إسرائيل توقعت «ضربة 1973» بعد أيام من يونيو 1967 (5-5)

• مع انتهاء الحرب تخوفت تل أبيب من التسليح الروسي غير المسبوق للقاهرة ودمشق وتوقعت مفاجأة
• رابين كان قلقاً لعدم توجيه ضربة قوية لسلاح البحر المصري وعدم تزود بلاده بمقاتلات جديدة
• ديان اعتبر أن مفتاح المستقبل بيد موسكو وتوقع اتفاقاً أميركياً- روسياً على ضرورة إنهاء الاحتلال

نشر في 10-06-2017
آخر تحديث 10-06-2017 | 00:00
في الذكرى الـ 50 لحرب 1967، بين إسرائيل والدول العربية، التي تُعرف بـ«حرب الأيام الستة»، تنشر «الجريدة» مقتطفات من أرشيف جلسات الحرب التي أفرجت عنها إسرائيل أخيراً، في محاولة لفهم الأجواء قبل وبعد المعركة التي رسمت خريطة المنطقة، وغيرت أولويات الدول العربية بعد هزيمة عسكرية لاتزال آثارها حاضرة في واقعنا العربي إلى يومنا هذا.
في الحلقة الخامسة والأخيرة، تستعرض «الجريدة» أجواء جلسة للحكومة الإسرائيلية في أواخر يونيو، بعد انتهاء الحرب، تعكس القلق الإسرائيلي البالغ من رد عربي، وهو ما سيحصل في 1973 بعد 6 سنوات على «حرب الأيام الستة».
في 28 يونيو 1967، اجتمعت اللجنة الوزارية الأمنية الإسرائيلية بشكل طارئ وخاص، لبحث مسألة تسليح الجيش المصري على يد السوفيات بشكل مكثف وغير مسبوق، وتساءل الوزراء والقادة في الجلسة الاستثنائية عن ماذا يحضر الرئيس المصري جمال عبدالناصر والاتحاد السوفياتي، وإذا ما كانوا يريدون القيام بهجوم مضاد، أم هجوم لرد الاعتبار، بعد خسارتهم "حرب الأيام الستة"، وسط حالة من القلق الكبير.

ناصر لم يقل كلمة أخيرة

افتتح الجلسة وزير التربية، الذي طالب بطرح موضوع تسلح مصر، وقال في هذا السياق: "سمعنا ورأينا أن المصريين يعدون لشيء ما، وأنا أضم ذلك إلى إشارات (رئيس الحكومة السوفياتية اليكسي) كوسيغن خلال خطابه الأخير حول نقل الأسلحة والمقاتلات إلى مصر من موسكو، وما يقوم به المصريون في قناة السويس هذه الأيام مقلق جدا، وعلينا بحث الأمر بصورة عاجلة".

رئيس الحكومة ليفي أشكول تجاوب مع هذا الطلب وأيده، مؤكدا أن "هناك شيئا ما يحدث، والشعور بأن جمال عبدالناصر لم يقل كلمته الأخيرة بعد". وزير الدفاع موشيه ديان طلب من رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون ياريف، أن يوضح للوزراء الأوضاع في مصر والدول الأخرى.

الروس لا يخونون أصدقاءهم

وقال المسؤول الاستخباري، إن "مصر منذ انتهاء الحرب تعمل جاهدة على التسلح بشكل كبير، في اليومين الأخيرين نحن نشاهد ونرصد نقل أسلحة وطائرات سوفياتية من الجزائر إلى مصر بشكل كبير، ومفهوم لنا الموقف الروسي، فالروس لا يخونون أصدقاءهم وحلفاءهم العرب، لأن أصواتا تحدثت عن ذلك خلال الحرب، لكن الروس يثبتون عكس ذلك الآن".

وأضاف: "مصر وسورية بحاجة إلى أسلحة، للدفاع، لتوقف إسرائيل في أي هجوم ممكن، وقد أرسل الروس خلال الأسابيع القليلة 460 طائرة شحن إلى مصر وسورية".

