مستقبل الاستثمارات في بلدان الأزمات الاقتصادية

نشر في 12-08-2017
آخر تحديث 12-08-2017 | 00:00
إحدى نقاط الضعف في وضع باكستان تمثلت في اعتمادها على مستوردات النفط من أجل تشغيل معظم طاقتها الكهربائية، وعندما ارتفع سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل في 2013 أفضت التكلفة التي نجمت عن ذلك إلى حدوث عجز في الميزانية.
 إيكونوميست كان نواز شريف يشغل منصب رئيس الوزراء في باكستان الى أن قضت المحكمة العليا في ذلك البلد بإقالته في الثامن والعشرين من شهر يوليو الماضي، ولكن على الرغم من ذلك فإن في وسع نواز شريف أن يقول إنه ترك اقتصاد باكستان في حالة أفضل من لحظة تسلمه الحكم.

وعندما جرت الانتخابات في باكستان في آخر مرة كان الناتج المحلي الاجمالي ينمو بنسبة تقارب 3 في المئة وهو معدل مقلق بالنسبة الى بلد فقير يعاني زيادة كبيرة في عدد السكان، وكان معدل التضخم يتجاوز نسبة الـ 10 في المئة كما أن عجز الميزانية كان يتفاقم بشدة، وهكذا لاحت الأزمة الاقتصادية في الأفق. ولكن بعد أربع سنوات هبط معدل التضخم عن مستوى الرقم الثنائي، وتقلص عجز الميزانية الى أكثر قليلاً من 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الذي نما بما يقارب الـ 6 في المئة، وقد لاحظ المستثمرون ذلك أيضاً – ومنذ سنة 2012 تضاعف حجم رسملة سوق الأسهم في باكستان بالعملة الأميركية.

إن باكستان ليست السويد وهي تظل عند النهاية الخطأ من التصنيف العالمي بالنسبة الى الأمن، والفساد والتنمية البشرية، وفي الاحصاء الأخير كان حوالي 30 في المئة من السكان يعيشون في فقر، وعلى الرغم من ذلك فقد تم وضع الاقتصاد المعرض للأزمة على طريق أكثر ثباتاً كما أن باكستان أصبحت جاذبة للاستثمارات، وغدت مسرحاً لنوع من التحول الذي يعكس التحسن في سياسة الاقتصاد الواسع.

وتجدر الاشارة الى أن هذا النوع من روايات الارتداد يعتبر نادراً لأن الاصلاحات اللازمة تكون مؤلمة وقاسية وهي توجد بشكل نموذجي في ما يعرف بـ"أسواق الحدود" التي تقع وراء الأسواق الناشئة عند الحافة الأكثر خطورة من عالم الاستثمارات، ولن تتبع كل تلك الأسواق المسار الذي اتخذته باكستان على أي حال.

أماكن تحقق التطابق

جدير بالذكر أن الطيف يمضي من مناطق الكوارث مثل زيمبابوي (أو حتى فنزويلا) التي يمكن أن ترتد ذات يوم وحتى روايات التعافي في مراحل مبكرة والتي قد تتعثر في ما بعد كما هو الحال في الأرجنتين ومصر وربما نيجيريا لتمتد الى دول اخرى مثل باكستان أو الفلبين التي كانت تصنف "دولة الشهر المفضلة" طوال عشر سنوات، بحسب قول أحد مستثمري الحدود. ولكن ما من شيء يجمع بين هذه الدول أكثر من مجرد تاريخ الادارة السيئة، وعلى أي حال يوجد نوع من بعض الفرضيات المشتركة، وعلى سبيل المثال تكون السياسة غير مستقرة في العادة، ويتحكم الجيش في أوضاع باكستان ومصر ونيجيريا، وتمضي الأمثلة وفقاً للمراحل الثلاث ذاتها: الأزمة التي تعني هروب السكان ورأس المال نتيجة حدوث المتاعب والاضطرابات ثم مرحلة "ردة الفعل" حيث يتسلم أحد رجال السياسة خطوات الاصلاح من خلال دعم صندوق النقد الدولي في أغلب الأحيان، وتتمثل المرحلة الأخيرة في "اعادة الولادة" عندما تتم عملية اغراء رأس المال للعودة من خلال احتمالات التعافي الاقتصادي.

