الشاعر والمترجم عبد الرحيم يوسف: الترجمة علم وليست ضرباً في صحراء خالية

نشر في 21-07-2017
آخر تحديث 21-07-2017 | 00:01
يرى الشاعر والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف الفائز بجائزة الدولة التشجيعية فرع الآداب أن المترجم ليس ناقلاً للنص بل هو الوجه الآخر للعملة الأدبية المتداولة في فضاء الإبداع العالمي، فهو يقرأ النص الأصلي جيداً ويعيش أجواءه ويقوم ببحوث عدة للتأكد من فهمه قبل صياغته في لغته، ثم يراجع ترجمته ليطمئن إليها، مؤكداً أن الترجمة غدت علماً له نظريات ودراسات ولم تعد ضرباً في صحراء خالية.

كيف استقبلت فوزك بجائزة الدولة التشجيعية في الآداب في مصر، فرع ترجمة الأعمال الفكرية؟

استقبلته بفرحة أكبر مما توقعت. كنت في حاجة إلى لمسة تشجيعية في هذا الوقت العصيب، وأرى أن ما أثير حول الجوائز من ردود فعل أمر صحي ومطلوب. فالجوائز كافة سواء من الدولة أو الهيئات الخاصة، وحتى «نوبل»، لا تمرّ من دون إثارة اعتراضات وتعليقات بين مؤيد ومعارض، ودور المثقفين ليس التصفيق وهزّ الرؤوس، بل المناقشة والاعتراض إذا رأوا ما يدعو إلى ذلك، وتاريخ جوائز الدولة وطريقة الاختيار والترشيح والتصويت أمور مثيرة للجدل، وثمة أسماء كبيرة حُرمت من حقها في هذه الجوائز بينما كثيراً ما ذهبت الأخيرة إلى من لا يستحق.

جاء فوزك بجائزة الدولة عن ترجمة كتاب «ثلاث دراسات حول الأخلاق والفضيلة» لبرنارد ماندفيل. حدثنا عنه.

يضمّ الكتاب ترجمة لثلاثة مقالات أساسية لبرنارد ماندفيل جمعتها طبعات مختلفة من كتابه «خرافة النحل» وهي: «بحث في أصل الفضيلة الأخلاقية» و«بحث في طبيعة المجتمع» و«مقال عن الخيرية والمدارس الخيرية»، وتمثّل المقالات الثلاثة الأعمدة الأساسية لأطروحات ماندفيل الفكرية التي تتسع لتشمل الأخلاق والمجتمع والاقتصاد، ولا تهمل التاريخ والدين والعلم. تقدم المقالات صورة عن المجتمع الإنكليزي في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، فترة الحداثة المبكرة والتنوير والثورة العلمية في التاريخ الأوروبي التي ألقت بظلالها الكثيفة على العالم بأسره من وقتها حتى الآن.

فضاء الترجمة

إلى أي مدى ربما يخفق المترجم أو يصيب في تقديم أجواء وعوالم لم يعشها؟ أم أن الترجمة علم مستقل عن علم اللغة وعن الأدب؟

يتوقف الأمر على مدى تأهيل المترجم وفهمه دوره كناقل للمادة المترجمة عبر وسيط هو اللغة. يستلزم فهمه النص الأصلي فهمه لغته وسياقه الثقافي، وتعتمد قدرته على نقله إلى لغته على إحاطته بهذه اللغة وفهمه لها. المادة المترجمة ليست بالضرورة أدباً، فقد تكون مادة فكرية أو علمية أو قانونية أو تقنية... إلخ، ودور المترجم أولاً أن يقرأ النص الأصلي جيداً ثم يقوم بعمله الذي هو أقرب إلى البحث للتأكد من فهمه النص عموماً، وكل عبارة فيه قبل أن يصيغه في لغته، ثم يراجع ترجمته ليطمئن إليها. غدت الترجمة علماً له نظريات ومجلات محكمة ودراسات، ولم تعد ضرباً في صحراء خالية يعتمد فيها المترجم على تجليات خياله وظلال معارفه الذاتية القليلة مهما اتسعت، وهو ما يلقي بمسؤولية كبيرة على المترجم ويجعل مهمته شاقة، لكنها ممتعة لمن يراها كذلك.

هل على المترجم أن يجيد لغته الأم واللغة المكتسبة بالدرجة نفسها التي تصل إلى حد البيان؟

لا أعتقد ذلك، لكنه يجب أن يجيد اللغتين بما يكفي لفهم النص ونقله، وفي أثناء عملية النقل يكتسب معرفة أكبر باللغتين. إنها عملية تراكم وليست تجلياً بعد اكتمال.

