أهل القرآن

نشر في 03-06-2017
آخر تحديث 03-06-2017 | 00:03
 الشوادفي عبد الرحمن القرآن كتاب الله العظيم وحبله المتين وسراجه المنير، أنزله على قلب نبيه ليكون للناس نورا وهداية، قال تعالى "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ"، مبين للحق من الباطل، يهدي إلى طريق الله المستقيم، فهو معجزة الله الخالدة، واضح البيان كامل البرهان، منزه عن الزيادة والنقصان، فهو للروح غذاء، وللبدن شفاء، وللعين قرة، لا يمله السامعون، بليغ ما أبلغه! عظيم ما أعظمه! جليل ما أجله! لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

وخص الله لهذا الكتاب أناسا ليكونوا أهل الله وخاصته، فهم مصابيح مضيئة، على وجوههم الأنوار، وفي سمتهم الوقار كاللآلئ والمرجان، ولمَ لا؟ فهم يصدحون بأعظم كلام، فهم صفوة خلق الله الذين كرّمهم بكلامه، وهم قائمون على حفظ القرآن، خدام له لا يشغلهم عنه شاغل، لا يتركونه مهما كانت أشغالهم، محبون له مشغوفون به آناء الليل وأطراف النهار، ولا يمنعهم عنه مانع.

ويا للعجب في هذا الزمان، إذ شُغِل الناس عن كتاب ربهم، وانطبق عليهم قول الله تعالى: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً"، وأصبحوا لا يعرفون كتاب ربهم إلا في المواسم الدينية، كرمضان وغيره، فالبيوت امتلأت بأحدث الأجهزة ووسائل الاتصالات والإنترنت وغيرها، التي فرقت بين الأسر والعائلات، بل بين أفراد الأسرة الواحدة، فكل واحد قد انزوى في ناحية يقلب جهازه في المواقع المختلفة. وقد ورد عن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، أنه خاطب القرآن الكريم فقال: "شغلنا عنك الجهاد"، لتتبدل المقولة لدينا اليوم إلى "شغلنا عنك الجهاز"، ولم يلزم أغلبنا أنفسهم بأن يجعلوا للقرآن نصيباً من أوقاتهم، في ورد يومي يشفع لنا عند ربنا، بل نكتفي بتقديمه هدايا لبعضنا في المناسبات.

ويا من يشغله هم الدنيا ومتاعبها ومصاعبها عليك بالقرآن، ويا من تفكر في الآخرة ومصيرك الحتمي عليك بالقرآن، وكما قيل "من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن". فنفسك التي بين جنبيك أمانة عوِّدها حب القرآن، وأولادك أمانة شجعهم على حفظ كتاب الله، فهو ليس كلاماً يحفظ، بل هو منهج وأخلاق، فلما سئلت السيدة عائشة عن أخلاق النبي الكريم قالت: "كان خلقه القرآن"، فهل طمعت في مستقبل لأولادك ليكونوا في أعلى المناصب؟ ألم تفكر كيف يكونون صالحين، وتعلمهم القرآن الكريم؟ هل سخرتهم أو سخّرت أحدهم لهذا العمل العظيم، فهو يعود عليك أيضاً بالمنفعة، فحامل القرآن يشفع لسبعين من أهله؟ فأي شرف هذا؟!

اجعل بيتك وحياتك مليئين بكلام الله العظيم، في زمن تلوثت فيه الآذان، وامتلات فيه البيوت بألفاظ وعبارات خارجة عن آداب الدين الحنيف، فالقرآن مدرسة ربانية يعلم ويربي ويرشد إلى طريق الحق والنور، وأهل القرآن في منازل عالية بهامات سامية، خصهم الله وحباهم ووضع لهم القبول في الأرض.

فاحرص على أن تكون من أهل القرآن، فهم يجمعون بين خيري الدنيا والآخرة، ولهم مكانتهم عند الله لا ينازعهم فيها أحد، فيقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها، فابنِ لنفسك وأهلك جسراً تمر فيه إلى الفلاح والنجاح، يكون عماده القرآن، تكن عند الله من الشافعين المشفعين.

back to top