«عدّاد تركيا»... يمتلئ من جديد

نشر في 31-08-2017
آخر تحديث 31-08-2017 | 00:15
هذه المرحلة من التاريخ السياسي للمنطقة عجيبة، فالعرب والإيرانيون والأتراك والكرد جميعاً غارقون في المشاكل والصراعات والقرارات المصيرية، وكانت تركيا قد نجحت في أن تخرج رأسها من بحر الصراعات لتتنفس قليلاً، و«تصفّر عداد» مشاكلها مع جيرانها، حيث نجحت لبعض الوقت، لكن «العدّاد» امتلأ من جديد!
 خليل علي حيدر ماذا جرى للتجربة التركية الإسلامية؟ ولماذا صارت تدور في دوامة "رهاب الأكراد" ومطاردة أنصار "الداعية غولن" والبحث عن الضالعين في "انقلاب يوليو 2016"، خارجة عن مسارها الذي بدأته قبل سنوات؟

تنسيق تركيا مع إيران ضد الأكراد وسط كل همومها ومخاوفها يحمل دلالات سياسية كثيرة، أولها فشل محاولة ضم الكرد في تركيا إلى المسيرة الوطنية، وعدم اقتناع المكون الكردي بمسايرة حزب العدالة والتنمية، وخوف الأكراد من التغييرات الدستورية وتعاظم سلطات رئيس الجمهورية، والعودة إلى الحصار القومي!

على الصعيد الاقتصادي تشير الصحف إلى تراجع الاستثمار الأجنبي بنسبة 8% في النصف الأول من العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي 2016.

وللاستثمار المرتبط بالدول الغربية أهمية خاصة في تركيا، فمن بين نحو 55 ألفا و639 شركة من الأموال الأجنبية خلال الأشهر الستة الأولى من العام، كان هناك 40% منها مرتبطة بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالطبع فلأوروبا أهمية خاصة لتركيا من ناحية الدخل السياحي وكسوق لمنتجاتها الزراعية والصناعية وغير ذلك، ففي قطاع صناعة السيارات، وبحسب معطيات مجلس المصدرين الأتراك، زادت نسبة الصادرات التركية إلى ألمانيا خلال الأشهر الستة الأولى من العام بنسبة 28% تلتها بريطانيا بنسبة 37% ثم إسبانيا بنسبة 60%، وقد حافظ السوق الألماني على مكانته كسوق الاستيراد الأول من تركيا في أوروبا، حيث بلغت صادرات تركيا إلى ألمانيا في يوليو الماضي أكثر من 11 مليار دولار، بل "أظهرت المعطيات عدم تأثر العلاقات التجارية بالتوترات السياسية الأخيرة مع ألمانيا".

وتضيف "الشرق الأوسط"، أن "شركات صناعة السيارات العالمية مثل تويوتا وهيونداي وفورد وغيرها تدير مصانعها في تركيا كمراكز للتصدير ولا يباع سوى جزء من الإنتاج في السوق المحلية". (6/ 8/ 2017).

وتقول صحيفة "الحياة" إن "النموذج التركي الناجح يتراجع نتيجة أحلام العظمة ورهاب المؤامرات". (1/ 7/ 2017).

لم تعد تركيا "طرفا محايدا" في العالم العربي أو تجربة ملهمة، بل إن علاقاتها متوترة مع بعض دوله، وفي المملكة الأردنية، تحدث الرئيس التركي عن زيارته للأردن مبديا رغبة بلاده في زيادة حجم التبادل التجاري مع عمان إلى مليار دولار، كما أكد دور الأردن في حماية المقدسات، وأشاد الرئيس "أردوغان" بإغلاق الأردن المدرسة الوحيدة التابعة لمنظمة "فتح الله غولن"، وترحيل السلطات الأردنية العاملين فيها.

وقد علقت "القبس" في تقريرها بالقول "إن السياسة والحرب تخلقان شراكات غريبة، وهو ما تثبته إيران وتركيا الآن، إذ تعمل الدولتان المتنافستان تاريخيا على تنحية بعض خلافاتهما جانبا للتركيز على الأولويات المشتركة، لا سيما عرقلة التقدم الذي يحرزه الأكراد في سبيل الحصول على المزيد من الحكم الذاتي". (22/ 8/ 2017).

