حبر و ورق

نشر في 05-08-2017
آخر تحديث 05-08-2017 | 00:02
No Image Caption
انظري إليّ

لم يكن قد مضى على وجوده في مدينة ويلمنغتون أكثر من يوم واحد حين بات على قناعة تامة بأنها ليست المدينة التي تستهويه ليستقر فيها في ما تبقى له من عمر. فقد كانت المدينة تعجّ بالكثير من السياح، وبدت برمتها كما لو أنها مبنية بشكل عشوائي، ومن دون أي تخطيط مسبق. ورغم أن المنطقة التاريخية تميزت بوجود تلك البيوت ذات الشرفات والأعمدة فيها، والمزيّنة بكسوة خشبية مزخرفة ونباتات المغنوليا المتسلقة في باحاتها الخلفية، إلا أن تلك الأحياء الجميلة سرعان ما أفسحت المجال أمام المنطقة التجارية الزاخرة بالأسواق والمحلات وسلاسل المطاعم وشركات تجارة السيارات، والتي يملأ شوارعها سيل هائل من السيارات التي تزداد عدداً في فصول الصيف لدرجة لا تطاق.

لكنّ حرم جامعة نورث كارولاينا في ويلمنغتون شكّل له مفاجأة سارة. فقد تخيّل قبل وصوله إلى هناك مكاناً يُهيمن عليه فن العمارة القبيح الذي يعود إلى فترة الستينيات والسبعينيات. ورغم وجود عدد من تلك المباني هناك، ولا سيما عند أطراف الجامعة، فإن الساحات الرئيسة بدت أشبه بواحة غنّاء بما فيها من ممرات ظليلة ومروج مشذبة وأعمدة جورجية وواجهات قرميدية تعكس أشعة شمس العصر الذهبية.

لقد أثارت الأشياء العادية إعجابه أيضاً. فهناك برج ساعة اعتاد في بادئ الأمر على أن يحدق إلى صورته المنعكسة على صفحة البحيرة خلفه متأملاً؛ فيُخيّل إليه كما لو أن الوقت بحد ذاته منعكس وعصيّ على القراءة من النظرة الأولى. كان بوسعه الجلوس واضعاً كتاباً مفتوحاً في حضنه، ومتأمّلاً نشاطات الناس، ورغم ذلك يظلّ شبه خفي في نظر الطلبة الذين يتجوّلون حوله، وكل منهم شارد ومستغرق في أفكاره.

وفيما كان يرى الطلاب مسترخين في الأنحاء بتكاسل، ومرتدين السراويل القصيرة والقمصان القطنية الخفيفة، شعر بأن الطقس دافئ بالنسبة إلى أواخر شهر أيلول (سبتمبر). فتساءل عمّا إذا كانوا يرتدون الملابس نفسها لحضور المحاضرات. كان مثلهم تماماً؛ يأتي إلى حرم الجامعة ليتعلم. فقد زار الحرم الجامعي ثلاث مرات خلال ثلاثة أيام، ولكنه وجد المكان يعجّ بعدد كبير من الناس، ويعِد بالكثير من الذكريات. وهو لم يكن راغباً في أن يتذكره أحد. فكّر في سره إن كان يجدر به الانتقال إلى مكان آخر، غير أنه قرر أخيراً أنه لا داعي لذلك. فمن وجهة نظره، لم يكن أحد يأبه لوجوده أو يكترث له.

