...وأيضاً رحلة الألف ميل

نشر في 30-05-2017
آخر تحديث 30-05-2017 | 00:14
 يوسف عبدالله العنيزي رغبة في الابتعاد قليلا عن السياسة والخروج من مستنقع التحلطم والتخلص من التوتر الذي نعانيه من سوء الأوضاع في المنطقة، نستكمل رحلة الألف ميل من خلال هذه الجولة السريعة، ففي الفترة بين 1980 و1984 عملت في سفارة دولة الكويت في اليونان بدرجة مستشار، ورغبة في استكشاف بعض مناطق ذلك البلد الجميل، فقد توجهت إلى منطقة "قناة كورنثوس" التي تبعد عن مدينة أثينا نحو (40) ميلاً، والتي شقت في أعماق الجبل بعمق (90) متراً وطولها (639) متراً وعمق المياه فيها نحو (8) أمتار، ويتراوح عرضها ما بين 21 و25 متراً، يا لها من قناة رائعة، إنها حقا أسطورة، حيث بدأت فكرة حفرها منذ عهد الإسكندر الأكبر "يوليوس قيصر" عام 67 قبل الميلاد، وتوقف العمل بها بعد وفاته حتى القرن التاسع عشر، حيث تم استكمالها لتكون معلما سياحيا وحضاريا يسطر الحضارة اليونانية.

بعد أن استمتعنا بذلك الوقت الذي أعادنا إلى تلك الأزمان الغابرة واصلنا السير إلى مدينة "تريكلا" السفلى التي تقع أسفل الجبل، ثم واصلنا السير إلى تريكلا العليا التي يحتاج الأمر وضع السلاسل على الإطارات لتجاوز الثلوج المتراكمة في بعض الطرق، وبعد نحو ساعة وصلنا إلى تلك القرية الوادعة المتربعة على قمة الجبل، التي تحيط بها مناظر يعجز القلم عن وصفها، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت لا يتجاوز (500) نسمة، وتوجد فيها كنيسة واحدة وسوق مركزي واحد مع مطعم ومقهى، يجتمع فيه أهل القرية بكل أعمارهم وأجناسهم، فانضممت إلى ذلك الجمع الطيب، وتناولت معهم طعام الغداء.

بعد قضاء ذلك الوقت الممتع استأذنت للانصراف، وعند وصولي إلى سيارتي وجدتها قد حوصرت بأكياس من أنواع الأجبان والخبز وسلال من الفواكه والخضار التي قُطفت مباشرة من الحقول، تقدم مني رجل بلغ من الكبر عتيا قائلا: هذه هدية متواضعة منا، والواقع أن تلك الهدية المتواضعة لم يتسع لها صندوق السيارة (الدبة).

وفي الفترة بين 2003 و2007 توليت مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق، وكانت سريعة في دورانها لأنها كانت حافلة بالعمل المتصل في فترة غاية في الأهمية في تاريخ العلاقة بين البلدين، في بداية عملي هناك قمت بزيارة لمنطقة البحر الميت، وقبل الوصول لاحظت أن الطريق قد انحرف نظرا لإغلاقه بحواجز حديدية، وعند الاستفسار من مرافقي أفاد أننا لو واصلنا السير من النقطة التي نحن فيها فإننا سنكون في مدينة القدس بعد ساعة، ولكن هذا الطريق قد تم إقفاله منذ حرب حزيران (يونيو) عام 1967، حتى الآن كما ترى.

عندها أحسست بعبرة تكاد تخنقني وشعرت بلهفة جارفة نحو تلك المدينة المقدسة مسرى نبى الأمة وأولى القبلتين، وعادت بي الذكرى إلى تلك اللحظات التي قضيتها في مسجد "قباء" في المدينة المنورة، وهو أول مسجد بني في الإسلام، وكانت القبلة فيه تتجه إلى المسجد الأقصى، وذلك قبل أن يأمر رب العالمين رسوله بالتوجه للمسجد الحرام في مكة المكرمة.

وقد تلقيت فيما بعد دعوة كريمة من الرئاسة الفلسطينية لزيارة المسجد الأقصى، لكني لم أقم بتلك الزيارة، وذلك لبعض المحاذير، ثم واصلنا سيرنا حيث توجهنا إلى "جبل نيبو"، وعلى قمة ذلك الجبل توجد كنيسة قديمة يقال إنها تضم قبر سيدنا موسى، عليه السلام، ولكن لم يتم تأكيد ذلك.

في منطقة البحر الميت تمتزج الديانات السماوية الثلاث، فعلى جبل نيبو وقف سيدنا موسى عليه السلام، وقومه ينظرون إلى مدينة القدس دون أن يتمكنوا من دخولها، وفي نهر الأردن تم تعميد سيدنا عيسى عليه السلام، وإلى المسجد الأقصى أسري بسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ومنه عرج إلى السماء بقول الحق سبحانه وتعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ".

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top