الأعمال الكوميدية على الشاشات المصرية... بين السخرية والتجريح

نشر في 29-06-2017
آخر تحديث 29-06-2017 | 00:00
أثارت أعمال كوميدية عرضتها الشاشات المصرية أخيراً حالة من الجدل والاستياء نظراً إلى السخرية فيها التي وصلت إلى حدّ التجريح، وذلك يدفعنا إلى السؤال حول الخط الفاصل بين السخرية والكوميديا من جهة، والتجريح وترسيخ التمييز من جهة أخرى؟
يرى الناقد رامي عبد الرازق أن السخرية من الأشكال والأجساد والخلفيات الثقافية والعرقية موجودة في الأعمال الكوميدية منذ زمن، ليس في مصر فحسب بل في العالم كله، مدللاً على قوله بالثنائي لوريل وهاردي. و«لكن الأزمة تكمن في المبالغة وعدم احترام الخط الفاصل بين الكوميديا بمفهومها الراقي والإهانة، والتركيز على السخرية من المظهر إلى حدّ إهانة النموذج الريفي مثلاً أو الشخص البدين من خلال إفيهات بعيدة عن الفن».

يتابع: «يركِّز الكتاب على الإفيهات متناسين أية اعتبارات أخرى، خصوصاً إن كانت تحمل معنيين وليست مهينة بشكل مباشر»، مؤكداً أنه يمكن توظيف شكل الممثل من دون إهانته ككوميديا الفنان أحمد حلمي.

ويتوقّع الناقد أن التخلّص من أشكال الإهانة التي تحملها الأعمال الكوميديا سيتحقّق على مدار زمني طويل، وليس مع كتّاب اليوم، لا سيما أنهم لا يدركون حجم الضرر النفسي والمجتمعي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وصياغة الإيفهات في كوميكس وفيديوهات أصبحت جزءاً من السياق المجتمعي.

وترى الناقدة ماجدة خيرالله أن الكوميديا تعتمد منذ القدم على السخرية من الرجل الريفي والمرأة البدينة، موضحة أن ثمة أعمالاً تعرّضت للهجوم لأنها لا تتضمن حبكة درامية وتفيض بالتسخيف، فضلاً عن قلة حيلة السيناريو في ابتكار مواقف كوميدية كما في «في اللالا لاند» الذي استاء منه الجمهور».

تتابع: «العام الماضي، لم يحتج الجمهور على طريقة السخرية من الفتاة الشعبية التي ظهرت في «نيللي وشيريهان» بل نجح المسلسل واستمتع الجمهور به، لأن الشخصية التي تناولها موجودة في المجتمع وتصرفاتها تكون أقل تحضراً وخارج السياق. وقد اعتاد كثيرون للأسف الضحك على أصحاب الوزن الثقيل والصعايدة والفلاحين الذين تصنع عنهم النكات»، مشيرة إلى أن بعض الممثلين يعتمد في تمثيله على وزنه ولا يشعر بغضاضة من هذا الأمر كشيماء ودينا محسن.

خرق أخلاقي

رئيس لجنة الإعلام والثقافة في المجلس القومي لحقوق الإنسان جمال فهمي، يقول إن للدراما التلفزيونية معايير شديدة الحساسية كونها موجهة إلى جمهور عام، ما يفرض على صانعيها الالتزام الشديد بمعايير حقوق الإنسان وعدم ترك أية مساحة تمر منها شبهة التمييز، سواء ضد أنواع أو طبقات معينة من الناس.

ويصف فهمي السخرية من شكل البشر «بالخرق الأخلاقي الكبير»، مشيراً إلى أن اللجنة تعد تقييماً للأعمال الدرامية الرمضانية من خلال لجنة من الخبراء في النقد، وتصنفها وفقاً لمراعاة حقوق الإنسان وتكريم المجلس لأفضل الأعمال بعد رمضان.

ويحذر أستاذ الطب النفسي جمال فرويز من تأثر المجتمع، خصوصاً الأطفال، بعبارات السخرية من أصحاب الوزن الثقيل أو الريفيين التي تقلل الكرامة، مشيراً إلى أن أثر «إفيهات» المسلسلات ينتشر على نطاق واسع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف وعي الأطفال يتشكّل في فترة الطفولة والمراهقة، وعندما يستمعون إلى هذه النوعية من السخرية ستترسخ في داخلهم حتماً. من ثم، سيرددون عبارات السخرية نفسها في حضور شخص بدين أو ريفي أو ذي بشرة سمراء...».

ويشيد أستاذ الطب النفسي بكوميديا نجيب الريحاني قديماً وأحمد حلمي راهناً، قائلاً: «الكوميديا هي إضحاك الناس من دون السخرية منهم. مثلاً، أفلام أحمد حلمي قادرة على إضحاكنا من دون تجريح بأحد أو استخدام ألفاظ خارجة. ولكن للأسف أصبح الشغل الشاغل لصانعي الدراما الإعلان وليس الإعلام، والفارق بينهما كبير فالإعلام هدفه التسلية وإمتاع الجمهور وتقديم المعرفة، أما الإعلان فتجارة، حتى لو تبعها تدمير وعي أجيال».

السيناريست ميشيل نبيل يرى أن نوعية الكوميديا التي تعتمد على السخرية من الوزن أو الشكل انتهت بانتهاء مسرح الفنان محمد نجم، رافضاً السخرية من أي فئة في المجتمع، ويؤكد في الوقت نفسه إباحة النقد الاجتماعي لفئة معينة، مع تحديد قواعد محددة بالنسبة إلى الأطفال عند مشاهدة هذا النوع من المحتوى بسبب التقليد.

ويرى السيناريست أن ثمة ممثلين تحرروا من قالب الوزن الثقيل مثل الراحل علاء ولي الدين الذي لم يستسلم لفكرة الاعتماد على وزنه خلال أعماله، وقدَّم كوميديا مختلفة قائمة على موهبته، وطبيعة الشخصية التي يجسدها.

مصطفى صقر

مؤلف «في اللالا لاند» مصطفى صقر يقول في تصريح لـ «الجريدة»: «أنا من أصحاب الوزن الثقيل ولي أصول ريفية»، رافضاً التعليق على الجدل الدائر حول تأثير مسلسله واتهامه بترسيخ التمييز ضد فئات المجتمع.

النقاد أجمعوا على أن أحمد حلمي يوظّف شكل الممثل في الإضحاك من دون إهانة أحد
back to top