«إعلانات التبرعات» في مصر... بين التسوّل والضرورة

نشر في 26-06-2017
آخر تحديث 26-06-2017 | 00:00
تفيض الشاشات المصرية بإعلانات التبرع، وهي تضاعفت طبعاً خلال شهر رمضان الفائت، وكلها لجهات عدة على رأسها المستشفيات والجمعيات الخيرية. واستعان كثير منها بمشاهير، على رأسهم دلال عبد العزيز وعمرو سعد وأحمد شيبة ونيكول سابا، لحثّ المشاهدين على التبرع من أجل المحتاجين في القُرى والمناطق الفقيرة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هل هذه الإعلانات، خصوصاً التي شارك فيها أطفال، تترك آثاراً سلبية لدى المشاهدين؟ بتعبير أدق، هل تصيبهم بحالة من الاكتئاب، خصوصاً مع ضغوط الحياة؟
يرى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن إعلانات التبرعات التي تحاول أن تجعل على رأس الإعلان شخصية مشهورة ومحبوبة، تتاجر بالعواطف والظروف التي يعيشها الفقراء أو المرضى، كذلك تجعل المشاهد يتشتت بين واجبه في التصدّق والزكاة وبين الدور المفترض على الدولة القيام به من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين الذين يظهرون فيها بشكل شديد البؤس.

كان لظهور الأطفال في الإعلانات نصيب كبير هذا العام. في هذا السياق، قالت د. سهير لطفي، وهي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن هذه النوعية من الإعلانات للأسف بدأت خلال السنوات القليلة الماضية وتستمر على مدار العام، وتظهر بقوة خلال شهر رمضان لحث الناس على فعل الخير، مستغلةً ارتفاع نسبة المشاهدة التلفزيونية بشكل مكثف.

وأضافت سهير لـ «الجريدة»: «لتلك الحملات الإعلانية طابع تسولي، يحاول استعطاف مشاعر المشاهد لإجباره بشكل أو بآخر على التبرع، من ثم جذب ملايين الجنيهات من المتبرعين، ذلك من خلال رسالة إعلانية تجتهد في تقديم نموذج يكون الأحق والأجدر بتبرعات المشاهدين».

كذلك أشارت د. عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث، إلى أن لاستغلال الأطفال في إعلانات التبرعات بعداً نفسياً شديداً ومؤثراً، لأن الطفل يجذب تعاطف المشاهدين، مشيرة إلى أن هذه الإعلانات ليست مضرة، خصوصاً أنها تأتي في توقيت مثالي من حيث نسبة المشاهدة ورغبة المتفرج في تقديم الصدقات والزكاة، ولكن لا بد من وضع ضوابط لأية حملة إعلانية تستهدف التبرع لضمان أحقية المؤسسات الخيرية.

طابع تسولي

بدورها، رأت د. ليلى عبد المجيد، أستاذة الصحافة والإعلام في جامعة القاهرة، أن تلك الحملات الإعلانية تحمل طابعاً تسولياً وليست إلا محاولة لاستغلال المشاهد طوال شهر رمضان، إذ تتزايد بشكل ملحوظ.

وأضافت لـ «الجريدة»: «إعلانات كثيرة تنتهك حقوق الإنسان لما تعرضه من مرضى وفقراء لتحثّ الناس على التبرع من أجلهم بشكل أقرب إلى التسول، ما يعد استغلالاً واضحاً لهم، حتى وإن كان الهدف تحسين ظروفهم الحياتية أو الصحية»، مؤكدة أنه في حال وضع ضوابط إعلامية ستتوقف العشرات من تلك الإعلانات.

وقالت الناقدة ماجدة موريس إن ثمة مبالغة بشكل ملحوظ في تلك النوعية من الإعلانات، خصوصاً مع استمرارها طوال العام، مستغلةً فقر المواطنين واحتياجاتهم بالتسول العلني.

وأشارت ماجدة لـ «الجريدة» إلى أن المشاهد يبقى أمام خريطة مختلفة من الإعلانات الخاصة بالتبرع. وتابعت: «صحيح أن جزءاً كبيراً منها يسعى إلى استعطاف المشاهد، ولكن هذا العام اتسمت تلك الإعلانات ببعض الرقي في احترام المواطن الفقير أو المريض، وقدمته بصورة أشبه بقصة قصيرة من دون استفزاز عاطفي».

أبعاد نفسية

عن الأبعاد النفسية لتلك الحملات، تحديداً الخاصة بالأطفال، سواء كانوا مشاركين في الإعلان أو مشاهدين، تقول أستاذة علم النفس في جامعة الأزهر هناء شهبة إن غالبية الأطفال الذين يُستعان بهم في الإعلانات يكونون أصحاب تجارب حقيقية، خصوصاً المرضى منهم، ما يجعل الطفل لا يدرك بوضوح ما يقوم به، لافتة إلى أن تلك الإعلانات تؤثر من دون شك في نفسية الطفل ولو فترة زمنية محدودة.

back to top