النرجسيون الحقيقيون... هل تظنّ أنك تعرفهم؟

نشر في 27-07-2017
آخر تحديث 27-07-2017 | 00:04
«نرجسي»، تصنيف ينتشر في كل مكان، ويسيء كثيرون استعماله لوصف أي شخص يهاجمهم. عملياً، الدرجة البسيطة من النرجسية مفيدة للناس.
وهذه الصفة لا تقتصر على الغرور بالنسبة إلى الأشخاص الذين يسجّلون درجة عالية منها، إذ يكشف أحد البحوث عن رابط بين النرجسية والاكتئاب.
في الشتاء الماضي، أخبرتني صديقتي بأنها تفكّر بالطلاق، قائلةً: «زوجي نرجسيّ!». ومنذ فترة قصيرة، شرح لي أحد معارفي وضع أفراد عائلته موضحاً: «عمتي نرجسية جداً ولا نفهم كيف يستطيع عمّي البقاء معها».
استُعمِل مصطلح «النرجسية» على نطاق واسع، ولم يكتفِ بوصف بعض الأقارب صعبي المراس أو الأحباء السابقين بل شمل أيضاً مرشّحين للرئاسة وجيلاً كاملاً معروفاً باسم «جيل الألفية». هل أصبحت النرجسية شائعة لهذه الدرجة، أو تشهد تصاعداً مستمراً بين عامة الناس فعلاً؟

معنى النرجسية

النرجسية صفة موجودة في كل شخص منا إنما بدرجات متفاوتة. ولما كانت هذه الصفة غير مرغوب فيها اليوم، فلا بد من تحديد النرجسية «الصحية» المقبولة اجتماعياً. يقول الطبيب النفسي كريغ مالكين، مُحاضِر في كلية الطب بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب Rethinking Narcissism (إعادة النظر بالنرجسية): «إنها القدرة على رؤية نفسنا والآخرين بنظارتين ورديتين». ربما تكون هذه الصفة مفيدة لأنها تساعدنا جميعاً على الشعور بالتميّز وتزيد ثقتنا التي تسمح لنا بأخذ المجازفات مثل البحث عن الترقية، أو أخذ المبادرة لمواعدة شخص غريب وجذاب. لكن في المقابل، يؤدي الشعور بالتميّز إلى مشاكل كثيرة أيضاً.

يُستعمَل «دليل الشخصية النرجسية» على نطاق واسع لقياس هذه الصفة. طوّره كل من روبرت راسكين وكالفن س. هول في عام 1979، ويفرض على الأفراد أن يختاروا بين تصريحات ثنائية لتقييم مستويات التواضع والإصرار والميل إلى القيادة والاستعداد للتلاعب بالآخرين.

تتراوح العلامات بين صفر و40، ويتراجع هذا الميل في بداية مرحلة المراهقة ومنتصفها، بحسب الجماعة التي تخضع للاختبار. يمكن اعتبار الأشخاص الذين يسجلون انحرافاً يفوق ما سجّله نظراؤهم نرجسيين. لكن قد تشير العلامة التي تبقى ضمن النطاق الطبيعي الواسع إلى شخصية سليمة.

يشمل تشخيص النرجسية المَرَضية (شكل من الاضطرابات النفسية) معايير مختلفة. يقول الخبير في علم النفس التطوري إيدي بروملمان من جامعة ستانفورد: «اضطراب الشخصية النرجسية شكل متطرف من هذه الصفة». يحصل تشخيص هذا الاضطراب حصراً لدى اختصاصي الصحة العقلية ويمكن الاشتباه به حين تعيق الصفات النرجسية التي يحملها الشخص مهامه اليومية. ربما يرتبط ذلك الخلل بالهوية أو التوجيه الذاتي أو يسبّب شرخاً في العلاقات بسبب مشاكل مرتبطة بالتعاطف والحميمية. ويشتق الاضطراب أيضاً من تنافر مَرَضي يتّسم بالغطرسة والرغبة في جذب الانتباه.