لقد بات شديد القرب من هدفه. ولكن في الوقت الحاضر، كان من المهم بالنسبة إليه أن يظلّ متحلياً بالصبر. لذا، أخذ نفساً طويلاً، وحبسه قليلاً في صدره قبل أن يخرجه بهدوء. شاهد في الممرات بضعة طلاب يتوجهون إلى صفوفهم، فيما حقائب الظهر الخاصة بهم متدلية من أكتافهم. ولكن في مثل هذا الوقت من اليوم، كان عدد الطلبة الآخرين الذين يستعدون لبداية مبكرة للعطلة الأسبوعية هو الغالب. فقد كان هؤلاء الطلبة محتشدين هنا وهناك في مجموعات مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أربعة، وهم يتمشون أو يرتشفون الماء من زجاجاتهم التي ظنّ أنها ممتلئة بشراب كحولي وليس بالماء، بينما راح بضعة شبان يشبهون عارضي الأزياء يقذفون قرصاً بلاستيكياً في ما بينهم، فيما وقفت صديقاتهم جانباً وهن يثرثرن. لاحظ شاباً وشابة يتجادلان، وبدا وجه الفتاة محمراً من شدة الانفعال. شاهدها وهي تدفع صديقها لتبعده عنها، فابتسم لدى رؤيته تصرفها ذاك، واحترم غضبها وحقيقة أنها- على عكسه- لم تكن مجبرة على كبت شعورها الحقيقي. وخلف الشابين، شاهد مجموعة أخرى من الطلاب الذين يلعبون كرة القدم بطريقة عفوية لا تدل على أي إحساس حقيقي بالمسؤولية.

اكتشف أن العديد من الطلاب الذين شاهدهم حوله يخططون للخروج تلك الليلة، وفي الليلة التي تليها إلى أماكن التسلية والترفيه والنوادي. فبالنسبة إلى عدد كبير منهم، كانت العطلة الأسبوعية تبدأ اعتباراً من هذه الليلة؛ بما أنه ليس هناك الكثير من المحاضرات أيام الجمعة. عندما عرف ذلك للمرة الأولى شعر بالدّهشة؛ ولاسيما بسبب كلفة الدراسة الجامعية المرتفعة. فقد تخيّل أن الطلاب سيطالبون بالاستحواذ على معظم وقت أساتذتهم، ولم يتوقّع أن يقضوا عطلة أسبوعية من ثلاثة أيام. ومع ذلك، فكّر في الأمر ملياً، وخطر بباله أن الجدول الدراسي يناسب ربما كلاً من الطلاب والأساتذة في آن معاً. أفلا يريد جميع الناس في هذه الأيام أن يكون كل شيء سهلاً؟ وأن يبذلوا أقل جهد؟ وأن يسلكوا طرقاً مختصرة للوصول إلى أهدافهم؟

نعم. فهذا هو بالضبط ما يتعلّمه الطلاب هنا في هذه الجامعة، فهم يتعلمون أن اتخاذ القرارات الصعبة ليس ضرورياً، وأن اتخاذ الخيار الصحيح ليس مهماً؛ ولا سيما إن كان يتطلّب المزيد من الجد والعمل. لماذا ندرس أو نحاول تغيير العالم في أمسية الجمعة في الوقت الذي يمكننا فيه أن نمضي وقتنا بالمرح والاستمتاع بأشعة الشمس؟!

راح ينقل بصره هنا وهناك، متسائلاً عن عدد الطلاب الذين يفكرون حتى في الحياة التي سيعيشونها في المستقبل. وتذكر أن كاسي كانت تفعل ذلك. فقد اعتادت أن تفكر في المستقبل، وتُعدَّ الخطط له طوال الوقت؛ وقد وضعت خريطة لمستقبلها منذ سن السابعة عشرة. ولكنه تذكّر كم بدت مترددة حيال الطريقة التي تتحدث بها عنه، فتولد لديه شعور بأنها لم تكن تثق بنفسها حقاً أو بالطريقة التي ستواجه بها العالم. إذاً، لماذا اتخذت القرارات التي اتخذتها؟!

لقد حاول مساعدتها؛ ففعل الشيء الصواب، واحترم القانون، وقدّم التقارير إلى الشرطة. حتى إنه تحدث إلى مساعدة محامي المقاطعة. وحتى تلك اللحظة، كان لا يزال يصدّق قواعد المجتمع، ويلتزم بها. إذ كان متمسّكاً بتلك الفكرة الساذجة التي تقول إن الخير سينتصر على الشر، وإن الخطر سيصبح تحت السيطرة، وإن الأحداث ستسير في مسارها الطبيعي. فالقواعد تحمي الإنسان وتبقيه بأمان من الأذى. وقد كانت كاسي تفكّر بالطريقة ذاتها. فأياً يكن الأمر، أليس هذا ما يتعلمه الأطفال في حداثتهم؟ إذاً، لماذا يقول لهم الآباء تلك الأشياء التي يقولونها؟ انظر إلى كلا الاتجاهين قبل أن تعبر الشارع. لا تركب سيارة شخص غريب. نظّف أسنانك. تناول خضراواتك. ضع حزام الأمان. وتطول اللائحة إلى ما لانهاية... وتسرد قواعد لا حصر لها لتحمينا وتنقذنا من الخطر والمهالك والضياع.