ولنبدأ بمرحلة الأزمة، سوف تكون الظروف مختلفة من دولة الى اخرى ولكن النموذج العام يكون متشابهاً تماماً، ويتعرض الاقتصاد إلى قيود مالية تكون في بعض الأحيان على شكل عجز في الميزانية وبقدر أكثر احتمالاً في العجز التجاري، ويرفض المستثمرون تقديم تمويل، وترتفع معدلات الفائدة أيضاً، ويجف تدفق رأس المال الأجنبي – أو يبدأ رأس المال بالهرب من البلاد وهو الوضع الأكثر سوءاً. ويعقب ذلك دعم العملة عن طريق التدخل: وتنخفض احتياطيات العملة الأجنبية نتيجة محاولة دعم الوهم القائل انها تساوي أكثر من قيمتها الحقيقية وتتقلص الاحتياطيات كما يتم تقنين العملة الصعبة ما يفضي الى نقص في المستوردات الأساسية، ويتعثر الاقتصاد.

وتختلف بواعث ومحركات الأزمة وتتنوع، وعلى سبيل المثال فإن إحدى نقاط الضعف في الوضع في باكستان قد تمثلت في اعتمادها على مستوردات النفط من أجل تشغيل معظم طاقتها الكهربائية، وعندما ارتفع سعر النفط الى أكثر من 100 دولار للبرميل في سنة 2013 أفضت التكلفة التي نجمت عن ذلك الى حدوث عجز في ميزانية الحكومة. وفي مصر تمثلت تلك الضغوط في عجز في الحساب الجاري الذي ارتفع من 0.8 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2014 الى 5.6 في المئة في عام 2016. ولكن الهبوط في أسعار النفط في الفترة اللاحقة أثر على رسوم العبور من قناة السويس كما أضعف بشدة قيمة التحويلات من الدول الغنية بالنفط، وإضافة الى ذلك فقد أدت المخاوف الأمنية الى هبوط عوائد السياحة في ذلك البلد.

سياسات معدلات الصرف

وشهدت المرحلة الثانية من التحول حالة ادراك الحاجة الى سياسات معدلات صرف ونقدية ومالية، ويعني هذا في العادة السماح بهبوط قيمة العملة المحلية وخفض عجز الميزانية من خلال تقليص المساعدات غير الأساسية واستخدام سياسة نقدية تهدف الى السيطرة على معدل التضخم بدلاً من تقديم التمويل الى الحكومة.

وتجدر الاشارة الى أن هذا الأسلوب ليس كافياً من أجل كبار التكنوقراط ازاء المجادلة في ضرورة احداث مثل تلك التغييرات. ويتعين على رئيس الحكومة تقديم الدعم الى هذا النوع من الاصلاحات. ويقول أندرو برودنيل من "أشمور"، وهو مدير صندوق، إنه بمجرد وضع المثال من القمة فإن التأثير ينسحب على المؤسسات الاخرى. ويظهر ذلك من خلال وضع الرئيس الأرجنتيني موريشيو ماكري الذي تم انتخابه على أساس بيانه المتعلق بالاصلاح الاقتصادي، وفي أغلب الأحيان تستدعي الحاجة الاستعانة بصندوق النقد الدولي من أجل تقديم قروض بالعملة الصعبة والمشورة المتعلقة بالسياسة. وفي شهر نوفمبر الماضي بدأت مصر بتطبيق برنامج مع صندوق النقد الدولي يستمر ثلاثة أعوام، وكانت باكستان بدأت مثل ذلك البرنامج في شهر سبتمبر من عام 2013.

