عبد الفتاح القصري... حزين أضحك الملايين (9 - 11)

«معلش يا زهر»!

نشر في 24-06-2017
آخر تحديث 24-06-2017 | 00:03
قرّر عبد الفتاح القصري أن يعمل بكل ما لديه من قوة كي يوفر المال اللازم ليضمن لنفسه ولأسرته حياة كريمة، وفي المستوى نفسه الذي كانت تعيش فيه في ظل الوالد. لذا عاد إلى فرقة الريحاني وشارك في مسرحية «ثلاثين يوم في السجن» التي اقتبسها الريحاني عن مسرحيَّة فرنسيَّة بِعنوان «عُشرون يوماً في الظل»، في دور «المعلم جلجل أبو شفتورة»، ثم مسرحية «ياما كان في نفسي» في دور «تاجر روبابيكيا»، وقدّم بعدها إحدى أهم المسرحيات بعنوان «حسن ومرقص وكوهين».
في «حسن ومرقص وكوهين»، قدّم نجيب الريحاني دور «عباس أفندي»، والقصري دور «حسن»، وعباس فارس دور «مرقص»، وستيفان روستي دور «كوهين. تؤكد المسرحية أن الفوارق بين الأديان تتلاشى أمام سطوة المال، وحقّقت نجاحاً كبيراً، وشعبية ضخمة. حتى إنها ظلت تقدم على مسرح دار الأوبرا الملكية أكثر من ثلاثة أشهر.

كذلك استمر القصري في تقديم أفلامة السينمائية، فجسد شخصية المعلم سيد تاجر السلع الغذائية في فيلم «السوق السوداء» الذي يتشارك مع المعلم «أبي محمود» (زكي رستم) لاستغلال حالة الحرب.

دخل القصري في مباراة في التمثيل مع زكي رستم، فانتزعا إعجاب الجمهور وصانعي السينما، ما جعل المخرج كمال سليم يستعين بالقصري في فيلم «ليلة الجمعة» من تأليفه وإخراجه، وحوار بديع خيري، مع كل من تحية كاريوكا، وأنور وجدي، وإبراهيم حمودة، وبشارة واكيم، وإسماعيل ياسين، وأميرة أمير، ومحمد عبد المطلب، وماري منيب، وثريا حلمي.

استغل المخرج كمال سليم نجاح القصري وبقية أبطال الفيلم وشهرتهم، ليقدمهم في الفيلم بأسمائهم الحقيقية، في مغامرة كوميدية طريفة. وقدّم القصري لاحقاً فيلم «أحب البلدي»، قصة وسيناريو حسين فوزي وإخراجه، وحوار أبو السعود الإبياري، وبطولة كل من تحية كاريوكا، وأنور وجدي، ومحمود المليجي، ومحمد عبد القدوس، وزوزو شكيب. ثم استعان به المخرج أحمد كامل مرسي في فيلم «الجنس اللطيف»، قصة أبو السعود الإبياري وحواره، وسيناريو نيازي مصطفى، مع كل من مديحة يسري، ومحمد أمين، وسامية جمال، وإلهام حسين، وعبد السلام النابلسي، وعباس فارس، وبشارة واكيم، وماري منيب. كذلك أسند إليه المخرج أحمد جلال دور «المعلم حنفي» في فيلم من قصته بعنوان «أميرة الأحلام»، سيناريو عباس كامل وحواره، إلى جانب كل من نور الهدي، ومحسن سرحان، وفؤاد شفيق، ورياض القصبجي، والطفل نادر جلال.

شعر عبد الفتاح القصري بأن الدنيا تفتح ذراعيها له، إذ راحت العروض تنهال عليه من المخرجين والمنتجين للعمل في أفلامهم، بل إن النجوم أنفسهم صاروا يطلبونه لمشاركتهم أفلامهم، ما انعكس على حالته المادية بشكل كبير، وعلى كل من حوله، سواء والدته أو شقيقيه، فضلاً عن زوجته. غير أنه اكتشف فجأة أن كل هذا لا يعوضه عن أن يكون له طفل يحمل اسمه ويرث كل ما أصبح لديه من ثروة، خصوصاً بعدما أكّد له الأطباء عدم وجود أي سبب يمنعه من ذلك.