يوضح بروملمان: «النرجسية ظاهرة متواصلة ويقع الاضطراب في نهاية طيفها». يمكن أن يرصد «دليل الشخصية النرجسية» مستوى النرجسية لدى المرء، لكن لا بد من رصد آثار إضافية على أرض الواقع لتشخيص اضطراب الشخصية النرجسية».

يقول مالكين: «يعكس اضطراب الشخصية خللاً عميقاً في قدرة الشخص على التحكم بعواطفه والتمسك بتفكير منطقي ثابت عن ذاته وهويته والحفاظ على روابط صحية في مجال العمل وعلاقات الصداقة والحب. إنه شكل من الصلابة».

يواجه الشخص الذي يسجّل علامة مرتفعة في «دليل الشخصية النرجسية» تفاعلات اجتماعية غريبة أو عصيبة من وقت إلى آخر. لكن بالنسبة إلى شخصٍ مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، يقول مالكين إن جميع الدفاعات النفسية تعمل ضد الوظائف الصحية طوال الوقت.

أشكال متعددة

لطالما اتّكلت الثقافة الشعبية على خصائص النرجسية لرسم شخصيات مثيرة للجدل، بدءاً من دوريان غراي في الرواية الشهيرة «صورة دوريان غراي» وصولاً إلى دون درابر في المسلسل التلفزيوني «ماد مان».

تشكّل شخصية غاستون في قصة Beauty and Beast (الجميلة والوحش) التي أنتجتها شركة «ديزني» نموذجاً سخيفاً إنما مناسباً عن الغطرسة، علماً أنها أبرز صفة يمكن رصدها لدى الأشخاص النرجسيين أو المصابين باضطراب الشخصية النرجسية.

ربما يعتبر نرجسيون آخرون نفسهم أفضل الناس، بمعدل 1% على مستوى الموهبة أو الشكل الخارجي أو النجاح أو جميع الخيارات السابقة. لكن يخطئ من يفترض أن جميع النرجسيين متغطرسون بشكل واضح. يقول مالكين: «لا يهتم جميع النرجسيين بالشكل الخارجي أو الشهرة أو المال. إذا بالغنا في التركيز على الصور النمطية، سنغفل عن مؤشرات تحذيرية مرتبطة بالغرور أو الجشع».

يعتبر مالكين مثلاً أن ثمة نرجسيين يحملون خصائص «جماعية» متنوعة ويكرّسون حياتهم لمساعدة الآخرين. حتى أنهم قد يوافقون على التصريحات الآتية: «أنا أكثر شخص يساعد غيره» أو «سيعرف الجميع بالأعمال الخيرية التي أقوم بها». يضيف مالكين: «يقابل جميع الناس أشخاصاً يساعدون الآخرين ومستعدين للتضحية بنفسهم لدرجة أننا لا نتحمّل التواجد معهم في الغرفة نفسها».

نجد أيضاً نرجسيين منغلقين على أنفسهم أو «ضعفاء». يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم أكثر حساسية من غيرهم. حتى أنهم لا يتحمّلون أبسط انتقاد ويحتاجون إلى طمأنة دائمة. قد تكون طريقة شعورهم بالتميّز سلبية: يمكن أن يعتبروا أنفسهم أقبح الناس في الحفلات، أو يشعروا بأنهم عباقرة لا يفهمهم الناس وسط عالمٍ يرفض الاعتراف بمواهبهم.

رابط مع الاكتئاب

يقع ذلك الصراع في صلب مفهوم النرجسية الجديد ويركّز على الاكتئاب والشعور بالعظمة في آن. يقول سيث روزنتال، باحث في «برنامج التواصل حول التغير المناخي» في جامعة «ييل» (قدّم أطروحة دكتوراه حول النرجسية): «يفترض الناس أن النرجسيين معرّضون لتقلبات متطرفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية. يحتاج هؤلاء الأشخاص دوماً إلى التأكد من عظمتهم في نظر المحيطين. لكن حين يصطدمون بالواقع، يصيبهم الاكتئاب».

