4 يونيو1967: إسرائيل منقسمة حول الضربة الاستباقية (1-5)

• الجريدة• تقرأ في أرشيف جلسات حرب الأيام الستة الذي أفرجت عنه تل أبيب في ذكراها الـ 50
• جاهزية عسكرية عالية ومعلومات استخبارية وافية لدى الإسرائيليين... وقلق «دبلوماسي» من موقفي واشنطن وباريس
• موشيه ديان تخوّف من خسائر قد تكبدها القوات الكويتية «المدربة والمسلحة» للجيش الإسرائيلي

نشر في 05-06-2017
آخر تحديث 05-06-2017 | 17:17
في الذكرى الـ 50 لحرب 1967، بين إسرائيل والدول العربية، التي تعرف بحرب الأيام الستة، تنشر «الجريدة» مقتطفات من أرشيف جلسات الحرب التي أفرجت عنها إسرائيل أخيراً، في محاولة لفهم الأجواء قبل وبعد المعركة التي رسمت خريطة المنطقة وغيرت أولويات الدول العربية، بعد هزيمة عسكرية لاتزال آثارها حاضرة في واقعنا العربي إلى يومنا هذا.
في الحلقة الأولى تستعرض «الجريدة» أجواء الحكومة الإسرائيلية في 4 يونيو عشية اندلاع المعارك، حيث انقسمت آنذاك بين دعاة الضربة الاستباقية، وأولئك الذين يفضلون الانتظار في موقف متسق إلى حد ما مع واشنطن وباريس.
في الرابع من يونيو عام 1967، كانت المنطقة تعيش أجواء غير عادية، فالجيوش العربية تجمعت وتكاتفت واتحدت على ضرورة إنهاء القضية الفلسطينية ومحاربة إسرائيل ودحرها واستعادة الأراضي العربية.

الحرب التي اندلعت بعدها بيوم ونتائجها، رسمت خريطة المنطقة إلى يومنا هذا، وفتحت صفحة عربية مؤلمة لم تغلق حتى الآن، وحددت أدوار القوى الإقليمية وكشفت القدرات العربية، وبدلت الأولويات، كما أنها صاغت القضية الفلسطينية كما نعرفها الآن.

وفي الذكرى الخمسين لحرب 1967 أو حرب الأيام الستة، تقرأ «الجريدة» في أرشيف جلسات الحرب التي رفعت الحكومة الإسرائيلية سرية عنها قبل أسبوعين في ذكرى الحرب بالتقويم العبري، محاولة تلمس محطات وأحداث فارقة، والكشف عن صفحات مجهولة.

الطوق حول إسرائيل

وكانت الجيوش العربية اتفقت على الاتحاد على المعركة مع إسرائيل في كل الجبهات بقيادة مصر التي كان على رأسها جمال عبدالناصر. على الجبهة الجنوبية أنهت مصر استعداداتها للحرب وأغلقت مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، فيما اتفق عبدالناصر وملك الأردن الراحل حسين بن طلال على وضع القوات الأردنية تحت قيادة الجيوش المصرية على الجبهة الشرقية، وبادر العاهل الأردني الى إلغاء اتفاقية الطائرات الحربية مع الولايات المتحدة، وأعاد لهم مقاتلتين اثنتين من أصل 4 كانت قد تحطمت اثنتان منها في المعارك.

على الجبهة السورية شمالا، لم يكن المشهد مختلفا، فالسوريون بدأوا بإعداد القوات ورص الصفوف في الجولان وفي أماكن على الحدود اللبنانية، وكانت اليد العليا لهم، نظرا لأن قواتهم كانت في الجبال العالية فوق القوات الإسرائيلية، وبذلك اكتمل طوق الجيوش التي أحاطت بإسرائيل.

