«أخلاق العبيد»!

نشر في 21-08-2017
آخر تحديث 21-08-2017 | 00:00
 مجدي الطيب بحثت كثيراً، وطال بحثي، عن الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق فيلم «أخلاق العبيد»، الذي عُرض أخيراً، النجاح الجماهيري والنقدي الذي كنا ننتظره، وتوصلت إلى أسباب يمكن أن تضع أيدينا على الحقيقة.

على رأس تلك الأسباب السيناريو والحوار، اللذين شارك في كتابتهما عصام الشماع، مع مخرج الفيلم أيمن مكرم، واتسما بكثير من التركيب، والتعقيد، والرغبة في «التفلسف». فالانطلاق من نظرية الفيلسوف الألماني «نيتشه» ( 1844 - 1900)، التي ترى أن «أخلاق السادة هي أخلاق الأقوياء، وأن التاريخ تعاقب بين أخلاق السادة وأخلاق العبيد، وكلما سيطرت وسادت أخلاق السادة وشريعتهم تكتلت الأكثرية من أصحاب أخلاق العبيد وانتصرت عليهم بسبب كثرتها العددية بحجة محاربة الشر، إذ إن كل ما يصدر عن أخلاق السادة يسميه العبيد شراً»، كانت سبباً كبيراً في ارتباك السيناريو، وصعوبة التلقي بالنسبة إلى الجمهور البسيط، الذي أقبل على الفيلم ليستمتع أو يرفه عن نفسه، ولم يجد شيئاً من هذا أو ذاك!

بطل «أخلاق العبيد» هو «رضوان الجمال» (خالد الصاوي)، الذي توهم أنه «رضوان» خازن الجنة، وراح يهيئ جنته بالشكل الذي صوّره له عقله، وبعدما اتخذ قراره بالعودة إلى مصر ليستثمر فيها، بعد سنوات من الغربة، اختار أن يخصص بناية يجمع فيها شركاته، بالإضافة إلى أهله وأصدقائه، وأخضع الجميع (أهله وموظفي شركاته) لقانونه، وسلطانه، فيما عاقب كل من تسول له نفسه التفكير أو الاستقلال برأيه، وطرد من جنته كل من رفض السير على هواه، كما فعل مع «داليا» (يسرا اللوزي) التي عينها بقرار فردي مديرة تنفيذية لمجموعة شركاته، والفتاة الشعبية «سماح» (أماني كمال)، وكاد أن يفعلها مع فتاة الهوى «ريهام» (سارة سلامة)، وقبلها «حميدة» (رامي غيط) الذي طوق عنقه بجميل لا ينبغي أن ينساه عندما أنقذه من السجن في الغربة بتهمة الاتجار في الهيروين!

أراد «رضوان» أن يصنع عالمه الخاص، الذي لا يقرب فيه أحد «التفاحة» و{الشجرة»، ولم يعترف بالاختلاف أو قبول «الآخر»، ظناً منه أن تخليص رعاياه من مشاكلهم كفيل بأن يشتري حبهم، ويجعل منهم «عبيداً» مخلصين، ومن ثم يكتمل «التغيير». لكن خاب مسعاه، بعدما خانه الجميع، وتآمر عليه أهل بيته قبل الآخرين، وهي النقطة الضعيفة في سيناريو الفيلم، فالكراهية التي تكنها له شقيقته «فاطمة» (سلوى عثمان) غير مبررة، وانقلاب محاميه «حمزة» (مراد مكرم) وابنة شقيقته «مونيا» (كارولين خليل) وفتاة الهوى التي أجرى لها جراحة التجميل في تايلاند، بالإضافة إلى تابعه «ديلر المخدرات» وسائقه، يعكس خللاً في البناء الدرامي، وقفزاً على المقدمات التي لم يهتم بها المخرج، وهو شارك في كتابة السيناريو!

«كل أتباعك خانوك يا ريتشارد»، قالها ريتشارد قلب الأسد عقب هزيمته من القائد صلاح الدين الأيوبي، ورفض «رضوان» أن يهمس بها لنفسه، بعد فشل مشروعه، وانهيار جنته، وضياع حلمه في أن يُصبح الحضن الدافئ، الذي يعوضه عما حُرم منه في حياته، ولم ينصت سوى إلى صوته وحده، رغم نصائح «داليا» و{ريهام» و{زعتر» (محمد شرف) في ما بعد، ورغم مباهاته بقوة إرادته التي جعلته يمتنع عن شرب الخمر قرابة 197 يوماً، وقدرته على الفصل بين عمله وحياته الخاصة. فالتناقضات كثيرة في «أخلاق العبيد»، والسفسطة، والكلام الغليظ، كالذي جاء على لسان «داليا»: «الإنسان اللي محتاج يتغير مش بس محتاج فرصة ده كمان محتاج قرار»!

ولكن لا يخلو الفيلم من موسيقى ملائمة (خالد شكري) وتصوير أخاذ (كاميرا زار شاكر) وديكور مُقنع (عماد الخضري)، ولحظات إنسانية مؤثرة، كالعلاقة بين «رضوان» و{أمين» (أشرف فاروق) المدير المالي لمجموعة شركاته. إلا أنها لحظات لم تدم طويلاً في ظل غزارة الألغاز الدرامية، ولهاث السيناريو خلف ترجمة النظرية «النيتشية»، ما أوقع الفيلم في متاهة كبرى (مونتاج معتز الكاتب)، فضلاً عن الإفراط في تقديم مشاهد تعاطي الهيروين، كتعويض عن غياب كأس الخمر الذي كان يلجأ إليه أبطال السينما في الماضي. أما خالد الصاوي فتراجع كثيراً عن تألقه المعهود، واكتسب أداؤه عفوية مصطنعة، وانفعالات ملفقة، ومبالغات في غير محلها، وإن نجح في إيصال الإحساس بأن تصرفاته «ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب»!

في تفسير الفيلم نظرية «نيتشه» انتهى إلى القول إن «العبيد» هم أبناء الطبقة الشعبية، التي قدمها في صورة «الطبقة الزبالة التي تستحق الحرق»، نظراً إلى حقارة أبنائها، ووضاعة سلوكياتهم، مقارنة بأخلاق السادة التي وصفها صاحب النظرية بـ «أخلاق الأقوياء»، ولفرط تعاطف أصحاب الفيلم مع البطل، الذي يمثلهم، انتهى العمل بالثأر من الأطراف كافة التي تورطت في المؤامرة، بوصفهم الأشرار أو «أبناء الشيطان»!

back to top