حين تنعكس انتكاسة واضحة، مثل فقدان العمل أو حصول طلاق أو حتى إعاقة خطة معينة، على الصورة التي يحملها النرجسي عن نفسه، «ستتعرّض هوية ذلك الشخص لهجوم حقيقي» بحسب ستيفن هوبريش، الرئيس المُنتخَب للجمعية الدولية لدراسة اضطرابات الشخصية وأستاذ في جامعة «ديترويت ميرسي»: «يصبح الشخص الذي ظنّ النرجسي أنه سيثق به مكروهاً في نظره ولا يعود مستعداً للتعامل معه. لا عجب في أن يشعر بزيادة إحباطه وكآبته».

حتى الأشخاص الأصحاء من الناحية العقلية يجدون صعوبة في التعامل مع تحولات جذرية مماثلة. لكن يوضح هوبريش: «بالنسبة إلى النرجسيين والشخصيات النرجسية، تكون الخسارة صعبة جداً لأنها ترمز إلى الهشاشة والضعف، وتشير إلى أن الشخص المعنيّ ليس محصّناً ضد تحديات الحياة وتقلباتها».

يتبنى النرجسيون أيضاً أحياناً نزعة دفاعية وينتابهم الغضب في لحظات مماثلة. يشرح بروملمان: «حين لا يحصلون على الإعجاب الذي يتوقعونه، سيشعرون بالعار ويتصرفون بعدائية». من المستبعد أن يصاب الآخرون بهذا النوع من النوبات العدائية.

لكن لا يعني ذلك أن النرجسيين يغفلون عن هذه الصفة. وفق دراسة جرت في عام 2011 ونُشرت في «مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي» بعنوان «قد تظن أن هذه الدراسة عنك!»، تبيّن أن النرجسيين المزعومين لديهم نظرة عميقة عن شخصيتهم، فوصفوا نفسهم بالمتغطرسين وكانوا يعرفون أن الآخرين يحملون عنهم نظرة أقل إيجابية من تلك التي يحملونها عن نفسهم.

على مرّ سنوات من البحوث، طوّر هوبريش وزملاؤه مفهوماً يمكن أن يرتبط بالنرجسية وأطلقوا عليه اسم «التقدير الذاتي الخبيث». يمكن اعتباره مجموعة اضطرابات شخصية يستحيل تشخيصها عيادياً، وتترافق مع خصائص متداخلة، من بينها أنماط الشخصيات الكئيبة والانهزامية والماسوشية.

يطوّر الناس في بعض الحالات تقديراً ذاتياً خبيثاً منذ طفولتهم بحسب علاقاتهم. ربما عاش هؤلاء الأفراد تجارب متقلّبة مع أهاليهم، تحديداً في ما يخص طريقة تحديد معنى النجاح والإنجازات. أو ربما رفض الأهل الاعتراف بإنجازاتهم أو منعوهم من التفاخر بها فحرموهم بذلك من نرجسية صحية يمكن أن تسهّل حياة الأولاد حين يواجهون تحديات جديدة.

صفة مكتسبة أم فطرية؟

تؤدي تجارب الطفولة دوراً أساسياً، ولكن يتفق معظم الخبراء على ارتباط النرجسية الفائقة واضطراب الشخصية النرجسية بعوامل متعلقة بطبيعة الأشخاص وطريقة تربيتهم وتبدأ هذه العملية على الأرجح في الجينات. تقول كالي ترزيسنيوسكي، طبيبة نفسية متخصصة بالتطور الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا، ديفيس: «نولد ونحن نحمل بعض الصفات في شخصياتنا، فتُضعِفها البيئة المحيطة أو تقويها، مع أن البعض لا يتفاعل مع بيئته بل يقاومها بكل بساطة».

