خاص

الرميثان لـ الجريدة•: تفوقي في الفيزياء ساهم في استيعابي لهندسة الصوت والأبعاد الصوتية (2-5)

«أحمد باقر اقترح عليّ أن أدرس آلة الكمنجة لأني أجيد العزف على العود»

نشر في 22-06-2017
آخر تحديث 22-06-2017 | 00:05


يقتنص الملحن الأكاديمي الكبير د. عبدالله الرميثان ألحانه اقتناصاً، مستنداً إلى الموهبة الموسيقية التي شهد لها كبار الموسيقيين في الوطن العربي ودراية أكاديمية في أصول علم الموسيقى وتطوراته، إضافة إلى خبرة كبيرة في تقديم قيمة لحنية يقل نظيرها تحمل بصمته الخاصة، فهو لا يدع مجالا للمصادفة أو العفوية تنسج موسيقاه على القصائد، بل يتبع أسلوباً أكاديمياً، كما حدث في أغنية «صادني في غرامه» التي شدا بها الفنان بلبل الخليج نبيل شعيل واستمر نجاحها نحو 20 عاما.

يتسم عمله بالانضباط والنظام، فعملية التلحين لدى الرميثان تمر بمراحل دقيقة قبل ولادة الجمل الموسيقية، فحينما يشرع بقراءة القصيدة المراد تلحينها يدقق على النغم في القافية والإيقاع في الوزن، فإن توافر النغم والإيقاع في الكلمات بحث عن الإبداع في الصور الشعرية والشدو في المعنى، وبذلك تتحقق المرحلة الأولى في قبول النص الشعري، ثم تأتي مرحلة أخرى أكثر دقة وأهمية في صياغة النسيج الموسيقي، فإن كان اللحن يحتاج إلى البحث ينكب قارئا عن الخلفية التاريخية والإرث الموسيقي المشابه، رغبة في تقديم لحن مختلف يمزج بين العراقة والمعاصرة في آن، فينقل المتلقي إلى الأجواء ذاتها من خلال لغة موسيقية راقية وحديثة لا تنقل القديم، كما هو بل تقدمه ضمن قالب متطور. حقق الرميثان نجاحا كبيرا مع أبرز نجوم الغناء في الوطن العربي مدونا عبر سجل توهجه قفزات فنية شكلت علامات بارزة في مشواره، وربما يصف المستمع إلى ألحانه بجملة واحدة «هذا شي غير معقول»، كما غناها محمد المسباح الذي قدم معه أعمالا خالدة.

الرميثان لم يقتصر إبداعه على مستوى الخليج، بل تجاوز حدوده الإقليمية فشدت بألحانه المطربة ميادة الحناوي، وأنغام، وطلال مداح، وعبدالمجيد عبدالله وغيرهم من نجوم الصف الأول، فقد عقد صفقة دائمة مع التفوق الذي لا يقبل غيره، فحصد جوائز متنوعة في عالم الغناء والطرب.

في الحلقة الثانية من حواره مع «الجريدة» يتحدث الرميثان عن محطات مهمة في حياته، وفيما يلي التفاصيل:

* حدثنا عن أول لحن رسمي لك، والذي كان بعنوان "تهل العين".

- هذه الأغنية كانت في 1984 وقدمتها في المعهد العالي للفنون الموسيقية، وسجلتها وحققت نجاحاً كبيراً، لدرجة أن البعض استغرب من الأسلوب الذي اعتمدته في التلحين، وتلقيت إشادة على هذه الأغنية، وشكلت نقلة نوعية في طريقة تلحين هذه الأشكال الشعرية.

وفي هذه الأثناء، عرض علي الموسيقار الراحل أحمد باقر تسجيلي في وزارة الإعلام مطرباً، فأخبرته أني لا أريد أن أدخل هذا المجال، فاستغرب وقال: سأعتمد اسمك ملحناً، فتعذرت، وقلت له: لا أريد، لكن عقب ذلك دخلت المجال، فالراحل أحمد باقر كان يتميز بالذكاء ودقة الملاحظة، ولأنه كان يدرسنا مادة التأليف فقد لاحظ قدرتي على التلحين والابتكار، لذلك اقترح تسجيلي في الإعلام، وكان أيضاً يعرض مؤلفاتي على بقية الزملاء ويشرحها لهم كنموذج، إضافة إلى إجاباتي في حل المشكلات اللحنية والشعرية ممتدحاً طريقتي في تجاوز هذه العقبات وطريقة تعاملي معها بسلاسة لتقديم أعمال محكمة ومنضبطة، وكان يسهب كثيراً في الشرح في كيفية معالجتي لهذه المعضلات، وكان باقر دائما يشيد بأدائي وألحاني وفي إحدى المرات طلب مني أن يأخذ أحد ألحاني بعدما استمع إليه وأعجب به، وطبعاً كانت هي إشادة مغلفة بمزحة، فقال أحد الزملاء أنت صاحب الألحان الشجية المشهورة، ومنها "صدى الماضي"، و"تقول نسيت" تستعين بلحن أحد طلبتك، فرد عليه باقر إنه لحن جميل والصولوهات المعمولة صحيحة... هذا لحن يستحق أن يُطلب، لكن أنا لن آخذه وسأقول لك حقيقة إن جاء الفنان محمد عبدالوهاب واستمع إلى اللحن سيطلبه، لأنه لحن متكامل، لكن أنا أريدكم أن تتآلفوا وتتعاملوا كالأشقاء.

