عودة إلى التساؤل

نشر في 08-08-2017
آخر تحديث 08-08-2017 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي بالعودة إلى التساؤل الذي أثاره أحد الأصدقاء عن بعض ما واجهته من معوقات وبعض الحوادث التي تعرضت لها خلال فترة عملي الدبلوماسي التي تجاوزت 38 عاماً، فإنه بعد قضاء ما يتجاوز أربع سنوات في مدينة أثينا متنقلاً بين اليونان وقبرص عدت للعمل في الديوان العام في مكتب معالي الأستاذ راشد عبدالعزيز الراشد، وكان يشغل وقتئذ منصب وكيل وزارة الخارجية، وبعد تعيينه وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء تم تعيين الأخ العزيز سليمان ماجد الشاهين، كما تم انتقال وزارة الخارجية من مقرها القديم في شارع السور إلى المبنى الحالي بجانب الديوان الأميري، ويخطر على البال هنا تلك اللحظات الرائعة عندما عبرنا مع بعض الإخوة مشيا على الأقدام من وزارة الخارجية إلى الديوان الأميري برفقة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وكان يشغل وقتئذ منصب وزير الخارجية، وذلك لأداء القسم أمام سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، بمناسبة صدور مراسيم ترقيتنا إلى منصب سفير.

كانت المنطقة، في ذلك الوقت، تشهد توتراً حاداً، وبلغت الحرب العراقية الإيرانية أشدها، ودخلت في مراحل في غاية الخطورة، وبالطبع لم تكن الكويت بعيدة عن آثارها، حيث تعرضت بعض ناقلات النفط الكويتية لاعتداءات متفرقة من قبل القوات الإيرانية، مما استدعى توقيع اتفاقيات أمنية مع بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحده الأميركية والاتحاد السوفياتي، وذلك لتوفير الحماية لناقلات النفط الكويتية.

في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية كنا نستمر في العمل حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وفي كثير من الأحيان كنا نتناول طعام العشاء في المختصر الملحق بمكتب "بوعمار". في عام 1986 عين معالي الأخ الكريم سعود محمد العصيمي وزير دولة للشؤون الخارجية، وقد كلفني معاليه الإشراف على تجهيز مكتبه في وزارة الخارجية، في هذه الأثناء تقرر نقلي للعمل في سفارتنا في طهران، وبالفعل قمت بتقديم جواز سفري للسفارة الإيرانية، وحصلت على التأشيرة، ولكن تم إلغاء ذلك القرار بعد أحداث اختطاف طائرة الخطوط الجوية الكويتية "الجابرية" بتاريخ 5 أبريل عام 1988.

في بداية عام 1989 صدر مرسوم كريم بتعييني سفيراً لدى جمهورية الجزائر الشقيقة، وكانت تلك المرة الأولى التي أترأس فيها بعثة دبلوماسية، وكانت فترة حاسمة في رحلة العمل الدبلوماسي، ولا أدري من أين أبدأ، فأحداثها كثيرة ومترابطة وخطيرة لا تمسني فقط، بل تتجاوز ذلك إلى عائلتي التي كانت ترافقني، وكنت أشعر بمدى معاناتها في ظل تلك الأمواج العاتية التي فجرتها أحداث الغزو والاحتلال للنظام العراقي السابق للكويت الغالية، وبودي هنا أن نتجاوز الكثير من الأحداث لسرد حدث حادّ مازالت ذكراه راسخة في الذهن، مع الدعاء لله، بمنه ونعمته، أن نعود إلى سرد بقية أحداث تلك الفترة.

ففي أمسية يوم بدء الحملة الجوية لتحرير الكويت بتاريخ 17 يناير 1991 وأثناء وجودي في مكتبي بمقر البعثة سمعت أصوات هتاف وصراخ وتكسير، فخرجت من مكتبي لاستطلاع الأمر، فوجدت الأخ العزيز رياض الخلف، والذي كان يتولى مسؤولية الشؤون الإعلامية بالسفارة، وهو من الجنسية السورية، فأمسك بيدي وسحبني بقوة وسرعة، وأدخلني إلى مخزن للقرطاسية بجانب مكتبي، وقام بقفل الباب، طالباً مني عدم التحرك حتى يأتي لفتح الباب، جلست في ذلك المخزن مدة لا أدري طالت أم قصرت، ومرت أمامي الحياة كأنها شريط سينمائي سريع، فهل ستنتهي تلك الحياة التي بدأت في ذلك البيت العربي القديم في "فريج المرقاب" بمدينة الكويت في هذا المخزن الكئيب، وفي هذه الأرض التي تبعد آلاف الأميال عن الكويت الغالية، يالها من أقدار؟

في هذه الأثناء سمعت الباب يفتح وسمعت الأخ رياض يقول «الحمد لله على السلامة، لقد غادر الجميع، وقامت قوات الأمن بطردهم, كانوا مجاميع من جنسيات عربية معروفة مسلحين بقضبان حديدية وخشبية وحجارة وغيرها، وكانوا يستهدفونك شخصياً»، حمدت الله على نعمته وخرجت من المخزن إلى مكتبي، وكم هالني ما رأيت من تكسير وتدمير وتمزيق يعبر عن كم هائل من الأحقاد، لم نترك الأحزان تجرفنا وبدأنا بالتحرك في تلك الساحة الواسعة والصعبة من أجل الكويت، فأرواحنا ليست بأغلى من أرواح أهلنا في الكويت، وما يعانونه من قهر واحتلال. ولنا عودة في مقالات أخرى عن تلك الفترة الحاسمة. فاللهم من أراد بالكويت خيراً فوفقه إلى كل خير، ومن أراد بالكويت شراً فرد كيده في نحره. حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top