ذوو الاحتياجات الخاصة وما أدراك بهم؟!

نشر في 02-09-2017
آخر تحديث 02-09-2017 | 00:10
 عفاف فؤاد البدر اتبعت برنامجاً يطلق عليه «تطبيق الحقيقة»، لست هنا بصدد ذكر ما هو، لكن يكفي أن أقول إنه يقضي بالصيام عن الكلام ٢١ يوماً لعمل نوع من التخلية ثم التحلية ثم التجلية، والأصل فيه أن تغلق على نفسك الغرفة ولا تتفوه بكلمة، بالإضافة إلى صمت الفكر والضجيج الذي يدور في الدماغ منذ أن تصحو إلى أن تنام دون أن يتوقف عن الطحن أو القفز بك من فكرة إلى أخرى مما يشعرك بصداع من كثرة هذه الأفكار.

كنت بمجرد أن أنوي أن هذا اليوم هو يوم الصمت أشعر بأن محركات دماغي توقفت وكأنها في إجازة، ليصبح ذهني كسفينة تسير في بحر هادئ، وسط نهار صاف، والنسيم يلامس أشرعتها بلطف، يداعبها بكل حب ورقة ويتركها لتأتي موجة نسيم أخرى تفعل كما فعلت سابقتها دون أن تحدث أي صخب أو حركة هوجاء، نعم هذا بالنسبة إلى صمت الكلام وإسكات الضجيج الداخلي.

غير أنني كنت أضطر أحياناً إلى الخروج لإنهاء بعض الالتزامات، وهنا كأنني أدرت المحرك لكن ليس بصفة كلية، فأضطر أن أتعامل بالاشارة، وعندئذ أتذكر إخوتي من فئة الصم والبكم الذين نادرا ما نشاهدهم وحدهم إلا الشجعان منهم، الذين يعتبرون إعاقتهم أمراً طبيعياً، بل على العكس هم في نعمة، إذ يكفي أن صحيفتهم خالية من الغيبة والنميمة وإن كان من يفهم حركاتهم يدرك أن بعض هذه السلوكيات قد تمسهم بطريقتهم الخاصة، فضلاً عن استخدام بعضهم الأجهزة المتطورة لتنطق بما يريدونه، فدعوني أحدثكم عن تجربتي وأنا التي لا أعلم بالضبط لغتهم وقد نويت تعلمها بعد هذه التجربة، ولا أملك البرامج أو الأجهزة التي تعبر عني، لكنها جعلتني أشعر بما يعانون أحيانا، خصوصاً مع من لا يفهم حتى لغة الإشارة البسيطة.

مطعم كنت معتادة أن أطلب منه وجبة معينة أختارها بنفسي فينفذها، زرت ذات يوم فرعاً آخر منه، وكنت مازلت ملتزمة بالصمت طوال اليوم، حاولت بشتى الطرق أن أصف لهم ما الذي أريده، استعنت بالكتابة، غير أنني لم أستطع أن أصل معهم إلى الطبق الذي اعتدت طلبه، فاستسلمت للواقع وطلبت ما هو موجود لديهم، فأحسست بإشفاقهم علي، وفي داخلي ينتابني ضحك وفي نفس الوقت الأسى على إخوتنا من فئة الصم والبكم، فزادتني هذه التجربة احتراماً لهم وتذكرت حينئذٍ مقولة، هيلن كلير: «بكيت لأنني لا أملك حذاء حتى رأيت شخصاً لا يملك قدمين»، ففي السابق كنت أشاهد حواراً بدون صوت بين شخصين فكنت أشفق عليهما، وفي نفس الوقت أقول كيف لو استمعا إلى أصوات بعضهما ونطقا باللسان الذي تعطل عن عمله، حتى عشت التجربة ذاتها، فاستشعرت الألم والمعاناة، لدرجة أنني كنت بعد نهاية مدة الصمت أحتاج إلى أن أدرب فكيَّ ليعودا إلى حيويتهما ونشاطها.

وأخيراً مع ما عايشته من هذه التجربة، أحب أن أختم بمقولة تلك العبقرية هيلن كلير التي عبرت عن أن الإنسان يمكنه أن يفجر قدرته اللامتناهية الدفينة بداخله حتى لو كان أصم وأبكم أو كفيفاً، والتي تذكر فيها أن «الأشياء الأكثر جمالاً في العالم لا يمكنك رؤيتها أو حتى لمسها، يجب أن تشعر بها بقلبك».

back to top