وهذه الحادثة لا تبرح مخيلتي، وهنا أراد باقر أن يشجعني ويدعمني من خلال كلامه لأنه هو موسيقار كبير ويعي جيداً القيمة اللحنية في الأغنية، وربما هذه الإشادة جلبت لي غيرة بعض الزملاء، لذلك حينما شعرت ببعض المضايقات، قررت التوقف عن الدراسة بينما أكمل زملائي تحصيلهم العلمي، وكنت آنذاك أنوي استكمال دراستي في مصر، لكن واجهت عقبة أني توقفت عن الدراسة خلال نصف العام، لذلك لن أتمكن من استكمال دراستي هناك، وعقب فترة، اتصل الموسيقار أحمد باقر وأبلغ والدتي رسالة مفادها أن قسم التأليف في المعهد العالي للفنون الموسيقية ينتظر عودتي، وفترة الغياب سيتدبر أمرها، وحينها كنت منزعجاً كثيرا، فلم أود العودة، لكن وجدت إصراراً من والدتي على العودة، لاسيما أن عميد المعهد العالي للفنون الموسيقية أحمد باقر هو الذي اتصل وطلب عودتي، فنفذت رغبة والدتي وعدت إلى بيتي "المعهد"، وكللت هذه العودة بالنجاح، إذ كنت الأول على الدفعة وحصلت على الدرجات العليا، ولم يخب ظن باقر فيّ، وصدقت توقعاته بتميزي وتألقي. ثم استقال الموسيقار أحمد باقر وعُين الفنان يوسف دوخي عميداً للمعهد، وحينها أوكلت إليّ مهمة وضع أسئلة الاختبارات لتميزي وتفوقي.

* عقب التحاقك بالمدرسة الثانوية في الجهراء، توقفت عن الدارسة، ثم انتسبت إلى المعهد العالي للفنون الموسيقية، لماذا قررت الالتحاق بالمعهد؟

- فعلا، حينما كنت أدرس في ثانوية الجهراء في الصف الثاني الثانوي، أصيبت والدتي بمرض روماتيزم القلب، وكان مرضها صعباً جدا، فقرر الأطباء إرسالها إلى لندن لاستكمال العلاج لإجراء عملية فتح القلب، وكان ذلك في عام 1973 وسافرت مع والدتي آنذاك ومكثنا في لندن نحو عام، لأن الأطباء هناك قرروا استبدال الصمامات، وعقب إتمام العلاج عدنا إلى الكويت، فكان العام الدراسي قد فاتني، لاسيما أني انشغلت بمتابعة شؤون والدتي وأمور البيت، لأني حينما حصلت على رخصة قيادة سيارة واشترت لي أسرتي سيارة، أصبحت أكثر انطلاقا، فهذه الأسباب مجتمعة أنستني استكمال دراستي، لكن في أحد الأيام كنت أشاهد التلفزيون، ورأيت إعلاناً من المعهد العالي للفنون الموسيقية يطلب فيه عددا من الطلاب الجدد، وشدني هذا الإعلان وقررت الذهاب.

* هل كان هناك تقديم لاستقبال الطلاب الجدد؟

- حينئذ خضعت لاختبار القبول، وكان رئيس لجنة الاختبار الموسيقار أحمد باقر، واجتزت الاختبار، وأذكر أنه سألني: هل تجيد العزف على إحدى الآلات الموسيقية؟ فأخبرته أني أعزف على العود واستمع إلى عزفي وأشاد بما سمعه، فأنا كنت عازف عود جيدا في ذلك الوقت، وقد تعلمت العزف عقب أن أهداني خالي عودا، وأذكر أني عزفت أغنية "صوبت قلبي أمينة"، كما خضعت لاختبار على البيانو، وطلب مني باقر الغناء ثم إجراء بعض الأمور كضرب الإيقاع على الطاولة، وأغني بالوقت نفسه، ثم سألني: ما الآلة التي تنوي التخصص بها؟ فقلت له آلة العود، فرد عليّ إنه يفضل أن أتخصص بالكمنجة، لأني أتقن العزف على العود، والدراسة لن تفيدني كثيرا، بعكس دراسة آلة أخرى ستمنحني ثقافة جديدة، وبذلك سأتقن العزف على آلتين العود والكمنجة.

