عن تشويه مفهوم المواطنة الدستورية

نشر في 07-08-2017
آخر تحديث 07-08-2017 | 00:09
المواطنة الدستورية تعني أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، فالأصل، والطائفة، والمذهب، واللغة، واللهجة تظل هويات خاصة محترمة ضمن محيطها كهويات ثانوية، وذلك بعد اندماجها في هوية وطنية جامعة أساسها المواطنة الدستورية المتساوية.
 د. بدر الديحاني في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة حلّ مفهوم المواطنة الدستورية محل الهويات الفرعية والانتماءات الثانوية كالعرق والطائفة التي كانت سائدة قبل نشوء الدولة. والمواطنة الدستورية تعني أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، فالأصل، والطائفة، والمذهب، واللغة، واللهجة تظل هويات خاصة محترمة ضمن محيطها كهويات ثانوية، وذلك بعد اندماجها في هوية وطنية جامعة أساسها المواطنة الدستورية المتساوية. بمعنى آخر، الهويات الثانوية هي مسائل خاصة وشخصية لا علاقة لها بنوعية حقوقهم التي من واجب الدولة حمايتها، أو بواجباتهم تجاه وطنهم. الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة هي دولة مواطنة، ومؤسسات دستورية، وسيادة قانون، وتكافؤ فرص، وعدالة اجتماعية بحيث تحمي الدولة حقوق جميع المواطنين بصفتهم مواطنين دستوريين أحراراً، وتحافظ على سلامتهم وأمنهم الاجتماعي، وذلك كي لا تعم الفوضى وينتشر الفساد، أو تفشل الدولة في القيام بواجباتها، وعندئذ يفقد المواطنون ثقتهم بأجهزتها فيتمترسون خلف هوياتهم الثانوية بحثاً عن الانتماء وحماية للحقوق التي لا يستطيعون الحصول عليها إلا بالطرق الملتوية وغير القانونية.

من هذا المنطلق، فإنه من الموسف، بعد 55 عاماً من إصدار الدستور الذي وضع أسس الدولة الحديثة، أن يتعرض مفهوم المواطنة الدستورية المتساوية باستمرار إلى تشويه سواء من قِبل الحكومة أو من السياسيين. الحكومة تقسّم المواطنين بحسب انتماءاتهم الثانوية وتتعامل معهم على هذا الأساس، سواء في مسألة المحاصصة السياسية، وهي الأخطر، أو أثناء التصريحات الإعلامية لكبار المسؤولين في الدولة. أما "القوى السياسية" أو العاملون في المجال السياسي، والحديث هنا بالطبع عن العناصر والجماعات السياسية غير الطائفية أو الفئوية، فإن الغالبية الساحقة يقسّمون المواطنين بحسب هوياتهم الثانوية فتجدهم يرددون باستمرار، حتى في ذكرى الاحتلال العراقي البغيض لوطننا الذي لم يفرّق بين المواطنين، مصطلحات ينبغي ألا تُستخدم في الدولة المدنية العصرية، بل إن بعضها انتهت صلاحيته منذ زمن طويل، ولم يعد له أساس موضوعي إطلاقاً مثل "البدو والحضر"، وبعضها الآخر مثل "سنّة وشيعة " هو انقسامات مضت عليها قرون سحيقة، يرجع أصلها إلى صراع سياسي على السلطة مغلف دينياً، ويفترض، مع نشوء الدولة الحديثة وإصدار الدستور، عدم تقسيم المواطنين وفقاً لطوائفهم ومذاهبهم الدينية، لأن ذلك يمثّل عدم احترام لفكرة الدولة، وتشويهاً لمفهوم المواطنة الدستورية المتساوية.

فمتى، يا ترى، تتوقف الحكومة والسياسيون أيضاً، وبالذات الذين ينادون دوماً بالمحافظة على الدستور وتطويره، عن تشويه مفهوم المواطنة الدستورية، وذلك احتراماً لفكرة الدولة المدنية الحديثة، والتزاماً بما ينص عليه دستور 1962؟

back to top