كان قلبه يخفق كلما رأى طفلاً، ويتذكر قول والده له إنه يريد أن يرى حفيداً له يحمل اسم العائلة، خصوصاً أن عبد الفتاح كان أصبح على مشارف الخمسين من عمره، فبات هذا الأمر يؤرقه في الليل والنهار، وقرّر أن ينشغل بشكل أكبر في عمله كي لا يضطر إلى التفكير في هذا الموضوع.

في مطلع عام 1946، أسند المخرج أحمد بدرخان إلى القصري دور «صاحب لوكاندة الانشراح» في فيلم «مجد ودموع»، قصة يوسف جوهر وحواره، إلى جانب كل من محمد فوزي، وبشارة واكيم، وزوزو ماضي، وحسن فايق، ومحمد الديب، وأمينة شريف. قدّم بعده «الخمسة جنيه»، قصة السيد زيادة وحواره، وسيناريو حسن حلمي وإخراجه، مع كل من محسن سرحان، وزوزو نبيل، وكارم محمود، ووداد حمدي، وسعيد خليل، ونجوى سالم, ثم شارك في «الدنيا بخير»، من تأليف محمد عبد الجواد وإخراجه، مع كل من أميرة أمير، وإبراهيم حمودة، وفؤاد شفيق، ومحمود شكوكو، وزينات صدقي، وفردوس محمد. غير أنه قبل أن ينتهي من تصويره، فوجئ بمهندس المناظر ولي الدين سامح، والفنان نجيب الريحاني يطلبان مقابلته بإلحاح.

قرّر مهندس المناظر ولي الدين سامح أن يخوض تجربة الإخراج، وشجعه على ذلك نجيب الريحاني، الذي تحمس لرؤيته جداً، فكتب له بالمشاركة مع صديقه بديع خيري فيلم «لعبة الست»، واتفق الثلاثة على إسناد دور «إبراهيم نفخو» إلى عبد الفتاح القصري، إلى جانب الريحاني، وتحية كاريوكا، وسليمان بك نجيب، وماري منيب، وبشارة واكيم، وحسن فايق، ولأول مرة المطرب عزيز عثمان.

نجح الفيلم، وبرع عبد الفتاح القصري في دوره، محققاً نقلة نوعية كبيرة في مشواره الفني، وراحت تنهال عليه العروض مجدداً. ما إن عرض «لعبة الست» حتى بدأ بتصوير «عودة طاقية الإخفاء» الذي شارك في تأليفه كل من محمود ذو الفقار، وزوجته عزيزة أمير، والمخرج عباس كامل، والكاتب أبو السعود الإبياري، وأخرجه محمد عبد الجواد، وأدّى بطولته كل من محمود إسماعيل، وبشارة واكيم، ومحمد الكحلاوي، وهاجر حمدي. وقبل أن ينتهي العام، شارك أيضاً في بطولة «يوم في العالي»، قصة وسيناريو حسين فوزي وإخراجه، وحوار بديع خيري، مع كل من محمد الكحلاوي، وحورية محمد، وعلي الكسار، وحسن فايق، ومحمود شكوكو، وماري منيب.

في مطلع عام 1947، عرضت عليه المشاركة في أربعة أفلام، بدأها بفيلمين مع المخرج عباس كامل، الأول بعنوان «عروس البحر» إلى جانب محمد فوزي، وعقيلة راتب، وهاجر حمدي، وإسماعيل ياسين، ومحمود المليجي، وبشارة واكيم. ومنحه عباس كامل في التجربة الثانية أول بطولة مشتركة له، إذ تقاسم البطولة مع الراقصة هاجر حمدي في فيلم «بنت المعلم». قام بدور المعلم، صاحب المقهى الذي يعرف طريق النساء والملاهي الليلية، ما يهدّد كيان أسرته، فتحاول ابنته إعادته إلى حضن العائلة. شاركهما في الفيلم كل من إسماعيل ياسين، ومحمود شكوكو، وحسن فايق، وماري منيب، وسعاد مكاوي، وعزيز عثمان.