وأنا، بحكم صغر سني، لم أكن أدرك ما كان يدور في خلد الموسيقار أحمد باقر، فقد كان يود أن ينمي قدراتي في التأليف والعزف، وفعلا حدث ذلك فقد انعكس ذلك علي إيجابا على التلحين والتأليف، وقمت بتلحين بعض الأمور التي يعتبرها الآخرون صعبة أو يعجز عن تأليفها، واستطعت أيضا كتابة النوت الموسيقية بسهولة، وقد شهد لي كثيرون بأن كتابتي للنوت سلسة وسهلة جداً، ولا يجد العازف صعوبة في عزفها، وربما هذا ميزني عن غيري، لأني أصبحت أتقن التأليف وكذلك التكنيك التقني، لذلك يدعي البعض أن ألحاني صعبة بينما في الحقيقة أنها أعمال مكتملة، لأنها تمزج بين حس فني رفيع لمؤلف أو ملحن أكاديمي، لذلك من يفتقد هذه الأمور لن يستطيع تقديم ألحان تضاهيها، فأنا دائما أردد أن الفنان يرتقي بذائقة الجمهور، ويجب أن يتجنب المضي في ركب مقولة "الجمهور عاوز كده"، لأن هذه المقولة ستكون نتائجها وخيمة على الذائقة الفنية والمجال الموسيقي.

التربية والتعليم

فيما يتعلق بشغفه بالغناء منذ الصغر، قال الرميثان إنه منذ الصغر كان يجذبه الغناء وخلال في فترة الطفولة كان أهلي يصطحبونني معهم إلى العرضة التي تقام في الجهراء، وكنت أحاول أن أجاريهم بلعب العرضة، وتلمست مدى حماسية العرضة ولاحظت أنها تمجد السلطة وتمتدح الحاكم، فشعرت أن هذا الفن يغرس في النفوس حب الله والوطن والأمير، وكأن هذه الفنون لها دور في التربية والتعليم، وإن صلحت الفنون وقدمت ضمن إطارها الصحيح فإنها ستقدم التوعية لأفراد المجتمع وتنمي حسهم الوطني، وأكاد أجزم بأن للفنون دورا أساسيا في حماية اللحمة الوطنية وصيانتها.

مرتبة الشرف

* حصلت على امتياز مع مرتبة الشرف في المعهد العالي للفنون الموسيقية، حدثنا عن هذه المرحلة.

- أنا كنت متميزا في دراستي، فقد كنت في المرحلة المتوسطة العاشر على مستوى الكويت، وفي المرحلة الثانوية كنت الأول على المدرسة، وحينما درست الثانوية في المعهد الموسيقي كنت أيضا الأول، وكذلك الجامعة الأكاديمية أو ما تسمى بـ "العالي" أيضا حصلت على درجة امتياز مع مرتبة الشرف، واستمر تفوقي في المرحلة اللاحقة بمصر، حينما درست الماجستير فكنت الأول، وحاصل على امتياز مع مرتبة الشرف، وفي شهادة الدكتوراه كنت متفوقاً.

طبقات الصوت

* أمضيت فترة طويلة في الدراسة بالمعهد العالي للفنون الموسيقية؟

- حينما التحقت بالمعهد العالي للفنون الموسيقية، قمت بدراسة المرحلة الثانوية من جديد، كما أن مرحلة مرض والدتي والسفر وانقطاعي عن الدراسة، ثم كان هناك فترة انقطاع أخرى، لذلك ضاعت عليّ بعض السنوات، وتأخرت في التخرج من المعهد العالي للفنون الموسيقية، وحينما كنت أدرس في الثانوية ضمن القسم العلمي، أذكر أن مادة الفيزياء كانت بالنسبة إلي من أحب المواد الدراسية إلى قلبي، وحينما أعدت دراسة الثانوية في المعهد العالي للفنون الموسيقية كنت أحصل على درجة 19 أو 19.5 في الفيزياء، وكانت الدرجة النهائية 20 بينما زملائي كانوا يحصلون على 11 درجة فقط، وربما يستغرب البعض حديثي عن الفيزياء، لكن ما أريد قوله إن الفيزياء هي التي ساهمت في استيعابي لهندسة الصوت والأبعاد الصوتية، إضافة إلى كيفية التعامل مع درجات الموسيقى الصوتية حسب الطبقات، وليس كما كنا ندرس في المعهد، أن هناك طبقات للرجال وأخرى للنساء، ويتم توزيعها، فكانت طبقات الرجال تينور ولابريتون والسوبرانو، لكن الموسيقي الذي يفقه في علم الفيزياء سيترجم هذه الأمور بدقة من خلال العلم، لأن أعلى درجة في العزف على آلة البيانو إلى الأقل، والأقل كلها محسوبة فيزيائياً، لأن كل درجة فيها "هيرت" وعليها تقاس الدرجات الغليظة وكيفية الانتقال من درجة إلى أخرى، فالفيزياء لها علاقة وطيدة بالصوت والتوزيع الأوركسترالي ستكون مساهمة جيدة جداً في هذا المجال.