سورية في المرتبة الثانية

وأكد ياريف أن سورية تأتي في المرتبة الثانية بعد مصر بالنسبة للروس، لافتا إلى أن "المصريين تلقوا 50 طائرة حربية، بينها ميغ 17، وميغ 21، ويوشن و60 دبابة"، مضيفا أن "طائرات الشحن السوفياتية وصلت من 9 يونيو إلى 21 يونيو وقبل ثلاثة أيام وصلت 260 طائرة شحن، طارت 40 منها بعد ذلك إلى سورية، وهي محملة بالعتاد والسلاح من كل الأنواع.

وتابع: "تلقت مصر نحو 150 مقاتلة حربية حتى اليوم منذ انتهاء الحرب، إذ لديهم الآن قوة قصف بالطائرات يبلغ 250 مقاتلة، وهذه قوة مهمة وكبيرة، ونعلم أن المصريين طلبوا قاذفات هاون بشكل سريع من عيار 82 ملم، والعدد المطلوب 200 راجمة هاون، وجزء من الأسلحة وصل من الجزائر، لأن الروس ليس لديهم كل شيء في المخازن، ومسألة المسافة مهمة، لذلك طلبوا من الجزائر تزويد مصر، على أن يعوضوهم لاحقا".

وقال ياريف: "نعلم أيضا أن سرب ميغ 21 وصل إلى العراق عن طريق إيران، وليس عن طريق تركيا"، وزاد: "الروس أرسلوا المئات من الخبراء العسكريين إلى مصر وسورية، وحتى رئيس الأركان السوفياتي وصل إلى مصر، وقضى هناك أياما طويلة، ومصر تلقت كل هذا من الروس، من أجل بناء جديد للقوة العسكرية ولسلاح الجو".

وأضاف: "نعتقد أن كل ذلك من أجل العرض العسكري الكببير في 26 يوليو يوم ذكرى الثورة المصرية، وأن يظهر جيش مصري كبير وقوي وعتاد، خلافا لما حصل إبان أيام الحرب، حيث تم تدمير هذا الجيش".

صواريخ

وأشار رئيس الاستخبارات إلى أن "مصر قد تطلق صواريخ، ولا يهمها إذا أصابت أم لا، بل إن المصريين يريدون أن يظهروا أن جاهزيتهم لم تدمر"، متوقعا أن "نرى صواريخ أرض أرض روسية في الاستعراض العسكري".

وكشف ياريف أن "ضباطا مصريين كبارا أسرناهم خلال الحرب قالوا إن صواريخ أرض أرض ستصل إلى مصر حتى نهاية 1967، لكن نحن نعتقد أن الروس قد يبكرون موعد التسليم، لمساعدة ناصر، وهذه الصواريخ يمكنها حمل رؤوس عادية ونووية"، لكنه استبعد تماما أن يزود الروس القاهرة بصواريخ نووية.

تغييرات في الجيش المصري

بعد ذلك، انتقل الوزراء للاستماع إلى اختصاصيين عسكريين من قيادة الأركان في الجيش الإسرائيلي حول ما يحصل من تغييرات في الجيش والقيادة المصرية، ورأوا أن ناصر أطاح كل القادة الذين كانوا مسؤولين عن الهزيمة العسكرية، وعيَّن قادة جددا بدل أولئك الذين قادوا المعارك، وهذا الأمر رأى الإسرائيليون أنه مقلق، لأن القيادات الجديدة بغالبها غير معروفة لهم، ولا يمكن توقع ما يخططون له الآن، وخاصة في قناة السويس.

الوزير يعقوب سابير سأل: هل يمكن لمصر أن تحرك قواتها من جهة في السويس إلى الضفة الثانية؟ فكان الجواب نعم، لكن منعها من ذلك سيكون سهلا جدا على إسرائيل، لأن المصريين بحاجة لعملية عسكرية معقدة للعبور.

تحصين دمشق

وبالنسبة لسورية، كان الوضع مختلفا، وفق ما سمع الوزراء خلال الجلسة، لكن الجيش السوري أيضا بدأ بالتسلح مرة أخرى، بمساعدة من السوفيات، وركزت سورية قوات حول دمشق التي كانت مكشوفة، وبدأت القوات تعيد بناء نفسها.