هل المترجم يصنع من النص المترجم نصاً إبداعياً جديداً، وهل يمكن فعل ذلك من دون المساس بروح النص الأصلي؟

نجاح المترجم في الحفاظ على روح النص الأصلي قدر الإمكان يجعل من النص المترجم نصاً جديداً. اختلاف اللغات لا يبقي النصوص في رحلتها من لغة إلى أخرى هي نفسها. أنا مع الأمانة في الترجمة تماماً، فنحن لا ننقل معاني النص فحسب بل كلماته وترتيب جمله، لكن اللغة المنقول إليها غنية بكلمات مختلفة، إنها كلمات مقابلة تحمل تاريخها الخاص ووقعها وإيقاعها.

يرى البعض أن الترجمة مشروع حضاري وثقافي تقوم على كتفيه مهمة تبادل الخبرات والعلوم والمعارف بين الشعوب. إلى أي مدى قــامت الترجمة في العصر الحديث بهذا الدور في رأيك؟ وهل ثمة معوقــات تـقف أمامها؟

الترجمة في عالمنا العربي تحديداً في وضع مأزوم لا ينفصل عن وضعنا العام المأزوم. لدينا مشاريع كثيرة لا تنسيق في ما بينها، رغم الطموحات الكبيرة وجهود كثير من المخلصين القيمين عليها. يمكن للترجمة أن تؤدي دورها لو توافر تأهيل حقيقي للمترجمين واهتمام بأحوالهم المادية والمعيشية وبتخريج كوادر أكبر وأكثر في الجامعات، وتشجيع القراءة عموماً وتوفير الكتب المترجمة بأسعار معقولة وتوزيعها على نطاق الوطن العربي كله، وليس عواصم الدول المركزية. لكن ذلك يبدو حلماً وسط واقع تحاول الأنظمة القائمة عليه تثبيته وتمن على مواطنيها بمأكلهم ومشربهم.

يقول البعض إن الترجمة تتخذ ميولاً ربما تؤثر سلباً في تقديم المنتج الثقافي العربي للغرب، ومنهم لويس عوض ومحمد مندور، ما رأيك في هذا الكلام؟

هذا أمر وارد ويحدث غالباً. نحن إزاء سوق يبحث عن سلعة جاذبة، حتى إن لم تكن حقيقية أو معبرة عن واقعنا. لكن هذا لا ينفي جهود مترجمين غربيين كثيرين حاولوا أن ينقلوا أعمالاً مهمة حتى لو لم يجدوا دعماً منا ولا من سوق النشر في بلادهم.

الجيل الجديد

كيف ترى الجيل الجديد من المترجمين الشباب؟

في الحقيقة، لا أرى نفسي كبيراً أو خبيراً لدرجة تقييم جيل تالٍ، بل ربما أجد نفسي مترجماً شاباً عمره الحقيقي في الترجمة خمس سنوات. أبلغ من العمر 42 عاماً وهي سن غريبة لا تجعلني شاباً، كما علق أحد المنتقدين لحصولي على الجائزة، ولا تجعلني كهلاً خبيراً. لكن عموماً، ثمة مترجمون شباب رائعون أستمتع بقراءة ترجماتهم وأتعلّم منهم.

لماذا كان اختيارك الأدب والفكر الإنكليزي والإيرلندي تحديداً؟

لأني درست اللغة الإنكليزية والأدب المكتوب بها في الجامعة، وأعمل في تدريسها منذ 19 عاماً. من ثم، منذ بدأت محاولاتي في الترجمة أشتغل في اللغتين اللتين أعرفهما بشكل جيد: العربية والإنكليزية.

أين أنت من الشعر الآن؟

صدر لي في بداية هذا العام ديوان بعنوان «كراكيب جديدة» عن دار «العين»، وأنتظر صدور ديوانين واحد عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، والآخر عن «هيئة قصور الثقافة».

ماندفيل الكاتب الساخر

اختار المترجم عبد الرحمن عبد الرحيم يوسف برنارد ماندفيل، الفيلسوف وعالم الاقتصاد والكاتب الساخر الهولندي، لترجمة كتابه بناء على ترشيح صاحب دار النشر له.

وُلد ماندفيل في روتردام (وفي رواية أخرى دوردريخت) في 15 نوفمبر 1670، وعاش معظم حياته في إنكلترا وكتب ونشر غالبية أعماله بالإنكليزية، وتُوفي في 21 يناير 1733 عن 62 عاماً بعد إصابته بالإنفلونزا.

ترجم يوسف سابقاً مسرحية شكسبير A Midnight Summer’s Dream إلى العامية المصرية بعنوان «حلم فـي ليلة نص الصيف»، وكتاب «حقائق ملتوية»، وكتاباً عن الميثولوجيا الإيرلندية، ويعمل راهناً على ترجمة كتاب عن تاريخ أحد أحياء مدينة الإسكندرية، وكتاب آخر للكاتبة الهولندية مينيكه شيبر عن حكايات نهاية العالم في الثقافات المختلفة.

المترجم هو الوجه الآخر للعملة الأدبية المتداولة في فضاء الإبداع العالمي
back to top