إسرائيل في وضع صعب

في الرابع من يونيو عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا موسعا في الثانية عشرة ظهرا، لكن اجتماع المجلس الأمني المصغر في العاشرة صباحا كان الأهم من حيث السرية وطرح الأوضاع، واستعراض المواقف المختلفة. في هذا الاجتماع، قدم رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الميجور جنرال أهرون ياريف سرداً شاملاً للوضع الميداني والأوضاع على مختلف الجبهات، وأكد أن المعلومات التي وصلت من الجبهة المصرية، تتحدث عن تعزيز القوات بشكل كبير في سيناء، وأن اتفاق ناصر - حسين مهم جدا ضدنا، وأن هناك معلومات عن وصول قوات عراقية الى خان يونس وغزة، وقوات كويتية الى العريش في يوم 5 يونيو وقوات جزائرية قريبا الى هناك، وعن تعهدات ليبية وسودانية لدفع قوات الى سيناء.

ولخص رئيس الاستخبارات العسكرية بالقول إن كل الدلائل تشير الى أن ساعة الصفر تقترب، ومصر تحضر لحرب من أكثر من جبهة، مضيفا أنه بالرغم من العلاقات السيئة بين القاهرة ودمشق، فإن السوريين يعملون أيضاً ويحضرون لشيء ما، ووضعهم في الجولان متفوق علينا، ونحن الآن ضمن طوق يزداد اقترابا منا، وحشد قوات تفوقنا بكثير، الوضع صعب جدا والأمور ليست سهلة.

غموض أميركي

أما وزير الخارجية، أبا إيبان، فتحدث خلال الاجتماع عن الجهود الدبلوماسية وآخر التطورات مع واشنطن من جهة ومع فرنسا من الجهة الأخرى، فقال إن الرئيس الأميركي آنذاك ليندون جونسون طلب أسبوعا إضافياً لحل أزمة مضايق تيران، وأن الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول، حذر إسرائيل مثل نظيره الأميركي من أنه يجب ألا تطلق إسرائيل الطلقة الأولى في الحرب، لأن الجميع سيعتبرها البادئة، مضيفا أن الولايات المتحدة تميل إلى إرضاء العرب.

وتوقف المشاركون طويلا حول الموقف الأميركي، حيث قدم سفير إسرائيل الذي استدعي من واشنطن شرحاً عن لقاءاته. وبحسب البروتوكولات، التي تم شطب بعض المقاطع الخاصة بهذا الجزء منها، فإن إسرائيل استغلت موقع يهود أميركيين للتأثير على الرئيس جونسون وعلى الكونغرس، إلا أن الأمر لم ينجح في فهم الموقف الأميركي بالكامل.

وحتى بعد قراءة الرسالة الأخيرة التي أرسلها الرئيس الأميركي خلال الاجتماع، لم يتوصل الإسرائيليون الى فهم دقيق وواضح للموقف الأميركي، وتخوفوا من رد واشنطن على أي حرب تبدأ بها إسرائيل. وفي الوقت نفسه، كان موقف ديغول محيرا للإسرائيليين وحاول الوزير بلا حقيبة آنذاك مناحيم بيغن الذي كان قبل الحرب في صفوف المعارضة، أن يقنع الحكومة بإرسال مبعوث أمني لباريس لإقناع ديغول بضرورة الحرب الاستباقية، إلا أنه عاد وتنازل عن الفكرة.

ديان والضربة الاستباقية

الإسرائيليون حضروا لضربة استباقية، وكان موشيه ديان هو رأس الحربة في الأمر، لأنه عين حينها وزيرا للدفاع، وشرع بالعمل الدؤوب للتحضيرات العسكرية. ديان شرح للحضور الأوضاع وزرع فيهم الخوف من الحرب ومن المفاجأة التي قد يقوم بها ناصر، وقال إن هناك 200 دبابة قرب إيلات وهي جاهزة للانقضاض على المدينة ومع المساعدة من الأردنيين وقوات البادية والكوماندوز المصريين فإنهم سيحتلون إيلات بسهولة، ومن جهة أخرى، أضاف ديان أن الأردنيين بالتنسيق من المصريين يمكنهم إلهاء القوات الإسرائيلية في القدس وإيلام إسرائيل أيضا في الشمال، ونقل المعركة الى الجبهة الداخلية. وصور ديان الوضع بشكل قاتم، مختتما بالقول إنه إذا قام العرب بذلك، إضافة الى قصف المطارات العسكرية، فإن إسرائيل لن تصمد كثيرا، لذلك اقترح توجيه ضربة استباقية وضرب أسلحة الجو المصرية والسورية، وشل القوات الجوية العربية، ثم الانتصار في المعارك الميدانية، نظرا لقدرات الجيش الإسرائيلي حينها.

