نور الشريف... الفيلسوف العاشق (4 - 30)

ولسه بحلم بيوم

نشر في 30-05-2017
آخر تحديث 30-05-2017 | 00:04
وجد نور جابر سعادة كبيرة وهو يقلّد حركات شارلي شابلن والجمهور من حوله يصفق له، ويستزيده من التمثيل والتقليد. لكن يبدو أنه تذكر خجله فجأة، فقطع حالة التقمّص وراح يركض نحو البيت الجديد، قبل أن يلح عليه رواد السينما لإعادة ما يفعله مجدداً، ولم يلتقط أنفاسه سوى داخل بيته، ليجد أمامه عمته وشقيقته عواطف.
راحت عمته وشقيقته عواطف تسألانه عن سبب الركض بهذه الطريقة، وما الذي يجري منه، وما إن هدأ والتقط أنفاسه، حتى بدا يقصّ عليهما حكايته مع «الساحرة» الجديدة، منذ اللحظة الأولى وحتى تصفيق الجمهور له:

= أنت يطلع منك كل ده؟ تروح السينما لوحدك... وكل يوم.

* وساعات مرتين في اليوم.

= ليه؟

* مش عارف؟ كل ما أخرج أحس أني حاجة بتشدني تاني علشان أدخل.. ولما أدخل أبقى مش عايز أخرج.

= وبتشوف فيها إيه؟

* عارفة الحكايات اللي أنت بتحكيها يا عمتي... واللي أنت كنت بتحكيهالي يا عواطف عاملة زيها... بس بتشوفيها قدامك حقيقية.

= ما أنا عارفة السيما... أنا قصدي إيه الأفلام اللي بتشوفها فيها؟

* أفلام كتير... أميركية وإنكليزية... وكمان أفلام مصرية... وكله كوم والممثل اللي اسمه شارلي شابلن ده كوم تاني، والممثل المصري اللي اسمه عبد المنعم إبراهيم. الاتنين حلوين أوي بيعملوا حاجات تفطس من الضحك... وبيمثلوا من غير ما يضحكوا وممكن كمان يعيطوا ويخلوكِ تموتي من الضحك.

= وما تكسفتش تقف وسط الناس في الشارع وتعمل اللي أنت عملته... ده أنت بتتكسف من خيالك؟!

* مش عارف. أنا كنت حاسس أني مش أنا اللي بأعمل كده. زي ما كون حد تاني غيري هو اللي بيعمل الحاجات دي قدام الناس. علشان كده أول ما فوقت خدت ديلي في سناني وقلت يا فكيك.

= طب بقولك إيه. ما تقوم تفرجني كده اللي كنت بتعمله.

* إيه لا مش ممكن أتكسف يا عمتي.

= تنكسف من عمتك علشان خاطري. علشان خاطر «طوفة» حبيبتك حتة صغننه بس.

فجأة تحوّل الصبي الخجول إلى ممثل محترف أمام مشاهديه، لدرجة أن عمته وشقيقته «عواطف» لم تصدقا أعينهما، وأن من تشاهدانه هو نور الخجول الهادئ الوديع، لتصبحا وأولاد عمه أمين منذ هذا اليوم جمهوره الأول، بل كل جمهوره الذي يشجعه ويشد من أزره. كان يشاهد الفيلم ويحكي لهم تفاصيله، ثم يختار أهم مشاهده ليجسدها لهم، فبدأت تظهر عليه بوادر الموهبة وهو لا يزال في المرحلة الإعدادية، عندما تفجرت طاقاته الفنية من على خشبة مسرح مدرسة «بنبا قادن الإعدادية» في شارع الخضيري بحي السيدة زينب حيث أخذ يلفت أنظار الجميع بثقته بنفسه، وإتقانه مخارج الحروف، والحديث من دون أخطاء، بجسد نحيل ووجه طفولي وعقل متقد، متفلتاً من خجله وانطوائه على ذاته، ومستعرضاً أمام فريق التمثيل موهبته وقدرته على تمثيل الأدوار كافة، ومجسداً الشخصيات التي قدمها نجومه المفضلون، الذين كان يراهم يومياً على شاشات سينما «الشرق» و«الأهلي» و«إيزيس» وتبهره قدراتهم.

مع التصفيق الذي كان يناله نور في كل عرض يشارك فيه، خلال عروض المسرح المدرسي في مدرسة «بنبا قادن الإعدادية»، شعر بأنه أصبح نجماً، خصوصاً بعدما صار زملاؤه يشيرون إليه في المدرسة أو الحي، مؤكدين لذويهم ومعارفهم أنه «ممثل شاطر أوي».