منذ عام 1937، بعدما أحدث فيلم «ليلى البدوية» مشكلة كبيرة من رقابة وزارة الداخلية، توقفت الفنانة بهيجة حافظ طيلة السنوت العشر اللاحقة عن التمثيل والإنتاج، حتى قررت أن تعود بقصة «زهرة السوق»، كتب السيناريو والحوار إبراهيم حسين العقاد، وأسندت إخراجه إلى حسين فوزي، الذي لم يقلّ حماسة عن شقيقه المخرج عباس كامل للفنان عبد الفتاح القصري، فأسند إليه البطولة بمشاركة كل من الفنان عبد العزيز خليل، وعلوية جميل، ومحمود رضا، والمطرب اللبناني وديع الصافي. ورغم أن الفيلم ضمّ مجموعة كبيرة من النجوم والوجوه الجديدة، فإنه لم ينجح، وكان سبباً في إشهار إفلاس بهيجة حافظ، جراء دين قدره أربعمئة وخمسين جنيهاً، فيما كان لديها رصيد لدى شركات توزيع الأفلام يقدر بتسعة عشر ألف جنيه، وكانت هذه الصدمة نهاية مؤلمة لقصة كفاح رائدة من رائدات السينما المصرية جعلتها تتوقف نهائياً عن الإنتاج السينمائي.

نجاح وألم

قبل نهاية عام 1947، وخلال ديسمبر، تحققت لعبد الفتاح القصري إحدى أمنياته، وحلم قديم لوالده. كان الأخير تمنى أن يرى الآنسة أم كلثوم ويصافحها، فحقق ابنه الأمنية، ليس برؤيتها ومصافحتها فحسب، بل والجلوس معها ساعات طويلة، فهي كانت تطلبه إلى غرفتها في أستوديو مصر ليتحدثا، فكانت تستمع إليه وتضحك، خلال فترات الاستراحة من تصوير فيلم «فاطمة»، الذي تولى تأليفه مصطفى بك أمين، والحوار بديع خيري، والإخراج أحمد بدرخان، وشارك في بطولته كل من أنور وجدي، وسليمان نجيب، وزوزو شكيب، وفردوس محمد، ومحمد كمال المصري، وكان آخر فيلم للسيدة أم كلثوم، فهي أعلنت بعده اعتزال السينما رغم النجاح الكبير الذي حققه.

لم تستطع هذه النجاحات كافة أن تنسي عبد الفتاح ألمه الذي كان يؤرق حياته، فهو أكمل عامه الخمسين وليس له ولد بعد. في الوقت نفسه، لم يرد أن يطلق زوجته، أو يتزوج بأخرى، فهو يحبها بشكل كبير. لذا قرّر أن يتبنى طفلاً من أحد ملاجئ الأيتام، ليملأ عليه حياته. عندها، اتفق مع زوجته، التي وافقت على مضض بعد إلحاحه المتكرر، لعدم رغبتها في هذا الأمر. غير أنها تعمدت المماطلة، فكانت كلما طلب منها الذهاب معه إلى الملجأ لتبني الطفل تخرج بسبب يمنعها من ذلك، حتى ملّ الأمر وبدأ ينساه ولم يعد يطالبها بذلك.

