع البلاد بأكملها تحت وصاية ملكة البر والبحر التي أرسلت بدورها جيشاً لتثبيت ملك خادمها المطيع الملك سحت ووضعت يدها على مناجم الذهب والفضة وكل ثروات البلاد بما فيها الحديد والنحاس والمنتوجات الحيوانية والزراعية على السواء، وعيّنت قنصلاً يرعى مصالحها ويملي سياساتها بل يفرضها فرضاً على الملك سحت الذي لم يكن يتوانى في تنفيذ مشيئتها ورغباتها، فانتدبت الخبراء والمنقبين والعمال المهرة في المجالات كافة، في مقابل الاستغناء عن العمال المحليين والجنود الوطنيين بحجة أنهم خونة يعملون على إثارة الفوضى وإشاعة الفتنة من أجل تقويض سلطان حليفها وخادمها الجديد سحت بهدف عودة المجد إلى عرشه. فتمكنت من إرساء دعائم سلطانها على جميع بلاد البر متخذةً من مملكة الشمس مركزاً تمتد من خلاله أذرعها لتخمد أي تمرد وتسلب وتنهب وتبطش بكل من تسوّل له نفسه الوقوف في وجهها رافضاً تسلطها وجبروتها. يساعدها على نزقها ملوك ضعاف كان في مقدمتهم الملك سحت الذي نصبته وباركته وقلّدته نوط الوفاء

مع وسام الجدارة وأسمته (صديق الأمبراطورة الوفي) مثل بقية ملوك البر، وليعلم الجميع أنه قد أصبح ذا قوة ومنعة بفضل الرابطة المتينة التي تجمعه بملكة الملوك صاحبة السلطان الأكبر والجيوش التي لا تقهر والأسطول الذي يمخر عباب بحار العالم من دون خوف أو حذر!

back to top