اكتشفت دراسة عن التوائم أن النرجسية صفة موروثة بدرجة كبيرة. يمكن أن تظهر أيضاً في مرحلة مبكرة من الحياة: اكتشفت دراسة أخرى أن الأولاد الذين يكونون عاطفيين وعدائيين ويحبون جذب الانتباه في مرحلة ما قبل المدرسة يصبحون نرجسيين في سن الرشد. لكن يمكن أن تُشجّع أنماط التربية وتأثير العلاقات الأخرى والأجواء الاجتماعية والثقافية المحيطة على تطور تلك الصفة (أو كبحها).

للثقافة دورها أيضاً: معدلات اضطراب الشخصية النرجسية أعلى بأربعة أضعاف في مدينة نيويورك المعروفة بمظاهر المنافسة مقارنةً بمنطقة أيوا. لكن في أنحاء العالم، تميل الثقافات التي تشمل تقاليد جماعية إلى إبداء مصلحة الجماعة على الأفراد. يقول ديفيد لودين، أستاذ في علم النفس في كلية «جورجيا غوينيت» في «لورنسفيل»، جورجيا: «تتعلّم منذ سن مبكرة أن تنتبه إلى الآخرين وتهتم بحاجاتهم قبل حاجاتك. نجد النرجسيين طبعاً في اليابان والصين أيضاً ولكنهم لا يتقبّلون أن يروّج الناس لنفسهم بطريقة مباشرة».

النرجسية الفائقة ليست مشابهة لاحترام الذات الفائق. في هذا المجال، درس بروملمان تأثير المقاربات التربوية على تطوّر كل صفة منهما وتحدّث عن وجود رابط ضعيف بين الظاهرتين. اكتشف الأخير مع زملائه أن الأمهات والآباء الودودين والعاطفيين والذين يمضون الوقت مع أولادهم ويبدون اهتماماً بنشاطاتهم يجعلون الأولاد يقتنعون تدريجاً بقيمتهم العالية (إنه جوهر احترام الذات)، من دون أن يتحوّل شعورهم إلى نرجسية. في المقابل، يؤدي الأسلوب التربوي الذي يبالغ في تقدير مزايا الأولاد إلى تطوير الخصائص النرجسية. كي لا يصبح الطفل نرجسياً، من الأفضل أن يقول له والداه «أبليتَ حسناً» بدل «كنت تستحق الفوز»، أو «لماذا لم تكن بارعاً بقدر رفيقك؟».

يقول لودين إن الأهالي الذين يربّون أبناءً نرجسيين «يقدّمون لأولادهم عالماً مليئاً بجو المنافسة: ثمة فائزون وخاسرون ويجب أن تكون من بين الفائزين». تقضي مقاربة سليمة بتعليم الأولاد أنهم «ليسوا مضطرين إلى أن يكونوا أفضل من غيرهم، بل يجب أن يقدموا أفضل ما لديهم».

تصنيف خاطئ لجيل الألفية

بغض النظر عن الجهد الذي يبذله الأهالي لإبعاد الأولاد عن جو المنافسة، يضطر كثيرون في النهاية إلى التنافس مع الآخرين لدخول الجامعات والحصول على التدريب المهني والوظائف. ربما يكون تراجع الفرص السبب في تفاقم النرجسية بين الراشدين الأصغر سناً.

يضيف لودين: «حين ننشئ بيئات تنافسية جداً، نشجّع الناس المعروفين بقسوتهم. يتكاثر النرجسيون في هذه البيئة تحديداً لأنهم مستعدون لبذل الجهود التي تسمح لهم بإحراز التقدم أكثر من أي شخص عادي. من دون أن ندري، أنشأنا مجتمعاً يشجّع النرجسيين في وجه الأشخاص الذين يرفضون هذا النوع من السلوكيات».

