قوة بوتين تفقد بعض بريقها في روسيا

نشر في 03-07-2017
آخر تحديث 03-07-2017 | 00:06
 ستراتفور . رغم استعراض القوى الحازم والساحر، بدأت علامات الشيخوخة تظهر على حكومة بوتين. تواجه روسيا حركة احتجاج خطيرة ضد نظام بوتين، ورد الرئيس الروسي بعملية قمع قاسية وإطلالات علنية ساحرة، وهكذا تكون الرسالة التي يوجهها الكرملين واضحة: بوتين قائد قوي ورجل الشعب، لكن هذه الرسالة بدأت تبهت، وربما تلوح المساءلة في الأفق.

اصطدمت عودة روسيا إلى المسرح العالمي بصد قوي من الغرب والكثير من دول الاتحاد السوفياتي السابق. رد الغرب بالتدخل في روسيا، فانتشرت الانتفاضات والصراعات في أوكرانيا، وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، وعزز حلف شمال الأطلسي قواته في المناطق المحازية للحدود معها. دفع كل هذا الكرملين إلى نشر عدد من الرسائل الوطنية والقومية، حاشداً الشعب الروسي وراء بوتين، الذي ظهر بصورة المدافع عن الوطن الأم، وبلغت هذه الموجة القومية ذروتها باقتطاع القرم من أوكرانيا وضمها إلى روسيا.

لكن هذه الرواية بدأت تتداعى اليوم مع مواجهة بوتين والكرملين أزمات كثيرة.

تبدل في الأجيال

خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية السابقة في عهد بوتين، خض الكرملين البلد على تذكّر معمعة تسعينيات القرن الماضي خلال زمن يلتسين (احتمال يخشاه الروس) ورؤية أن الأزمة الأخيرة ليست بهذا السوء، لكن هذه الرسالة فقدت فاعليتها على الأرجح لأن روسيا شهدت تبدلاً في الأجيال، وُلد نحو ربع الروس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن بدأوا مرحلة المراهقة أو صاروا في مستهل عشرينياتهم لم يعرفوا سوى بوتين قائداً، لذلك بدأت ذكريات فوضى التسعينيات وفكرة أن بوتين المنقذ تضمحل.

صحيح أن الجيل الجديد يعتبر هذه الرواية القديمة فارغة من المعنى، إلا أن معظم هؤلاء الشبان لا يعارضون بوتين ولا يتحلون بليبرالية ثائرة، إلا أنهم يريدون نظاماً سياسياً تفاعلياً أكثر تنوعاً. استغل زعيم المعارضة ألكسي نافالني هذه الحركة الشبابية الناشئة المستاءة، مقدماً رسالة مناهضة للفساد: قضية شاملة تجمع إصلاح البنى السياسية، وتطهير الحكومة، وتقديم الدعم الاقتصادي، ومنح النظام الانتخابي الشرعية. يسعى نافالني إلى بناء برنامج يستخدمه في حشد الجيل الجديد الذي انضم بعشرات الآلاف إلى تظاهرات الثاني عشر من يونيو في نحو 150 مدينة. كان غالبية المتظاهرين من الشبان الذين حركتهم مواقع التواصل الاجتماعي، التي يعمل الكرملين جاهداً لضبطها.

يواصل بوتين دفع الحكومة الروسية نحو نموذج مستبد بالكامل، معتمداً على قوته الشخصية، فأنشأ على سبيل المثال حرسه الخاص المؤلف من نحو 400 ألف عنصر من الموالين له بشدة، ولا يمتثل هذا الحرس إلا لأوامر الرئيس الروسي. كذلك سن مجلس الدوما قوانين صارمة تصنّف المنشقين "إرهابيين" وتفرض قيوداً متشددة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الأخرى. كذلك حجّم بوتين بعض أعضاء النخبة الأكثر نفوذاً في الكرملين، واعتُقل نحو ألف شخص خلال التظاهرات الأخيرة في موسكو وسانت بطرسبرغ. علاوة على ذلك لا تتراجع روسيا عن مواجهتها المتأزمة مع الغرب.

في أعقاب المنتدى الاقتصادي الأكبر في روسيا، الذي أُقيم في سانت بطرسبرغ في مطلع شهر يونيو، خص بوتين ميغين كيلي من شبكة NBC بإحدى مقابلاته التلفزيونية النادرة، وظن كثيرون أن بوتين بدا خلال هذه المقابلة ساحراً، فيما راح يعرض الأسباب التي تُظهر أن روسيا ليست الشرير، كما تصورها الصحف الأميركية.

التاريخ يعيد نفسه

بموازنة رسالته كقائد قوي مع رواية منفتحة وساحرة، يهدف بوتين إلى إطالة عهده وسيطرته على البلد، فهو ليس مستعداً للتخلي عن السلطة في المستقبل القريب، ولا تلوح في الأفق أي خطط لإعداد خلف، لكن هذه الرسائل المزدوجة تتيح أيضاً للكرملين هامشاً يسمح له بتغيير تكتيكاته عند الحاجة، ولا شك أن الكرملين يدرك التحديات التي تنشأ من حوله: تبدّل الأجيال، وتنامي حركة الاحتجاج، وصراعات بين أعضاء النخبة في الكرملين، وركود الاقتصاد، والضغط الغربي.

واجهت روسيا مشاكل مماثلة في عام 1905 خلال عهد القيصر نيقولا الثاني وبين عامَي 1964 و1982 خلال عهد الأمين العام ليونيد بريجنيف. كانت كلتا هاتين الحكومتين تمسك بزمام السلطة طوال عقد قبل الأزمة، متأرجحتين بين القمع وتقديم التنازلات، ولكن في كلتا الحالتين، ما عاد أمام الكرملين أي خيار، فاضطر إلى إجراء إصلاحات كسرت النظام. في الوقت الراهن، لم تبلغ هذه التحديات بعد الحد الذي قد يكسر حكم بوتين، إلا أن العاصفة تلوح في الأفق.

back to top