ورغم النجاح الذي حقّقه عبد الفتاح في السينما وانشغاله بها، فإنها لم تنسه المسرح. وكان الأخير ابتعد عنه قليلاً، بعدما قرر نجيب الريحاني تركه بشكل مؤقت، بسبب حالته الصحية، وانشغل أيضاً بالسينما. عندئذ، لم يكن أمام عبد الفتاح سوى قبول كل ما يعرض عليه من أعمال، حتى لو لم تكن مناسبة لاسمه وتاريخه، وحتى لو طلب منه أحد المخرجين أن يظهر في مشهد واحد. كان لا يتردّد في القبول لأنه لم يستطع الجلوس بلا عمل حباً في السينما، بغض النظر عن حجم دوره. من ثم، شارك في «أحب الرقص» من تأليف حسين حلمي وإخراجه، إلى جانب كل من محمد أمين، وتحية كاريوكا. كذلك ظهر في «الصيت ولا الغنى»، من تأليف حسن الإمام وإخراجه، إلى جانب كل من محمد عبد المطلب، ونرجس شوقي، وهاجر حمدي، وزوزو حمدي الحكيم، وماري منيب، وإسماعيل ياسين، وشكوكو، وعلي الكسار. ولا ننسى فيلم «طلاق سعاد هانم»، من تأليف وإخراج أنور وجدي وبطولته، سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وشارك في البطولة كل من عقيلة راتب، ومحمود شكوكو، وبشارة واكيم، وفريد شوقي. كذلك شارك في فيلم «كلام الناس»، من تأليف حسن حلمي وإخراجه، مع كل من شادية، وإبراهيم حمودة، وعبد العزيز محمود.

لم يكن عام 1949 أقل من سابقه بعدد الأفلام، بل زاد طلب المخرجين والمنتجين على

عبد الفتاح، فتعاقد على خمسة أفلام، كان من نصيب المخرج عباس كامل منها فيلمان، الأول بعنوان «حدوة الحصان» شارك في بطولته إلى جانب سعاد مكاوي، ومحمود شكوكو، ومعهم كل من محمود المليجي، وإسماعيل ياسين، والثاني بعنوان «منديل الحلو» إلى جانب تحية كاريوكا، وعبد العزيز محمود، وسعاد مكاوي، وإسماعيل ياسين. وقدّم بعدهما «الستات كده»، من تأليف حسن حلمي وإخراجه، سيناريو عبد الفتاح السيد وحواره، مع محمد أمين، وكاميليا، وشكوكو، وفردوس محمد، ومحمد توفيق، ومحمد كمال المصري. لكن قبل أن يبدأ بتصوير فيلمه الرابع خلال هذا العام، فوجئ بخبر رحيل صديق عمره وأستاذه، وأول من قدّمه بشكل حقيقي ومختلف على خشبة المسرح، الفنان نجيب الريحاني.

كان خبر رحيله مفاجأة مفجعة للعاملين في الوسط الفني، والسياسيين والجمهور، فبكاه عبد الفتاح كما لم يبك والده، لإحساسه بفضل هذا الفنان الكبير عليه وعلى مسيرته الفنية، ذلك من خلال ما أسنده إليه من أدوار مسرحية وسينمائية، حفرت اسمه وتاريخه.

كان حزنه كبيراً على رحيل هذا الفنان العملاق، ولم يستطع انخراطه في عمله مجدداً أن يزيح عنه شعوره هذا. شارك في «عقبال البكارى» من تأليف إبراهيم عمارة وإخراجه، وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وبطولة تحية كاريوكا، إلى جانب محمود المليجي، وإسماعيل ياسين، وزينات صدقي. كذلك ظهر في «ليلة العيد»، قصة أنور وجدي، وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج حلمي رفلة، مع كل من شادية، وإسماعيل ياسين، وشكوكو، ولولا صدقي، وزينات صدقي، وإلياس مؤدب، وستيفان روستي، وحسن فايق.

ضعف إنساني

أنهى عبد الفتاح تصوير فيلميه، غير أن حزنه على رحيل صديقه وأستاذه نجيب الريحاني لم يفارق تفكيره، وزاد من حزنه رحيل هذا الفنان العملاق الذي يحمل تاريخاً كبيراً من دون أن يكون له ولد يحمل اسمه بعد رحيله، رغم كل ما يقال عن أن أعمال الفنان هي أولاده، وكل عمل يحمل اسم صاحبه بمنزلة ابن له. عندئذ، عاد هذا الموضوع يلح في رأسه، ليصل إلى النتيجة السابقة نفسها، بأن الحل في أن يكفل طفلاً يتيماً، ويربيه، بل ويعطيه اسمه، واستطاع هذه المرة أن يقنع زوجته بأن يذهبا معاً لاختياره.