وشدد ديان على أن الحل ليس انتظار 7 أيام أخرى، كما طلب الرئيس الأميركي أو عدم إطلاق الرصاصة الأولى، كما أراد ديغول، إنما المجازفة بالضربة القاضية قبل العرب، مضيفا تعقيبا على طلب أحد الوزراء افتعال معركة في مضايق تيران لتظهر مصر أنها البادئة بالحرب: إن هذا الأمر غير عملي، مضيفا أن الطوق العسكري المحيط بإسرائيل وإغلاق مضايق تيران هما إعلان حرب، فضلا عن تصريحات الجنرال التويجري قائد القوات المصرية المسلحة في أمر اليوم في 4 يونيو، والذي اعتبره الإسرائيليون إعلان حرب واضحا.

تفويض الجيش

انتهت جلسة الحكومة الأمنية، وانتقل الجميع الى الجلسة الموسعة التي لم تأت بأي جديد، إنما استمع الوزراء الى شرح من رئيس الحكومة ليفي أشكول ووزير الدفاع ديان ووزير الخارجية، وفي نفس اليوم بعد الظهر عقد أشكول اجتماعا أمنياً آخر للحكومة الأمنية المصغرة، وضم اليه عددا آخر من الوزراء من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. واستمع الجميع مرة أخرى الى آخر التطورات وآخر المعلومات الواردة عبر «الموساد» والاستخبارات العسكرية حول التطورات الميدانية للجيوش العربية في الرابع من يونيو. موشيه ديان وليفي أشكول دفعا باتجاه تخويل الجيش الوقت الملائم لبداية المعركة، بحسب الحاجات والتحضيرات الميدانية.

الحرب في أي لحظة

وقال رئيس الاستخبارات العسكرية إن الاتفاق الأردني - المصري ليس عاديا، مضيفا أن قوات عراقية تقدمت الى الأردن، والحديث يدور عن جدول زمني وعملية عسكرية تحت اسم «عملية أيوب»، وأيضا تم استدعاء سرب «ميغ 21» عراقي سيصل بعد قليل الى المفرق بالأردن، إضافة الى كتيبة عراقية - فلسطينية بدأت تتمركز بالمفرق هذا، وقد وصلت قوات كوماندوز مصرية الى الأردن على الحدود، إضافة الى توقع وصول قوات جديدة حتى مساء اليوم، والمعلومات تشير الى أماكن وجودها بدقة، أضف الى ذلك أن الجنرال المصري عبدالمنعم رياض غير مواقع القوات الأردنية المدرعة من أمكان وجودها كقوات داعمة الى مواقع متقدمة، وكل هذا إضافة الى تعزير القوات المصرية والجيوش المساندة من العراق والكويت والجزائر والوعود السودانية والليبية، إن الوضع على شفا الحرب، وقد تندلع في أي لحظة.

ديان والكويت

وبحسب أرشيف جلسات الحرب، فقد أشار وزير الدفاع موشيه ديان خلال هذه الجلسة الى الكويت، قائلا بالحرف: إن «القوات الكويتية لن تأتي من دون أسلحة، هي مدربة جيدا، وقد تؤدي الى خسائر كبيرة لدى قواتنا»، مضيفا أن إضافة قوات من الكويت ومن العراق ستجعل مهمة جنودنا شبه مستحيلة، وعاد ديان واقترح التصويت على الضربة الاستباقية ومفاجأة القوات المصرية والأردنية والسورية في أرضها، وبداية شل أسلحة الجو وأسراب الطائرات المختلفة الرابضة في المطارات.