ولكنه تعلّم أيضاً أن القواعد قد تكون خطيرة. فالقواعد تتعلّق بالأشياء العامة وليس تلك المحددة. وبما أنه يجب على الناس اتباع القواعد منذ الطفولة، فمن السهل بالنسبة إليهم اتباعها بشكل أعمى، ووضع كل ثقتهم في النظام. وهكذا، يصبح من الأسهل حتى عدم القلق حيال الاحتمالات العشوائية. وهذا يعني أنه لا يتوجّب على الناس أن يفكروا في العواقب المحتملة لسلوكهم. وعندما تكون الشمس مشرقة في عصر يوم الجمعة، فبإمكانهم اللعب بالقرص الطائر من دون أن يأبهوا بأي شيء ممّا يدور حولهم في العالم.

إن التجربة هي أكثر أنواع المعلمين ألماً وقسوة. وطوال سنتين من الزمن، كانت الدروس التي تعلّمها هي كل ما استطاع التفكير فيه؛ فقد كادت تستهلكه، ولكنّ الحقيقة بدأت تتضح له ببطء. ورغم أن كاسي أدركت معنى الخطر المحدق بها، ورغم أنه حذّرها مما قد يحدث، فإن كل ما كان يهمها هو اتباع القواعد؛ لأنها وجدت أن ذلك هو الطريق الأسهل.

بعدما تفقّد ساعته، أدرك أن الوقت قد حان للمغادرة، فأغلق كتابه، ونهض من مكانه، ولكنه تلكأ قليلاً ليرى إن لاحظ أحد ما حركته. غير أن أحداً لم يفعل ذلك. وعندئذ، انطلق عبر المروج والكتاب تحت ذراعه. وفي جيبه، كانت هناك رسالة مكتوبة. اتجه نحو صندوق البريد خارج مبنى العلوم مباشرة، وأسقط المغلف عبر الفتحة، ثم انتظر بضع دقائق، وعندئذ لمح سيرينا خارجة من الباب في الموعد المحدّد تماماً.

لقد بات يعرف الكثير عنها. ففي هذه الأيام، يبدو أن جميع الشباب والفتيات لديهم حساب على كل مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وسناب شات، كما صارت حياتهم معروضة لكل من يهتمّ لأمرهم، ويرغب في تركيب قطع الأحجية ووصل الأمور ببعضها لمعرفة ما يحبونه، ومن هم أصدقاؤهم، وأين يقضون أوقاتهم. وقد عرف مُسبقاً من أحد منشوراتها على فيسبوك أنها هذا الأحد ستتناول فطوراً متأخراً في منزل والديها مع شقيقتها. تأمّلها وهي تسبقه، وشعرها البني الداكن يتطاير حول كتفيها. ولاحظ مرة أخرى مدى جمالها. فقد كان هناك تألق طبيعي يحيط بها جذب ابتسامات الإعجاب من الشبان الذين مرت بهم؛ رغم أنها بدت غافلة عن ذلك فيما كانت مستغرقة في محادثة مع صديقة شقراء قصيرة القامة من صديقاتها في الجامعة تحضر معها حلقة بحث. كان يدرك أنها تريد أن تصبح معلمة مدرسة ابتدائية. أي تعدُّ الخطط لحياتها؛ بالضبط كما فعلت كاسي في الماضي.

متاهات الحياة

- ماذا كنت ستفعلين لو عاد الزمن أربعين عاماً؟ سألها وكان ينتظر جواباً قد عرفه...

- لا بد من أنني سأقبل بعرض الزواج الذي تقدمت به!