لذا يُلَمّع الشباب سِيَرهم الذاتية ويُحَدّثون مواصفاتهم على موقع «لينكد إن» ويسوّقون لنفسهم على الإنترنت ويُغرِقون مواقع التواصل الاجتماعي طبعاً بصور «سيلفي» مثالية ومعدّلة بحذر. يقول لودين: «لدينا اليوم فرص للتعبير عن ميولنا النرجسية أكثر من السابق». ربما يحاول بعض الشباب الذين كانوا ليصبحوا أكثر تواضعاً في زمنٍ آخر أو بيئة أخرى مواكبة العصر ويجب أن نعذرهم على الأرجح.

احتدم النقاش حول تصاعد نزعة النرجسية (باعتبارها صفة في الشخصية أو اضطراباً) في مجال البحوث. صحيح أن العلامات التي سجّلها «دليل الشخصية النرجسية» ارتفعت على مر الأجيال، لكنها لم ترتفع بمستوى ما قد يحصل عند حدوث تحوّل ثقافي كبير. لا يوافق الخبراء أيضاً على صوابية القيام بمقارنات بين الأجيال: هل كان «أعظم جيل» ليشتهر بتحفّظه لو تمكّن الجنود من كتابة التغريدات من الساحة الأوروبية أو منطقة المحيط الهادئ؟

من الواضح أن الناس يكونون أكثر نرجسية دوماً في شبابهم. تقول ترزيسنيوسكي: «ترتفع مستويات النرجسية لدى الناس في عمر الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة أو العشرين مقارنةً بعمر الأربعين».

إنها نزعة تطوّرية منطقية: في بداية سن الرشد، لا يتحمّل الناس مسؤوليات كثيرة، تجاه عائلتهم الأصلية أو العائلة التي سيؤسسونها مستقبلاً. تقول إيميلي بيانشي، أستاذة مساعِدة في التنظيم والإدارة في جامعة «إيموري»: «يركّز الناس في هذه المرحلة من حياتهم على نفسهم ويحاولون اكتشاف هويتهم الشخصية والمهنية». تثبت بحوثها أن الأجيال التي تتعرّض للمصاعب، مثل الركود الاقتصادي، تصبح أقل نرجسية من تلك التي تواجه عدداً محدوداً من التحديات الكبرى: «يبدو أن الركود ترك بصمة متواضعة على الأشخاص الذين كانوا في بداية سن الرشد خلال تلك الفترة».

ربما تعني هذه الفكرة أن جيل الألفية الذي يجد صعوبة حتى الآن في إثبات نفسه وسط اقتصادٍ يتعافى ببطء، قد يصبح أقل نرجسية بكثير من المستوى الذي ذكرته البيانات قبل عام 2008.

على الساحة العالمية

يقدّم التاريخ أمثلة عدة عن شخصيات قيل إنها كانت مصابة باضطراب الشخصية النرجسية. يقول روزنتال: «تتعلّق عقدة نابوليون الأساسية بصفة النرجسية. وإذا شاهدنا فيديو لموسوليني، نلاحظ أنه كان يستعمل لغة جسد طاغية مع إشارات جسدية يمكن أن تشير إلى نرجسيته».

لذا ربما تسمح الثقة الظاهرية بالنفس بوصول الشخص النرجسي إلى السلطة. يوضح روزنتال في هذا السياق: «إذا كنت متحدثاً بارعاً وتجذب الناس إليك، قد يدفعك غرورك إلى استغلال هذا الوضع».

في البداية، يبدو النرجسيون والمصابون باضطراب الشخصية النرجسية جذابين ويسهل أن يستميلوا الأصدقاء والأحباء والناخبين. لكن مع مرور الوقت، يصبح تركيزهم على نفسهم لا يُطاق. يميل الناس الذين يسجلون درجة عالية من النرجسية إلى إزعاج أصدقائهم وأحبائهم، في بعض المناسبات على الأقل، بينما يدفع المصابون باضطراب الشخصية النرجسية الناس إلى الهرب منهم، وقد يكلّفهم سلوكهم عملهم وأصدقاءهم وزواجهم. يقول روزنتال: «سرعان ما يكتشف الناس أن هذه الصفة ليست رائعة بقدر ما كانوا يظنون».