ورأى رئيس الأركان الإسرائيلي، آنذاك، إسحاق رابين أن الأوضاع اليوم من ناحية سلاح الجو لسورية ومصر أفضل مما كانت عليه قبل وخلال الحرب، لأنهما تلقتا طائرات فورا، وإسرائيل لم تحصل على شيء، وتساءل عن كيفية التصرف في حال قصفت المطارات الإسرائيلية.

مفاجأة عسكرية

الأجواء خلال الجلسة لم تكن تعكس مظاهر الانتصار في الشارع الإسرائيلي، الذي احتفل بشكل كبير، كما أن القيادة العسكرية غير المطلعة على خفايا الأمور كانت هي أيضا في قمة نشوة الانتصار، لكن الوزراء الأمنيين والذين كانوا يعرفون الأسرار العسكرية التي منعت حتى عن أعضاء كثر في الحكومة كانوا يخشون من مفاجأة عسكرية جديدة خلال فترة وجيزة، وحملوا الروس مسؤولية تسليح وتحديث الجيشين المصري والسوري. وحاولت إسرائيل حينها إقناع الولايات المتحدة بمد يد العون، لأن فرنسا أعلنت تزويدها بطائرات ميراج من أنواع مختلفة، لكن التزويد كان بعيدا، واقترح أحد الوزراء التوجه إلى أميركا، للتزود الفوري بالطائرات، الأمر الذي رآه البعض الأخر بعيد المنال في مثل هذه الظروف.

رابين تخوف من البحر

رئيس الأركان إسحاق رابين، قال في الجلسة إن الجيش يشعر بخوف أقل من السابق، مؤكدا أن "العرب وحدهم من دون مساعدة لن يشنوا حربا على إسرائيل، لكن الحذر واجب، وعلى الجيش إعادة ترتيب نفسه من جديد في كل المجالات".

من ناحية أخرى، قال رابين إن "سلاح البحر في الجيش المصري لم يتلق ضربة قوية، وهذا يدعونا للحذر أكثر ربما دمرنا 4-5 غواصات".

ديان وروسيا

وتدخل وزير الدفاع موشيه ديان، قائلا إن "المصريين والسوريين والأردنيين لن يسلموا بطرح الأرض مقابل السلام، لأنهم غير معنيين بالسلام، وما أخشاه هو ما يريده الروس، وليس مصر أو سورية. يمكن أن يتفق الروس والأميركيون على صيغة تضطرنا إلى الانسحاب من الأراضي التي قمنا باحتلالها. إن لم يحدث هذا، فعلينا التفكير والأخذ بالحسبان أن روسيا قد تستعمل القوة ضدنا بيد طيارين روس، فما هو مسموح لأميركا في فيتنام سيكون مسموحا لروسيا في الشرق الأوسط، وأنا لا أعتقد أن رئيس الأركان الروسي يقوم في مصر ببناء القوة المصرية واستخلاص العبر فقط، إنما يعد خطة، وفق رأيي، لطردنا من السويس والجولان".

واقترح ديان "معرفة ما يخطط له الروس، لأن هذا هو المفتاح لمعرفة ما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة، ونحن علينا أن نكون جاهزين لكل السيناريوهات".

بعد الحرب يبدو أن إسرائيل، ورغم نشوة الانتصار كانت واثقة من مفاجأة عربية قادمة، وربما بتخطيط روسي، وأخذت ما يقارب 6 سنوات، أي في أكتوبر 1973، حين فاجأت الجيوش العربية من مصر وسورية إسرائيل بحرب كبَّدتها خسائر فادحة خلال أيامها الأولى، لكن رغم نتائجها منحت العرب شعورا بالنصر، والأهم إعادة الاعتبار العسكري، لأن الاستخبارات الإسرائيلية التي كانت في غاية الدقة خلال حرب 67 لم تستطع التنبؤ بحرب 73.

ويمكن القول إنه بعد 6 سنوات من الآن، وبمرور 50 عاما على حرب 1973، ستفرج إسرائيل عن أرشيف الجلسات السرية التي سبقت الحرب، ويمكن معرفة المسؤول عن نتائجها إسرائيليا، مع أن النقاشات لم تنته منذ ذلك الحين حتى الآن، لكن سرية الوثائق وحجبها يمنع رؤية الصورة بالوضوح الذي بتنا نملكه عن "حرب الأيام الستة".

back to top