- ولماذا لم تقبلي به آنذاك؟

- لأنني كنت أعيش حالة من أوهام الحب معه، ولم أفكر بالنتائج وإمكانات الفشل؟

- لذلك لم تقبلي بي؟

– نعم، وكنت أعيش حالة من الهيام معه وأتمتع بالكتابات والرسائل التي يبعثها من بعيد، وكنت أتوقّع أن أكون عروس الكون كله، وأدمن الحب ولا أرى الحزن والأسى طوال العمر وأنني سوف أنجب له أجمل الأطفال نتيجة لذلك الحب...

- ومتى اكتشفت أوهامك وعدم واقعيتك؟

- بعد عام من الزواج، الذي على الرغم من أن كثيراً من الناس توقعوه، وحذروا من أن الفشل سيكون حليفي خلال سنوات الزواج!

- وكيف استمرّيت بالزواج معه مدة طويلة وبعدما اكتشفت ذلك بعد عام واحد فقط من الاقتران؟

- نظرت بعيداً. بعدما أنجبت ابني الأول أصبحت أسيرة، حاولت التأقلم مع الواقع. «لكن لماذا تسألني؟ هل حاولت أنت إقناعي أم أنك سارعت إلى الزواج من صديقتك الأميركية المنتظرة بفارغ الصبر؟ ألم يكن بإمكانك التريث ومحاولة إقناعي؟».

- قد أكون تسرّعت، كانت تحبني في حين لم تظهري أية مشاعر نحوي، وأكدت لي حبك له، فكيف يمكن أن أحاول إقناعك؟

- أنتما أنجبتما أجمل الأطفال.

- ربما كان أطفالي منك أكثر جمالاً؟

- تحررت منه. امتلكت حريتي.

- ربما يستفيد الأبناء من هذا الانفصال، خصوصاً أن قوانيننا القراقوشية تستلزم الانفصال أو الموت ليحصّلوا الجنسية!

- الأمر ليس يسيراً.

أحياناً كان، وهو مخمور، عادةً يتعاطاها فيهذي، يذكر بأنه كان يمكن أن يجلب زوجة من فلسطين قد تكون أجمل أو أذكى مني!

- وكيف تعاملت مع مثل هذه التعليقات؟ هل جادلته؟

- بالطبع أتكدر وأجادل، ولكن ما الجدوى بعدما أصبح شرساً لا يمكن الاستمرار في محاورته؟

لقد استسلمت وقررت الانفصال الجسدي واتباع أسلوب التعايش السلمي وانتظار القدر!

- استغرق زمناً طويلاً.

- ما زلت تتمتعين بعافية، تملئين الحياة نوراً، يمكنك التمتع ببقية حياتك.

- ماذا يمكن أن أفعل بعدما انفصلت عنه؟ هل أجد حياة جديدة بعد هذه السنوات؟ وهل سيسمح لي ولداي أن أتمتع بحياة جديدة وأكتشف ما فقدته؟

- يمكن! عليك اتخاذ القرار الصعب وابحثي عن البديل الجميل. ليس من الضروري أن تتزوجي ثانية. اكتشفي ما افتقدته... سافري مثلاً.. زوري الأماكن الجميلة التي حلمت بها، احضري المعارض الفنية، شاهدي الأفلام التي ترغبين، المهم أن تعيشي الحياة وتجدي ضالتك في إنسان يتفهمك ويتجاوز سنوات الجسد؟

- كنت دوماً أتمنى السفر والتمتع بالحياة وزيارة الأماكن والمواقع في العديد من البلدان التي قرأت الكثير حولها. لكن هل يمكن لي أن أسافر من دون رفيق، حيث إن الولدين لن يرافقاني بعدما اعتزلت أباهما، كبرا ولن يجدا متعة في مرافقتي، فالاهتمامات متباينة مع أي منهما. في مسألة أن أجد ضالتي بإنسان، نظرت بعينيها السوداوين بصمت وهمست: لماذا لا تكون أنت هذا الإنسان؟

- بعدما فقدتُ كاثي لم أجد من تكون بديلة منها مع كل تقديري ومودتي وعشقي السابق لك. بعد وفاة كاثي أصبحت إنساناً محطماً، عجزت عن مجاراة الحياة، وفقدت الاهتمام بالكثير من الأمور، هجرت عملي وأصبحت ضائعاً.

