إيمانويل ماكرون ليس نموذجاً للديمقراطيين

نشر في 29-08-2017
آخر تحديث 29-08-2017 | 00:08
 ذي نيو ريبابليك يُظهر إيمانويل ماكرون أن فرنسا ما زالت بحاجة إلى ملك، وأن "عليها التفكير والعمل كشركة ناشئة"، ففي صورته الرسمية أضاف جهازي iPhones كـ"غرضين رمزيين"، وفي قمة مجموعة الدول العشرين في هامبورغ في شهر يوليو عرض، وفق التقارير، جهاز iPhone بفخر مدافعاً بشغف عن التجارة الحرة، كذلك اقترح سياسات قد تضعف الاتحادات العمالية، فضلاً عن أنه يسعى إلى تمرير أجندة تشمل تخفيضات ضريبية بقيمة 11 مليار يورو واقتطاعات ضريبية بقيمة 20 مليار يورو، لكن الفائدة الكبرى من هاتين الخطوتين ستعود إلى العشرة في المئة العليا من عائلات فرنسا الثرية، وفق إحدى الدراسات، علاوة على ذلك أنفق ماكرون 26 ألف يورو على التجميل والمكياج منذ شهر مايو، حين صنع التاريخ بفوزه بالرئاسة بصفته مرشحاً مستقلاً "لا يمينياً ولا يسارياً".

لا شك أن هذا أفضل من البديل: مارين لو بان وانضمام ديمقراطية غربية أخرى إلى مد الشعبوية اليمينية المتطرفة، لكن صورة ماكرون "للملك الشمس"، الذي يحمل جهاز iPhone، تتناقض بحدة مع الثناء الذي أغدقه عليه الليبراليون والوسطيون الأميركيون.

لكننا نأسف لانهيار طموحات ماكرون العصرية الذكية ومحبة الأميركيين له: باتت شعبيته المتدنية أبرز ما يميزه اليوم، فقد انخفضت شعبيته إلى معدل صادم بلغ 37%، مما يجعله متخلفاً عن ترامب نفسه، "وتشير شركة استطلاعات الرأي Ifop في باريس إلى أن شعبية ماكرون، بعد قضائه ثلاثة أشهر من ولايته الرئاسية الأولى، أضحت أكثر انخفاضاً

مقارنةً بالرؤساء الذين سبقوه مباشرةً فرانسوا هولاند، ونيكولا سركوزي، وجاك شيراك".

إذا كان ماكرون تجسيداً لأمر ما فليس بالتأكيد تجسيداً للتقدم الحقيقي بل للرئاسة كوسيلة للترويج للمنتجات، يروّج موظف المصارف الاستثمارية السابق هذا لمثالية التكنولوجيا الناعمة المرسِّخة لكل القوى التي تعمّق عدم المساواة وخيبة الأمل الشعبية بتكنوقراط أوروبا بدل أن تتصدى لها.

نجح ماكرون في تصوير نفسه كدخيل سياسي وكرجل منفصل عن المؤسسة السياسية المكروهة في فرنسا، بغض النظر عن أنه شارك في إدارة هولاند، محتلاً أولاً منصب نائب الأمين العام للإيليزيه ثم وزير الاقتصاد والمال، وأنه في كلا المنصبين أكّد أنه حليف لقطاع المال، ولكن بخلاف صورته المذهلة، ليس دخيلاً سياسياً، وتشكّل الأرقام المريعة التي حققها في استطلاعات الرأي إشارة واضحة إلى أن مقاربته إلى السياسة مألوفة على نحو عميق ومحزن. قد تنجح عملية التسويق في إيصالك إلى منصب ما، إلا أنها تعجز عن أخذك أبعد من ذلك، فتحتاج أيضاً إلى فلسفة، وماكرون مفلس أخلاقياً وفكرياً.

ما من نظير أميركي مطابق لماكرون في الوقت الراهن، صحيح أن الديمقراطيين والجمهوريين يفتقرون إلى الثقة على حد سواء، إلا أننا لم نلاحظ حتى اليوم أي إشارة إلى أن غالبية الأصوات قد تصوت لفريق ثالث، لكننا نشهد داخل الحزب الديمقراطي خياراً مماثلاً بين رؤية التغيير الحقيقي والوضع الحالي الوسطي، مما يضعنا أمام خطر مواجهة مرشح رئاسي شبيه بماكرون عام 2020.

لا يملك الديمقراطيون أي سبب للأمل، بما أن الديمقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز يتصدر دوماً استطلاعات الرأي،

ولكن ما زال مبكراً تحديد مدى النجاح الذي قد تحققه استراتيجية شعبوية تقدمية، فقد خسر الشعبويون، مثلاً، الانتخابات الخاصة في مونتانا وكنساس، وسيعجز المرشح الشعبوي عن التغلب في الحال على سنوات من الجهود الجمهورية الرامية إلى التلاعب في تقسيم المقاطعات وقمع الأصوات، لكن الأدلة تشير إلى جوع كبير لأمر جديد وجريء.

إذاً، دروس رئاسة ماكرون الفتية واضحة، فبعد عقود من تنامي عدم المساواة وسنوات من ردود الفعل غير الملائمة وغير المثمرة غالباً تجاه الأزمة المالية، أراد الناخبون تغييراً حقيقياً، تغييراً يعزز المخصصات لا يضعفها، يصعّب على الشركات صرف العمال لا يسهله، ويزيد الضرائب على الأثرياء لا يخففها. لا يستطيع "ماكرون الأميركي" الاضطلاع بهذا الدور، والأسوأ من ذلك أن هذا قد يخدم مصالح مَن يسعون في اليمين إلى تغيير من نوع آخر، وهكذا تعزز صراعات ماكرون خلاصة تجلّت منذ زمن: على الديمقراطيين التحرك يساراً وبسرعة.

* سارا جونز

* «نيو ريبابليك»

back to top