ويعتبر هذا الأسلوب في أغلب الأحيان المسار الصحيح من أجل الانطلاق من جديد والعودة عن هروب رأس المال الى الخارج، واجتذاب رأس المال ثانية هو "حالة بين المهم جداً والحيوي بصورة مطلقة" بحسب بول مكنمارا من شركة ادارة الصناديق "غام". ويتطلب الأمر البعض من الوقت لتقليص العجز في الحساب الجاري، حتى مع العملة الأرخص، ومن هذا المنطلق فإن عودة تدفق رأس المال تصبح ضرورية من أجل تمويل رواسب العجز وإعادة بناء وتجميع احتياطيات العملة الأجنبية.

وتعتبر أول شريحة من الناس يمكن أن تتقبل فكرة العودة هي تلك التي نقلت رأس المال الى الخارج قبل حدوث الأزمة، كما أن اغراء معدلات الفائدة العالية (اللازمة من أجل الحد من التضخم) وخفض خطر هبوط العملة الذي يعقب خفض قيمتها سوف يغري شرائح اخرى من المستثمرين أيضاً. وعلى سبيل المثال، يملك المستثمرون الأجانب في الوقت الراهن حوالي ربع سندات الخزينة في مصر- بحسب بنك جي بي مورغان تشيس، كما أن الإعفاء من الضرائب يشكل خطوة اخرى من أجل اغراء المستثمرين لاعادة أموالهم الى الوطن، وقد جمعت الأرجنتين بهذه الطريقة أكثر من 117 مليار دولار خلال 2016-2017.

ويصبح الأمل في أن يصل التضخم خلال عامين من الأزمة الى ذروته وأن يبدأ الاقتصاد مرحلة النمو بوتيرة لائقة مع السيطرة على العجز في الحساب الجاري بطريقة ما. ويوفر ذلك عندئذ منصة من أجل المضي نحو مزيد من الاصلاحات والوصول الى فترة من النمو الاقتصادي بعيداً عن أجواء الأزمة، ولكن قد يحدث الكثير من الخطأ والتداعيات أيضاً.

أخطار محتملة

ويتمثل الخطر في احتمال أن تفضي المصاعب والقلاقل الاجتماعية الى تعطيل عملية الاصلاح؛ فخفض المساعدات اضافة الى الهبوط الكبير في قيمة العملة في الأرجنتين ومصر أفضى الى رفع معدلات التضخم الى 22 في المئة و31 في المئة على التوالي. وفي مصر، على سبيل المثال، قارب معدل التضخم في أسعار الغذاء الـ 40 في المئة، ومع ذلك فقد استعاد الاقتصاد زخمه في البلدين في الآونة الأخيرة. ويأمل المتفائلون أن تحقق نيجيريا درجة من التحول على الرغم من حدوث خيبات أمل في الماضي – وقد عاد التحسن الى نيجيريا بعد انكماش أعقب الهبوط في أسعار النفط وكان رائد هذا التحول هو حاكم المصرف المركزي لاميدو سانوزي الذي حصل على ثناء بسبب سيطرته على معدل التضخم وتنقية البنوك من الشوائب، ولكنه طرد بعد ذلك من العمل وعادت نيجيريا الى المشاكل العميقة من جديد.

وفي باكستان تراجع الانضباط النقدي والمالي منذ نهاية برنامجها في صندوق النقد الدولي في السنة الماضية وما واكبه من عودة ظهور المتاعب القديمة في شركات الطاقة، وتعتمد احتمالات النمو السريع في الوقت الراهن على استثمار الصين في "الممر الاقتصادي" بطول 3000 كيلومتر، ولكن ذلك سوف يعيد باكستان الى التعويل على رأس المال الأجنبي الذي قد يكون مكلفاً جداً.

باكستان أصبحت جاذبة للاستثمارات وغدت مسرحاً لنوع من التحول الذي يعكس التحسن في سياسة الاقتصاد الواسع

بوسع نواز شريف أن يقول إنه ترك اقتصاد باكستان في حالة أفضل من لحظة تسلمه الحكم

خلال نوفمبر الماضي بدأت مصر تطبيق برنامج مع صندوق النقد يستمر ثلاثة أعوام وكانت باكستان بدأت مثل ذلك البرنامج في سبتمبر 2013

في الإحصاء الأخير بباكستان كان حوالي 30% من السكان يعيشون تحت خط الفقر
back to top