البكاء... أبرز الألغاز في جسمنا!

نشر في 11-08-2017
آخر تحديث 11-08-2017 | 00:00
No Image Caption
يبدو أن دموعنا أهم مما كان يظنّ العلماء. لا يزال البكاء العاطفي أحد أبرز الألغاز في جسم الإنسان. صحيح أن الأجناس الأخرى تذرف الدموع نتيجة للألم أو الانزعاج، لكن ترتبط دموع البشر وحدها بالمشاعر التي تنتابهم.
البكاء ليس مجرّد مؤشر على الحزن بل إنه يشتق من مشاعر متنوعة، بدءاً من التعاطف والمفاجأة وصولاً إلى الغضب والتعاسة. يمكن أن يشاهد الآخرون تلك الدموع وتشكّل رؤيتها المحور الجديد لعلم الدموع.

تزداد الأدلة التي تدعم نظريات منطقية جديدة، من بينها تلك التي تربط بين البكاء والترابط الاجتماعي والعلاقات الإنسانية. نبدأ بالبكاء منذ عمر مبكر لتطوير علاقتنا بالآخرين، إذ يولد الإنسان وهو غير مستعد جسدياً للتعامل مع أي جانب من الحياة وحده، ويشير البكاء بدوره إلى وجود مشكلة كبرى تتجاوز قدراتنا، مؤقتاً على الأقل.

يثبت بحث جديد أيضاً أن البكاء يفتعل رد فعل قوياً من الآخرين، ما يدفعهم إلى التواصل مع الشخص الباكي والتقرب إليه. كذلك اكتشف الباحثون أدلة تشير إلى اختلاف الدموع العاطفية عن تلك التي يذرفها الناس أثناء فرم البصل من الناحية الكيماوية! بالإضافة إلى الأنزيمات والدهون والخلايا الأيضية والعناصر المنحلّة بالكهرباء التي تتألف منها الدموع، تبيّن أن الدموع العاطفية تحتوي على نسبة إضافية من البروتينات.

حجم ضعفنا

تكشف هذه الدموع حجم ضعفنا إزاء الآخرين ويكون ذلك الضعف أساسياً في الروابط الإنسانية. تنشط المناطق العصبية نفسها في الدماغ حين نشاهد شخصاً منفعلاً وحين ننفعل شخصياً. ترتبط نظرية أخرى بقدرة البكاء على التلاعب بالآخرين. مثلما يستعمل الأطفال الدموع كأداة للحصول على ما يريدونه، يقوم الراشدون بالمثل عمداً أو سهواً. يتعلم الناس منذ مرحلة مبكرة أن البكاء يستطيع إبطال مفعول الغضب، لذا يكون جزءاً من الخلافات بين الأزواج.

تتعلق نتيجة بارزة أخرى بقدرة الدموع على تخفيف العدائية لدى الرجال والنساء معاً. يحلل الباحثون راهناً مجموع الجزيئات الموجودة في الدموع للتأكد من وجود جزيئة مسؤولة عن هذا الأثر. لكن في المقابل، لا يعرف العلماء شيئاً حتى الآن عن الأشخاص الذين لا يبكون.

إذا كان البكاء مهماً بالنسبة إلى العلاقات البشرية، فهل يمكن اعتبار الأشخاص الذين لا يبكون أقل ميلاً إلى التواصل مع الآخرين؟ إنها النتيجة التي توصّل إليها بحث أولي. استنتج الباحثون أن المشاركين الذين لا يبكون يختلفون عن الباكين. لوحظ أن غير الباكين يميلون إلى عزل نفسهم وتتراجع تجاربهم العاطفية.

تفريغ العواطف

يشعر الأشخاص الذين لا يبكون أيضاً بمشاعر عدائية وسلبية كالغضب والسخط والاشمئزاز أكثر من غيرهم. لا بد من إجراء بحوث إضافية للتأكد من اختلاف الناس بحسب ميلهم إلى البكاء.

حتى الآن يبدو أن البكاء يعطي منافع على مستوى العلاقات الشخصية لكن ليس عدم البكاء مضرّاً بالصحة. ولا تشير أية أدلة أصلاً إلى آثار البكاء الإيجابية على المستوى الصحي. مع ذلك، لا تزال الأفكار التي تعتبر البكاء أداة مفيدة لتفريغ العواطف وإراحة الجسم شائعة حتى اليوم. وفق تحليل شمل تقارير إعلامية عن البكاء على مر 140 سنة، تبيّن أن 94% من الناس يعتبرون البكاء مفيداً للعقل والجسم فيما حبسه يعطي أثراً معاكساً. لكنها مجرّد استنتاجات مبنية على تجارب شخصية.

يشير بعض الأدلة إلى أن البكاء الشديد يساهم في تطهير العواطف فعلاً. لكن تتعلق أهم العوامل في هذا المجال بتخصيص الوقت الكافي كي تترسخ آثار البكاء الإيجابية. لا تزال البحوث المعاصرة بشأن البكاء في بدايتها لكن يصرّ العلماء على متابعة مساعيهم إلى اكتشاف لغز الدموع. في مطلق الأحوال، تبقى الدموع بالغة الأهمية بالنسبة إلى الطبيعة البشرية ويمكن القول إننا نبكي عموماً لأننا نحتاج إلى الآخرين في حياتنا!

الناس يعتبرون البكاء مفيداً للعقل والجسم في حين يعطي حبسه أثراً معاكساً
back to top