لكن يخطئ من يعتبر بعض الناس الذين يسجلون مستويات صحية من النرجسية أشخاصاً نرجسيين حين يتصاعد التوتر في علاقاتهم الشخصية. يقول مالكين: «كلما خاض الأزواج صراعاً قوياً، يزيد تركيزهم على نفسهم. الغضب يجعلنا جميعاً نرجسيين». وحين نشعر بأذى أو غضب، نميل إلى التركيز على حاجاتنا النفسية ونفشل في إظهار تعاطفنا مع الآخرين (إنها سلوكيات نرجسية كلاسيكية).

بعد نشوء صراع بين الأهالي والمراهقين، أو حصول خلاف بين الأزواج، يمكن استعمال مصطلح النرجسية عشوائياً حتى لو لم يكن ينطبق على جميع المواقف.

يبرز مؤشر على نرجسية الشريك المحتمل: قد يدّعي أنه يجيد كل شيء إلا العلاقات. يمكن أن يعلن النرجسيون أنهم لا يحتاجون إلى أحد ويعترفون بأنهم يفضّلون زوجة جميلة الشكل على إيجاد الحب الحقيقي، ويعجزون عن القيام بالتعديلات التي تتطلبها كل علاقة.

شرارة التعاطف

يؤدي ضعف التعاطف في اضطراب الشخصية النرجسية إلى إرباك كل من لم يتدرّب على تشخيص الحالة. يحدّد غياب التعاطف التام معالم الشخصية النفسية، لكن يكشف أكبر النرجسيين أو المصابين باضطراب الشخصية النرجسية عن بعض مظاهر التعاطف. يقول هوبريش إن أكبر النرجسيين يستطيعون التعاطف مع غيرهم ولكنهم يضعون حاجاتهم على رأس أولوياتهم: «يكون تعاطفهم سطحياً وعابراً. يعترف هؤلاء الناس بمعاناة الآخرين ولكنهم يتجاوزون ذلك الشعور وسرعان ما يستأنفون الترويج لنفسهم».

في أي علاقة، قد يتمكن النرجسيون من إظهار التعاطف إلى أن يقع حدث مزعج فيسعون تلقائياً إلى تهدئة نفسهم عبر إحباط الشريك. يقول مالكين: «حتى التضحية بالشريك ممكنة كي يشعروا بالتفوق!».

إذا كانت الذات الهشّة ركيزة للنرجسية الحقيقية، يمكن تقويتها عبر التعاطف مع الذات. أثبتت دراسة شملت أكثر من 3 آلاف شخص أن التعاطف الذاتي يؤدي إلى استقرار مشاعر تقدير الذات مقارنةً باحترام الذات الذي يكون أكثر ارتباطاً بخصائص النرجسية. تشير مجموعة متزايدة من البحوث إلى القدرة على تحرير التعاطف المكبوت داخل الناس النرجسيين عبر التركيز الدائم على علاقاتهم ومجتمعهم وروابطهم بالآخرين. إنها فكرة منطقية: النرجسية غير الصحية طريقة فاعلة للتكيف مع شعور انعدام الأمان. من خلال زيادة مستوى الأمان الداخلي، ستتلاشى النرجسية.

ربما تكون هذه الفكرة أهم استنتاج واعد في البحوث الأخيرة عن النرجسية. يقول مالكين: «كنا نظنّ أن تغيير الوضع أمر ممكن».

* ريبيكا ويبر

هذا الاضطراب يشتق من تنافر مَرَضي يتّسم بالغطرسة والرغبة في جذب الانتباه

النرجسيون يظهرون التعاطف إلى أن يقع حدث مزعج فيخففون عن نفسهم عبر إحباط الآخر
back to top