وأذكر أني حينما كنت أدرس التوزيع الأوركسترالي في المعهد، كنت أحصل على امتياز، وكان أستاذي شعبان أبوالسعد يضع لي النجوم على ورقة الإجابة، فكنت أستفسر عن سبب ذلك، فكان يرد على أنه كان في روسيا، وجاء هنا ليضع النجوم للمتميز، ولأني كنت أعرف جيداً وظيفة كل آلة باللحن، لذلك يأتي اللحن منسجماً ومتناغماً، فلا تكون هناك فوضى في اللحن، ومع الأسف الآن البعض يدعي أنه يقدم ألحاناً أوركسترالية، لكن في حقيقة الأمر لا تستطيع الاستماع إلى مقطوعته بسبب غياب الانسجام والتناغم.

البرازيليون واليابانيون يستمعون إلى ألحانه

حول انتشار ألحانه في الشرق والغرب، قال الرميثان: أعمالي كانت تذاع في البرازيل وفي اليابان، وقد أخبرني أحد الأصدقاء من هواة السفر أنه سمع أغنياتي في البرازيل، وكانت تجد صدى كبيرا لدى المستمعين، أما اليابان فقد شاهدت ذلك بنفسي، فأنا أحب رؤية تصميم الديكورات في الغرف المغلقة للصوت، لأن هذه الأمور ليست منتشرة في بلداننا العربية، بينما تدرس في بعض البلدان الأجنبية، فكنت أستثمر بعض الزيارات إلى أوروبا أو أميركا وآسيا بمتابعة هذه الأمور، ورصدها عن قرب، لأنها ستفيدني في عملي، وحينما أردت الاطلاع على إحدى الغرف المغلقة فوجئت بأن أغنية «صادني في غرامه» للفنان نبيل شعيل هي التي تذاع فاستغربت كثيرا. أولا هم لا يعرفون من أنا، وربما لم يسمعوا باسمي.

ثانيا كانت الزيارة إلى اليابان في 2004 والأغنية قدمت في الثمانينيات.

ثالثا: المصادفة التي دفعتني إلى مشاهدة ذلك بأم عيني.

وأضاف: ومن الأمور الأخرى الجميلة أن أحد الأساتذة في الولايات المتحدة وهو بروفيسور طلب رؤيتي، لأنه سمع أغنياتي عن طريق د. عامر جعفر، ود. راشد حسين، وهما أرادا مني السفر معهما إلى أميركا وأخبراني أنهما سيتكفلان بالمصاريف كافة، لكني رفضت الذهاب لانشغالي وكثرة التزاماتي. ويشير الرميثان إلى تأثير هذه الأغنية في المستمع العربي إذا لم يقتصر نجاحها على الكويت أو دول الخليج، ويسرد الملحن عبدالله الرميثان حكاية علاقة أغنية «صادني في غرامه» وعلاقتها بأغنية كاظم الساهر، «عبرت الشط»، ويوضح ضمن هذا السياق قائلا: حينما كنت في مصر لتسجيل أحد الأعمال في استديو عمار الشريعي في فترة التسعينيات عقب تحرير الكويت، فوجئت بدخول المطرب كاظم الساهر إلى الاستديو، وقال لي: أنا أعرف أن العلاقات بيننا متوترة، لكن أنا حينما عرفت أنك موجود في الاستديو آثرت المجي وتقديم الشكر لك، لأن أغنيتك التي غناها نبيل شعيل «صادني في غرامه» هي التي أوحت لي بأغنية «عبرت الشط».

وتقول كلمات أغنية «صادني في غرامه»

صادني في غرامه غشني في كلامه

حد قلبي وصاده مثل صيد الحمامة

ليته عني درى ليته عني درى

غشني والله غشه دق بابي ودشه

وأخذ قلبي مني واقفى عني يتمشى

بعض الألحان لا تستطيع الاستماع إليها بسبب غياب الانسجام والتناغم

أغنية «تهل العين» أول لحن رسمي لي وحقق نجاحاً كبيراً وتلقيت إشادة من كثيرين

الفنان يجب أن يرتقي بذائقة الجمهور ويرفض مقولة «الجمهور عاوز كده»، لأن نتائجها ستكون وخيمة
back to top