وقال محللون روس في التقرير نفسه "إن المسؤولين في أنقرة يرون أن إيران يمكن أن تساعد تركيا لكي تصبح حلقة وصل للغاز المتدفق من بلدان آسيا الوسطى إلى الاتحاد الأوروبي". أما مركز "ستراتفورد" الأميركي فيرى أن الاتفاق التركي - الإيراني حالة مؤقتة، مع واقع عدم استقرار الشرق الأوسط الذي سيفسد الود بين البلدين، وبخاصة تطورات الأوضاع، في سورية والعراق.

ومن طهران كتب المحلل "فرزاد قاسمي" إن مصدراً مقربا من رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري كشف لصحيفة الجريدة الكويتية "أن القيادة العسكرية التركية أبدت استعدادها للانضمام إلى محور الرئيس السوري بشار الأسد بقيادة طهران وموسكو في ظل تخوفهما من تحركات واشنطن، وأن الأتراك عرضوا على الإيرانيين إجراء عملية تشارك فيها تركيا من شمال إدلب بسورية، وإيران وسورية وروسيا من الجنوب".

من جانبه نفى الحرس الثوري الإيراني تنفيذ أي عمليات خارج حدود إيران، وذلك في رد على أنباء أفادت بتنفيذ عمليات مشتركة بين إيران وتركيا ضد قوات حزب العمال الكردستاني PKK.

ورغم انتشار التعبئة المذهبية والطائفية في المنطقة، فإن اشتراك الأتراك والأكراد في "المذهب السني" بعكس إيران، لا يعوق التقارب التركي- الإيراني في هذا المجال، وخلال هذه الفترة، كما تبذل تركيا المستحيل لإقناع الحليف الأميركي بمدى استياء أنقرة وشدة قلقها من "موقف واشنطن الداعم للميليشيات الكردية في سورية، والتي تشكل من وجهة نظر تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى المخاوف من خطة أميركية للتدخل في إدلب بسورية بزعم محاربة جبهة النصرة لتمكين الأكراد من السيطرة عليها".

(الشرق الأوسط 22/ 8/ 2017).

وتتوجس تركيا كل الشر من التصويت على حق الانفصال الذي يلوح به "البرزاني" في العراق، والذي سيجسد للرئيس التركي وغيره أسوأ المخاوف الانفصالية، وفي الغرب، تخوض تركيا حرباً إعلامية ودبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي ومع الألمان خاصة، حيث طالب المسؤولون الأتراك بني قوميتهم من "الأتراك الألمان"، بعدم التصويت للأحزاب الألمانية "المعادية" لتركيا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ودخل الرئيس التركي في صراع مع السلطات الألمانية مطالباً بالسماح بإلقاء الخطب في الجموع التركية، وفي ألمانيا نفسها.

ويتساءل المتابعون: لمن ولاء الأتراك في ألمانيا، لحكومتهم أم لتركيا؟ وهل يحق للحكومة التركية التدخل إلى هذا الحد في الشأن الألماني؟ وهل تقبل تركيا أن يُلقي بعض الساسة الأكراد الأتراك الذين يحملون الجنسية الألمانية أو النشطاء الأرمن الألمان خطباً انتخابية في إسطنبول وديار بكر؟ متى إذاً يظهر "حزب الله التركي" في ألمانيا؟

هذه المرحلة عجيبة من التاريخ السياسي للمنطقة، فالعرب والإيرانيون والأتراك والكرد جميعاً غارقون في المشاكل والصراعات والقرارات المصيرية، وكانت تركيا قد نجحت في أن تخرج رأسها من بحر الصراعات لتتنفس قليلاً، و"تصفّر عداد" مشاكلها مع جيرانها، حيث نجحت لبعض الوقت... ولكن "العدّاد" امتلأ من جديد!

اللافت للنظر حقاً صمت الإسلاميين عما يجري في تركيا، ولكن هنا كذلك "العداد التاريخي" يسجل تفاصيل الموقف للقادم من الأيام.

تركيا تتوجس كل الشر من التصويت على حق الانفصال الذي يلوح به البرزاني في العراق
back to top