في رثاء أخ بشّر بالمحبة

نشر في 16-08-2017
آخر تحديث 16-08-2017 | 00:10
خبر الوفاة المؤلم دفع بالصور والذكريات مع أخي وليد إلى واجهة الذاكرة، وظروف مقتله وضعتني أمام موضوع من المهم التدبر فيه وتحليله؛ مسلمون قتلوا من لا يعرفون، وكان من بين القتلى مسلمون.
 د. محمد الفيلي بلغني نبأ مقتل أخي الشيخ الدكتور وليد العلي في بوركينا فاسو. عرفت وليد، ومعه تشعر بسرعة سقوط حواجز التكلف، بالمصاحبة في سفرة لإيران ضمت عددا من الزملاء في جامعة الكويت يجمعهم عملهم في كليات تهتم بالعلوم الإنسانية، وقديما قالوا السفر يكشف طبيعة الناس.

وجدت في الرجل إلى جوار التمكن من المعارف والعلوم التي تخصص فيها دماثة في الخلق وميلاً إلى تقديم الجمال على القبح في كل شيء، فهو أميل إلى رؤية الحسن في الناس، ويصرف نفسه عن تتبع ما هو غير جميل فيهم.

البشاشة مقدمة عنده على العبوس، والابتسامة عنده هي الأصل، يقر باختلافه معك ويقبل وجهة نظرك، ومن الممكن أن يتفق معك لأنه يسمع منك بعقل الباحث عن الحقيقة لا عقل المتربص بالرأي الآخر الذي يسمع، وفكره منصرف للبحث عن نقض قولك.

طبعه هذا يجعلك تتقبل احتمال نقص حقيقتك لأنه هو متقبل إمكان نقص حقيقته، كنا نتذكر معا قول الشافعي، رحمه الله، "قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"، ولعل صفاته وتخصصه في الدراسات الشرعية حدت بالإيرانيين إلى تقديمه لإمامة الصلاة فيهم في بعض الأحيان.

الخبر المؤلم دفع بالصور والذكريات مع أخي وليد إلى واجهة الذاكرة، وظروف مقتله وضعتني أمام موضوع من المهم التدبر فيه وتحليله؛ مسلمون قتلوا من لا يعرفون، وكان من بين القتلى مسلمون، أعرف من أفتى بجواز ذلك من المتقدمين والمتأخرين، ولكن أعتقد أن المشكلة ليست بوجود هذه الفتاوى فقط، المشكلة أيضا في وجود بيئة خصبة تجعل عددا من المسلمين يأخذ بهذه الفتاوى الناتجة عن فكر متوحش بعيد عن الإنسانية، المشكلة في تعليم ديني يقود إلى تعطيل العقل عن التدبر ويعزل متلقيه عن المظلة الواسعة التي تجمعنا وهي الإنسانية.

الإسلام كما غيره من الأديان يتسع لقراءة تجعل أتباعه يقدمون الحب على الكراهية، ويمكن أيضا أن تقرأ نصوصه بما يقود لتغليب الكراهية على الحب، لتغليب الانغلاق على الانفتاح، لتغليب تقديم أسباب الفرقة على المشترك بين الناس. قتل وليد برصاص إسلام الكراهية، وكان يبشر بإسلام المحبة، تمر علينا أحداث متعددة تجعل إعادة قراءة النصوص الدينية فرضا أكاد أقول إنه فرض عين. من قتل أخي وليد ينتمي إلى المدرسة ذاتها التي انطلق منها من تساءل عن جواز الترحم على عبدالحسين عبدالرضا.

هي ذات البذرة الكريهة، أشكال الثمار تتباين ولكن الجذر واحد، أظن أن دم أخي وليد سيكون مفيداً إذا حرك في قلوبنا وعقولنا ما يدفعنا إلى إعادة القراءة للنص الديني بما يكشف عن المحبة والانفتاح فيه. وعبارة قلوبنا وعقولنا تنصرف أيضاً إلى زملائه في كلية الشريعة، وبعضهم مثله في التفكير والتوجه.

يحزن القلب على فراقك أخي وليد وإن شاء الله لن يذهب دمك سدى، رحمك الله ورحمنا معك.

back to top