في اليوم الذي حدده معها للذهاب إلى «ملجأ أيتام الحلمية» وأثناء عودته إلى بيته، ومروره على «دكان» الحاج «فرحات»، المجاور لبيته لأخذ طلبات البيت كعادته كل ليلة، لفته طفل لم يتعد عمره 12 عاماً، يجلس القرفصاء إلى جوار «الدكان»، فبادر عبد الفتاح الحاج مسعود:

* بسم الله الرحمن الرحيم... مين ده يا عم فرحات؟

= والله ما عارف أقولك إيه يا أستاذ. أهي الدنيا مليانة بلاوي.

* إيه خير... ابن مين ده؟ وقاعد كده ليه والدنيا برد عليه!

= والله علمي علمك يا أستاذ. أخينا ده جالي من تلات أيام... جائعاً لا يعرف أباه ولا أمه... صعب عليا... أعطيته الطعام والهدمة التي عليه دي... وسألت كل أهل الحي... أن حد يعرفه... أبداً!

* وقاعد ليه كده؟

= ماهو أنا قلت أخليه معايا في الدكان... يشيل حاجة يحط حاجة.. وأهو آخر الليل ينام في الدكان طالما مالوش متوا.

* وده كلام يا عم فرحات... ده حمل يشيل ولا يحط... وبعدين دي الدنيا برد أوي... إزاي ينام كده في الدكان؟

= أمر الله يا أستاذ... منهم لله الأبهات والأمهات اللي يعملوا عملتهم ويرموا العيال في الشارع... وبيني وبينك أنا برضه خفت أدخله البيت لتكون إيده طويلة... على الأقل في الدكان أنا بقفل عليه آخر الليل... يعني مش هيعرف يخرج.

* يعني هم يعملوا عملتهم وده اللي يدفع الحساب. وأنت جاي تكمل عليه يا حاج فرحات... تعالَ يا ابني اسمك إيه؟

- اسمي مسعود.

* مسعود!! لا ما هو باين عليك... بأمارة إيه مسعود... اسمع تحب تعيش معايا يا مسعود.

= أسأل عم فرحات.

* مالكش دعوة بعمك فرحات. أنت تحب تيجي تعيش معايا في البيت عندي؟

- آه.

= كلام إيه ده يا أستاذ. تدخله بيتك ويعيش معاك من غير ما تعرف حاجة عنه؟

* أمال نسيبه كده ينام في الدكان زي كلب الحراسة. أنا ما عنديش عيال... وعايش لوحدي أنا والمدام... وأهو يسليها وياخد بحسها. يناولها كباية مية... يجبلها كيس ملح ولا شوية شاي وسكر من عندك.. والبيت كبير يساع أورطة... أقله يلاقي سريراً ينام عليه وفرشاً يتغطى به.

كانت المفاجأة التي لم يتوقعها عبد الفتاح أن زوجته لم ترحب بوجود هذا الطفل منذ اللحظة الأولى التي وضع فيها قدميه في بيتها، فهي وإن كانت وافقت على مضض أن يتبنى عبد الفتاح طفلاً لا يتعدى عمره أشهراً، فإنها لا ترحب بطفل في مرحلة الصبا. فكان هذا الطفل أول نقطة خلاف تثار بين القصري وزوجته، فهما لم يختلفا يوماً على أي أمر. لذا طالبت زوجته بألا يبقى هذا الطفل في البيت يوماً، فيما أصرّ عبد الفتاح على وجوده من الناحية الإنسانية، فقد رق قلبه له، وإن كان بقاؤه في البيت لم يعوضه حرمانه من الإنجاب. لكنه قام بذلك بدافع الإنسانية، فمن الممكن أن يحول الشارع هذا الطفل إلى لص أو مجرم خطير.