وقال ديان إنه بحسب المعلومات الاستخبارية، فإن مصادر مصرية وأردنية تتحدث عن الخامس من يونيو موعدا للحرب، مضيفا: لذلك «من المهم أن نحدد نحن الموعد، وأن ندير الحرب لمصلحتنا، ولا ننتظر أن يبادروا الى الطلقة الأولى».

وشهدت الجلسة نقاشا طويلا بين الداعين الى عدم المبادرة الى الحرب وانتظار التحرك العربي، وفي مقدمهم الوزراء المحسوبون على ديفيد بن غوريون الذي كان قد اعتزل السياسة، وبين التيار الذي يقوده ديان الداعي الى الضربة الاستباقية.

وفي الوقت نفسه، تحدث رئيس الحكومة عن أن فرنسا أبلغت إسرائيل بإزالة الإمبارغو عن بيعها أسلحة، الأمر الذي فسره البعض أن باريس قد تساعد إسرائيل في الحرب. وصوت الوزراء على اقتراح ديان ورئيس الحكومة أشكول من جهة، وعلى اقتراح الوزير برزيلاي الذي دعا الى التريث لأسبوع آخر قبل إعلان الحرب، وسقط اقتراح الانتظار بحصوله على صوتين فقط، وحظي اقتراح الحرب على الغالبية العظمى في جلسة وصفت بالحاسمة.

استنتاج

ومن قراءة البروتوكولات والرسائل والبرقيات التي سبقت حرب 1967، يستدل أن إسرائيل من الناحية العسكرية كانت على جاهزية، وأن معلوماتها الاستخبارية كانت دقيقة جدا، ووصلت الى حد امتلاك كل التفاصيل وبرقيات القيادات العربية وأوامر الجنرالات وخطط الحرب وحتى موعدها 5 يونيو.

إلا أنه من الناحية الدبلوماسية، كان وضع إسرائيل غير مريح ومبهم بالنسبة إلى رئيس الحكومة ليفي أشكول ووزير خارجيته أبا إيبان. وخاصت الحكومة الإسرائيلية نقاشا طويلا حول موقف الولايات المتحدة ورسائل الرئيس الأميركي وإشارات مقربيه لإسرائيل التي فهمت بأنها عدم دعم كامل لإسرائيل، ورفض بيعها أسلحة في حال كانت البادئة بالحرب، وهذا ما حصل فعلا.

وشكك الإسرائيليون كثيرا في موقف فرنسا التي حذرتهم من الحرب، وطلبت منهم التريث حتى أن ديغول قال لرئيس الحكومة الإسرائيلي قبل أشهر من الحرب إنه يعمل على تسوية مع جمال عبدالناصر يمكن أن تضطر إسرائيل بحسبها إلى تسليم بعض الأراضي، واستيعاب عدد من اللاجئين مقابل السلام، وتوطين لاجئين في الدول العربية، وهذا يأخذنا بالنهاية الى الحلول المقترحة حاليا بنفس الصيغة.

وقد تخوفت إسرائيل من فرنسا، إلا أن الأخيرة عادت ودعمتها بكل قوة في الحرب التي انتهت بانتصار تاريخي كبير لإسرائيل، عاش بعده الإسرائيليون في نشوة بعد إنجاز عسكري لا مثيل له تحقق فقط في 6 أيام سنستعرض تفاصيلها في حلقاتنا القادمة.

شطب بعض المقاطع الخاصة بالاتصالات مع الجانب الأميركي من الأرشيف الذي أفرجت عنه الحكومة

ديغول حذر إسرائيل من المبادرة إلى الطلقة الأولى لكنه عاد ودعمها بعد اندلاع الحرب

إسرائيل استغلت موقع يهود أميركيين للتأثير على جونسون وعلى الكونغرس دون أن تنجح في فهم الموقف الأميركي كاملاً

الوزراء المحسوبون على بن غوريون الذي كان اعتزل السياسة دعوا إلى الانتظار أسبوعاً آخر

إسرائيل اعتبرت اتفاق ناصر - حسين خطراً جداً خصوصاً بعد تحريك عبدالمنعم رياض قوات أردنية
back to top