القياس على الزعامة الدينية للنبي... خطأ

معارضة الصحابة لأبي بكر دليل على مدنية الحكم

نشر في 22-06-2017
آخر تحديث 22-06-2017 | 00:00
No Image Caption
كما أوضحنا في الحلقتين السابقتين أن الجماعات الأصولية التي تنتشر في الوطن العربي في الوقت الحالي، تعتبر الخلافة أمراً عقدياً، وأن التقصير في القيام بها معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب، رغم أن هناك فارقا كبيرا، وقياسا خاطئا من تلك التنظيمات حينما تساوي بين زعامة النبي (صلى الله عليه وسلم) الدينية وبين زعامة من تولى بعده حكم المسلمين، كمبرر لإضفاء الصبغة الدينية على هؤلاء الحكام.

إحدى المدونات التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي نشرت مبحثاً يحمل اسم "مشروعية الخلافة" قال كاتبه نصاً: "والقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة، فالمسلمون جميعاً آثمون إثماً كبيراً في قعودهم عن إقامة خليفة للمسلمين، فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة".

والمعقول أنه لا توجد بعد النبي زعامة دينية، وما جاء بعده من نظم للحكم ليس متصلاً بالرسالة ولا قائماً على الدين، فهي زعامة سياسية، ويقول كتاب "الإسلام وأصول الحكم": "إذا رأيت كيف تمت البيعة لأبي بكر، واستقام له الأمر تبين لك أنها كانت بيعة سياسية ملكية، عليها كل طوابع الدولة المحدثة، وأنها قامت كما تقوم الحكومات" .

كما أن المعارضة التي وقعت بين الصحابة على اختيار شخص من يتولى أمر المسلمين بعد وفاة النبي يؤكد مدى إدراك الصحابة لطبيعة الأمور، وأن الحدث سياسي ويرتبط بدولة حديثة العهد بالإنشاء، ولا علاقة له بأمر عقدي في الدين، "فحينما كان المسلمون يتآمرون في السقيفة عمّن يولونه أمرهم، وحين قال الأنصار للمهاجرين: "منا أمير ومنكم أمير"، وحين يجيبهم الصديق رضي الله عنه: "منا الأمراء ومنكم الوزراء"، وحين ينادي أبوسفيان: "والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم، يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ علي والعباس، وقال يا أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك، فأبى علي عليه السلام".

الحوار بلا شك يكشف مدى تعامل الصحابة مع الأمر دون اعتباره مرتبطاً بالعقيدة الدينية، وأن اختيارهم للأشخاص كان بناء على انحيازات قبلية، لذلك تجلت مظاهر المعارضة وحتى الخروج على أبوبكر بعد تنصيبه إماماً للمسلمين، مثلما حدث من سعد بن عبادة (رضي الله عنه) إذ رفض إعطاء أبي بكر البيعة.

back to top