عناكب البحر... كيف يدور الأوكسجين في جسم حيوان بلا قلب؟

نشر في 06-08-2017
آخر تحديث 06-08-2017 | 00:03
لا بد أن مَن صاغ عبارة {وحوش ما قبل التاريخ} كان يفكر على الأرجح في عناكب البحر. صحيح أنها ليست كبيرة (يعادل أكبرها حجم كف اليد) ولا تؤذي البشر، إلا أن زحفها المألوف المخيف يحرك كثيراً من مشاعر الرعب في عقل الإنسان، فضلاً عن أنها بلا قلب!
تعود عناكب البحر بالتأكيد إلى ما قبل التاريخ. تُظهر الأحافير أنها ترجع إلى ما لا يقل عن 500 مليون سنة خلال العصر الكمبري، الذي يُعتبر فجر ولادة الحيوانات. لكن وجود العناكب الفعلية، التي تنتمي إليها عناكب البحر (لبعضها أكثر من ثماني قوائم) وإن من بعيد، لم يُثبت إلا في الحقبة الكربونية قبل نحو 300 مليون سنة.

تشمل التطورات الأساسية التي سمحت بتشكّل حيوانات متعددة الخلايا خلال العصر الكمبري أو قبيله جهاز الدورة الدموية. تستطيع الحيوانات الصغيرة، التي تتألف من خلية واحدة أو بضع خلايا، امتصاص ما يكفي من الأوكسجين لسد حاجاتها التنفسية من الماء الذي تسكنه مباشرة، فينتشر فيها الأوكسجين بكل بساطة. لكن الكائنات الكبيرة تحتاج إلى نقل الغاز المذاب إلى أنسجة بعيدة جداً عن سطح الجسم لا يمكن بلوغها بواسطة عملية الانتشار وحدها.

حلّ معظم الكائنات هذه المشكلة بالحصول على قلب يدفع الدم الغني بالأوكسجين في الجسم. لكن أرثر وودز، عالم أحياء من جامعة مونتانا، أفاد أخيراً في مجلة Current Biology أن عناكب البحر تستخدم تكتيكاً بديلاً: بدل أن تدفع الدم بواسطة قلبها، تدفعه بأمعائها.

لغز محيّر

لطالما شكّلت عملية تنظيم عناكب البحر إمدادها من الأوكسجين لغزاً محيراً. لا يملك بعض أنواعها أي قلب. حتى في حالة الأنواع التي تحظى بقلب، يبدو الأخير عموماً أصغر من أن يؤدي المهمة المطلوبة. ونظراً إلى تركيب جسم العنكبوت الطويل والنحيل، ما يقرّب كل أجزائه من الماء الذي تعيش فيه، أجمع العلماء على أن عملية الانتشار المباشر من تلك المياه كافية على الأرجح.

لكن د. وودز تساءل عما إذا كانت هذه المسألة تخفي لغزاً آخر. تفتقر عناكب البحر إلى تجويف الجسم الذي يبقي فيه معظم الحيوانات أعضاءه الداخلية، مثل الأمعاء. بدلاً من ذلك، تمتدّ أجهزة عناكب البحر الهضمية داخل قوائمها وعلى طولها. وعلى غرار أجهزة هضم الحيوانات الأخرى، ينتقل الطعام في هذه الأمعاء، التي تتألف من ثمانية (أو عشرة أو اثني عشر) أجزاء، بواسطة الحركة الدودية (حركة جدران الأمعاء الشبيهة بالأمواج). ويعتقد د. وودز أن هذه الحركة الدودية، في تطور مزدوج التأثير، تنقل الأوكسجين أيضاً.

12 نوعاً

لاختبار هذه الفكرة، تعاون د. وودز مع فريق من زملائه الغطاسين بغية جمع 12 نوعاً من عناكب البحر من أماكن وصلت شمالاً إلى مرفأ فرايدي قبالة ساحل ولاية واشنطن وجنوباً إلى محطة ماكموردو في القطب الجنوبي. صحيح أن هذه الأنواع كافة امتلكت قلباً، إلا أن د. وودز تمكّن من إثبات أن أهم جزء من الدورة الدموية فيها اعتمد على الأمعاء.

نجح د. وودز في تحقيق هدفه بالاعتماد على ثلاثة أنواع من التجارب. أولاً، رسم خريطة لحركة السوائل في جسم الحيوان بحقنه بصباغ مشع وتتبع هذا الصباغ. ثانياً، استخدم أقطاباً أقحمها في جلد الحيوان لقياس التبدلات في تركيز الأوكسجين في مختلف أجزاء الجسم. وثالثاً، تأمل تبدّل هاتين المسألتين، فضلاً عن نمط الحركة الدودية، عندما ترتفع كمية الأوكسجين في الماء الذي يقبع فيه الحيوان أو تنخفض.

خياشيم

أظهر النوعان الأول والثاني من التجارب أن قوائم عناكب البحر تعمل أيضاً كخياشيم، فتشكّل أسطحاً يمكن للأوكسجين من خلالها أن ينتشر في جسم الحيوان، ثم تعمل الحركة الدودية على نقله إلى أجزاء أخرى. وتشمل هذه الأجزاء البطن، حيث يتولى القلب مهمة تحريك الأوكسجين. أما النوع الثالث من التجارب، فأكّد أن معدل الحركة الدودية يرتفع عندما تنخفض نسبة الأوكسجين في الماء المحيط بالحيوان. ويُظهر رد الفعل هذا، الذي لا يتأثر بمقدار الطعام في الأمعاء، أن حركة الأوكسجين الدودية تشكّل محاولة تكيف لا مجرد مصادفة.

نتيجة لذلك، يفترض الباحث أن غياب القلب تماماً في بعض الأنواع يعود إلى تولي الحركة الدودية في الأمعاء مهمة توزيع الأوكسجين بالكامل، ما أبطل عمل هذا العضو. أما بالنسبة إلى محبي أفلام الرعب، فتزيد فكرة افتقار عناكب البحر إلى قلب هذه الحيوانات جاذبية وغموضاً.

back to top