تآلُف الأجيال

نشر في 02-09-2017
آخر تحديث 02-09-2017 | 00:11
 عبدالهادي شلا في وقت ما من الزمن تلتقي ثلاثة أجيال أو أربعة، تعيش معاً، كلٌّ له عالمه الخاص الذي لا يخلو من تأثير أحدها على الآخر في مواقف كثيرة، ولكنها تبقى في انسجام أحياناً، ثم تتنافر وتتضارب في حالات أكثر.

هذه الأجيال الثلاثة أو الأربعة، فيها الجـَد والأب والابن والحفيد، ولا يختلف اثنان على أن الحياة قد تتبدل ملامحها وأدواتها عبر هذه الأجيال الأربعة، إلا أن كل جيل يترك أثرا فيما يليه مهما حاول هذا الجيل أن يتجاوزه أو أن ينفيه.

حركة الحياة في جوهرها لا يمكنها أن تقفز كما تشاء دون أن تعلق بها رواسب الماضي الذي تراكم عبر الأجيال، وهذا الموروث له صور وأشكال وأدوات لها نصيب من هذه الحركة اليومية من التطور والتوسع في الاستخدام، في وقت تنمو قدرة الأجيال على الابتكار والاستيعاب الأوسع، لاسيما إذا توافر المناخ المناسب لحرية هذه القدرات، ولاقت التشجيع من الأجيال التي أرست قواعد في التجربة الحياتية.

بلادنا العربية ليست بعيدة عن هذا التطور إلا في الفترة الطويلة التي كانت فيها تحت نير المستعمر، حيث الجهل والفقر العاملان المؤثران في صنع هذه الحالة من التخلف عن ركب التطور، في حين حققت شعوب أخرى تواصلها مع الحضارات، وهو ما نفعها وأضاف إليها الكثير على كل المستويات الفكرية والثقافية والصناعية، والقوة... التي كانت منذ الأزل الأكثر تأثيراً في تغيير مجريات الحياة.

لعل ما كان يظنه الأجداد اكتشافاً أو اختراعاً انتفعوا به قد أصبح فيما بعد شيئاً عادياً لا يثير اهتمام جيل الأبناء أو الأحفاد الذين تفتحت عيونهم على الأزرار الإلكترونية وأجهزتها العجيبة، إلا أننا لا يمكن تحت تأثير الانبهار بالجديد أن ننكر أن ما تم اكتشافه أو اختراعه في زمن ماض كان الشعلة التي أضاءت الطريق أمام الجديد المبهر الذي لم يكن يتصوره عقل إلى زمن قريب.

كان الهاتف على سبيل المثال في زمنه الأول أعجوبة لا يملكها إلا طبقة بعينها في المجتمع، ذلك أن بساطة الحياة ويسر التواصل المتوافق معها كانا يحدثان بدون هذا الجهاز.

اليوم في جيل الأبناء والأحفاد أصبح من الضروريات التي تحتاجها تعقيدات الحياة وتشعبها وتداخلها، مما استوجب أن يمتلك نسبة كبيرة من الجيل الحالي صغارا وكبارا، هذا الجهاز المتوفر بحجم ساعة اليد، ولم يعد ينكره أي من الأجيال السابقة بل تعاملوا معه بيسر، وهذا يدل على أن هناك توافقاً بين الأجيال في حالات لا يمكن تجاوزها حين تكون من مستلزمات الجيل، ولا يمكن الحيلولة دونها.

ما كان يظنه البعض من المعيبات أو المكروهات تعامل معه الجيل الآخر على أنه من الأمور الطبيعية التي لا تستوجب نكرانها، ووضعوا لها التبرير المنطقي وأزاحوا الستار عما ينفع الحياة ويدحر معطلاتها.

حتى وقت قريب كان الشاب يحرص على أن يبدو في كامل أناقته لا يرتدي قميصا أو بنطالا فيه تمزق صغير، ولا يقبل أن يتم حياكته، فأصبحنا اليوم نرى أن البنطال أو القميص الممزق يباع بسعر عال جدا، وتتنافس الشركات العالمية على وضع شعارها عليه.

تواصل الأجيال ليس صراعا بقدر ما هو امتداد لتجربة بدأت من هناك حتى وصلت إلى هنا، جرى عليها الكثير من التعديلات والإضافات التي لا يمكن نكرانها، وهذا يعود إلى قدرة العقل البشري على التطور والسمو والتفكر فيما يجري حوله مثلما حدث مع أرشميدس ونيوتن وغيرهما من العلماء الذين تركوا للإنسانية ميراثا علميا عظيما مازالت تنهل منه وتبني عليه.

لن يتوقف تبادل الأدوار بين الأجيال مادامت الحياة قائمة، وسيبقى التطور قائما مادام الإنسان في حاجة لما يعينه على التغلب على الحياة وضرورياتها.

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top