- قبل قليل تلهمني في البحث عن حياة جديدة والتمتع بالدنيا، والآن تخبرني بعجزك! تعظني بأهمية التمتع بمباهج الدنيا وأنت عاجز عن ذلك! أنت رجل في مجتمع شرقي محافظ يمنح له حق التمتع بالنساء زواجاً، وربما لا تفقد الكثير من مكانتك وسمعتك لو ارتبطت بعلاقات نسائية عابرة. ما زلت وسيماً ومعشوقاً من نساء كثيرات من مختلف الأعمار. أولادك سوف يتفهمون علاقاتك بعد وفاة والدتهم ومعرفتهم الخاصة بعلاقاتك الحميمة مع المرحومة أمهم. أنت مؤهل أكثر مني كامرأة لخوض تجارب جديدة والتمتع بحياة جديدة. لماذا قررت الانزواء والعيش حزيناً بقية حياتك؟ يمكنك أن تؤدي دورك في المجتمع بصورة أفضـل لو نظرت بصورة متفائلة إلى الحياة.

مرت أيام نسي صالح حديثه مع موضي وأخذ يفكر في مستقبله ومدى تحمله فراق زوجته كاثي بالرغم من وجود زوجته الأخرى صفية، وهل عليه الاستمرار في العيش في الكويت أم يرحل، ربما، إلى الولايات المتحدة حيث يعيش أهل كاثي وأقاربها، خصوصاً أن ابنه وابنتيه تمكنوا من تحقيق نجاح.

الابنتان تزوجتا وأنجبتا أحفاداً ولن تغادرا البلاد معه، إنه غير مسؤول عنهما وأصبحت للابنتين عائلتان مستقرتان، وزوجا الابنتين يتّسمان بالشهامة ونبل الخلق ويعملان في مجالات أساسية وينتميان إلى عائلات من الطبقة الوسطى الميسورة. لماذا لا يحرِّر نفسه من المسؤولية ويذهب بعيداً ويعود زائراً بين فترة وأخرى، وهناك يمكن أن يتمتع بالقراءة ومتابعة مستجدات تخصصه في علوم الرياضيات وممارسة نشاطات على مسرح الحياة. لم يعد يطيق روتين الحياة السياسية وتزايد نفوذ المحافظين ومفاهيمهم وقيمهـم وتفسيرهم الدين. هناك يمكن أن يستعيد صداقات قديمة، وينمي صداقات جديدة ويتنقل بين المدن من دون ملل أو عوائق.

لم تنس موضي الحوار. أيقنت أنها لا بد من أن تقرر مصيرها ومستقبلها، لا تريد أن تكون أسيرة ابنيها فحياتهما مستقرة من دونها. لكن هل يمكن أن تتجاوز نظرة المجتمع حول مطلقة نصبت خيمتها في مضارب الستين؟ كيف ستتمكن من برمجة حياتها، ما الاهتمامات الجديدة التي تمارسها؟ هل ستعمل في إحدى الجمعيات الأهلية وتختص باهتمام محدد مفيد للمجتمع، بعدما كانت بعيدة عن كل اهتمامات خارج سياج الأسرة منذ أن تخرجت في الجامعة قبل أربعين عاماً؟ أخذت الحياة الزوجية كل اهتماماتها وأدت محاولاتها للاستقرار وتوطين الزوج والأولاد وتوفير المعيشة المناسبة لهم كلّ اهتماماتها، وجعلت من حياتها دوامة مستمرة ومغلقة. فكرت: أكون أكثر فائدة الآن بعد هذه التجربة الحياتية وأكون عوناً للآخرين بعدما عجزت عن إعانة نفسي. ربما أكون أكثر مقدرة على معالجة قضايا الناس وأترك بصماتي، هكذا همست لنفسها. هل أفاتح ولديّ قبل الإقدام على خطواتي المقبلة؟

back to top