غير أن حدة الخلاف وصلت بينه وبين زوجته إلى حد أنها خيرته بين وجودها في البيت، وبين بقاء هذا الطفل فيه. لكن عبد الفتاح لم يأخذ كلامها مأخذ الجد، وظنّ أنها تهدّده كي يعيد هذا الطفل إلى الشارع. لكنها حسمت أمرها، وما إن خرج من البيت بصحبة مسعود ليشتري له ما يلزمه من ملابس وأحذية، حتى حضّرت حقيبة ملابسها وغادرت!

الشاشة الكبيرة

رغم عشق عبد الفتاح القصري للسينما، فإنها كانت تأتي دائماً في المرتبة الثانية بعد المسرح، عشقه الأول. لذا فإنه كان يسعد جداً عندما يبدأ العمل في رواية مسرحية جديدة، ويستعد لها بشكل كبير، فيما كان لا يتردّد في قبول أي دور يسند إليه في السينما. لذا قدّم خلال عام 1943 ثلاثة أفلام، بدأها بـ«من فات قديمه»، من تأليف فريد الجندي وإخراجه، مع كل من محمود إسماعيل، وميمي شكيب، وسامية جمال، وحسن فايق، وماري منيب. ثم تلاه «نداء القلب»، من تأليف عمر جميعي وإخراجه، وبطولة أمينة نور الدين، إلى جانب إبراهيم حمودة، وسميرة خلوصي، وزوزو شكيب، وبشارة واكيم، وإسماعيل ياسين، وزينات صدقي. وفي أكتوبر من العام نفسه، شارك في «نداء ألم»، قصة وبطولة بدر لاما وإخراجه، وسيناريو السيد زيادة وحواره، وشاركه التمثيل كل من روحية خالد، وإسكندر منسي، ودرية أحمد، وإسماعيل ياسين، وفردوس محمد، ومحمد الديب، وثريا حلمي.

بعد ذلك، اختاره المخرج كمال سليم في مطلع عام 1944 ليشارك في بطولة «حنان»، في دور «حسن» المقاول الشريف، قصة وسيناريو كمال سليم وإخراجه، وحوار بديع خيري، من بطولة فتحية أحمد، وتحية كاريوكا، وإبراهيم حمودة، وسراج منير، وبشارة واكيم، وأميرة أمير، وثريا حلمي. ثم قدّم بعده «أما جنان»، من تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج هنري بركات، وإنتاج آسيا وبطولتها، مع كل من منى، وفؤاد شفيق، وإسماعيل ياسين، وحسن فايق، وزينات صدقي، وفردوس محمد.

كذلك عاد كمال سليم واختاره ليشارك في «شهداء الغرام» المأخوذ عن قصة «روميو وجولييت» الشهيرة، سيناريو كمال سليم وإخراجه، وحوار بديع خيري، وبطولة كل من ليلى مراد، وإبراهيم حمودة، وأنور وجدي، وحسن فايق، وبشارة واكيم، ومحمود المليجي، ومختار عثمان، وستيفان روستي، وماري منيب.

كذلك اختاره المخرج كامل التلمساني، قبل نهاية عام 1945، لأحد أهم أدواره في السينما، من خلال فيلم «السوق السوداء» الذي يتناول استغلال أثرياء الحرب الأوضاع غير المستقرة في المجتمع، فيتاجرون في المواد الغذائية والسلع المختلفة، ما يتسبب في انهيار المجتمع. الفيلم قصة وسيناريو كامل التلمساني وإخراجه، وحوار وأغاني بيرم التونسي، وبطولة عقيلة راتب، وعماد حمدي، وزكي رستم، وفردوس حسن، وثريا حلمي، ومحمد كمال المصري، والسيد بدير.

البقية في الحلقة المقبلة

الجمهور رفع عبد الفتاح إلى مصاف كبار النجوم في السينما والمسرح

المخرج عباس كامل قدّم القصري للبطولة المطلقة في «بنت المعلم»

رحيل الريحاني آلم القصري وذكره بضرورة وجود «ابن» يحمل اسمه

كانت المفاجأة التي لم يتوقعها عبد الفتاح أن زوجته لم ترحب بوجود الطفل منذ اللحظة الأولى التي وضع فيها قدميه في بيتها
back to top