قرّر نور المداومة على مشاهدة الأفلام السينمائية التي تعرضها دور السينما في الحي، بل والأحياء المجاورة، فضلاً عن الحرص على حضور العروض المسرحية التي كانت تنتقل من مسارحها لتقدم عروضاً خاصة لأبناء الأحياء الشعبية، ومن بينها حي السيدة، وكانت العروض تُقام في دار سينما «الأهلي» الصيفية في المواسم والأعياد وخلال شهر رمضان، ليزداد في داخله كل يوم إحساسه القوي بحب فن التمثيل. حتى أنه بات يحلم بأن يصبح نجماً تتداول المجلات صوره، ويمتلك «سيارة حمراء» مكشوفة، يطوف بها شوارع السيدة زينب وبركة الفيل والحلمية الجديدة، وهو يلوح بيده للجماهير.

وجد نور في شخصية الفنان عبد المنعم إبراهيم أول خيوط المحاكاة والتقمص لأنه صاحب شخصية فيها كثير من البساطة والتلقائية، وراح ينتهز كل فرصة تتاح له ليقلد هذا الفنان المميز في أدائه وحركاته وسكناته، وفي تعابير وجهه، أمام زملاء المدرسة، حتى اختاره الأستاذ حمدي فريد، مدرس التربية البدنية، في مدرسة «بنبا قادن الإعدادية» والمشرف على فريق التمثيل، للمشاركة في حفلة نهاية العام الدراسي، وأصيح ضمن الفريق الذي سيمثل ويغني ويؤدي بعض الإسكتشات البسيطة... وكانت المرة الأولى التي يلتقي فيها نور الممثل جمهوراً، جله من أولياء أمور التلامذة وذويهم وأقاربهم، والذين راحوا يصفقون بحرارة وحماسة، ليس لقدرات الطلاب الفنية العالية، لكن لأنهم يشاهدون أولادهم وهم يرقصون ويغنون ويقدمون بعض أنواع الفن، ولفت نور الأنظار مجدداً من بين المشاركين في الحفلة كلهم.

الهروب اللذيذ

عندما انتقل نور لأول مرة من مقعد المتفرج المتلقي إلى مكان الممثل الفاعل أو الصانع للفعل، شعر بإحساس غريب لم يألفه سابقاً، بعيداً عن التصفيق والتهليل. لم يدرك تفسيراً حقيقياً لهذا الشعاع الذي يربط بين من يقف على المسرح وبين من يجلس في صالة العرض. شعر وهو يتقمص دوره في الحفلة بالهروب اللذيذ من ذاته ومن نفسه، بل ومن مواجعه من غياب والده الذي كان يتمنى أن يكون موجودا ويشاهده كبقية أولياء الأمور، أو والدته التي اختار أن يبتعد عنها لما فعلته، فخيارها هذا يعد من وجهة نظر صبي في مثل عمره خيانة للأب الذي رحل في ريعان شبابه، كذلك العم إسماعيل، الذي رغم حنانه المفرط فإنه لا يستطيع أن يصارحه بما يفعل.

منذ ذلك اليوم فكر الممثل الصغير في أن يكون ممثلاً كبيراً، خصوصاً بعدما وجد من يشجعونه على الاستمرار، في مقدمهم أستاذه حمدي فريد والأستاذ عبد العزيز شحاتة، مدرس الدراسات الاجتماعية. لكنه عرف أن السبيل إلى ذلك لا يأتي إلا من خلال الدراسة في معهد التمثيل، فقرر أن يسأل أستاذه حمدي فريد باعتباره يذهب يومياً إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، ودائم التحدث عنه، وعن الأساتذة الذين يدرسون التمثيل فيه، فمن المؤكد أنه سيجد لديه الإجابة عن الأسئلة كافة التي تلح عليه كونه، على علم بالتفاصيل عن هذا العالم المجهول بالنسبة إلى نور:

= معهد التمثيل كده مرة واحدة. وأنت إيه عرفك بمعهد التمثيل ياسي محمد.

* من حضرتك. هو مش برضه حضرتك أستاذ في المعهد.

= لا أنا مش أستاذ أنا لسه طالب بدرس في المعهد.. وبعدين عايز تدخل معهد التمثيل ليه؟

* دي أمنيتي يا أستاذ حمدي علشان أبقى ممثل.

= ما قلناش حاجة. بس علشان تدخل معهد التمثيل لازم الأول تأخد الإعدادية، وبعدين التوجيهية، وبعد كده تروح تقدم في المعهد.

* لسه هستنى كل ده؟

= ده أنت مستعجل بقى. ثم يا سيدي نفرض أنك دخلت المعهد هتطلع بعد كده تشتغل إيه؟

* ممثل طبعاً.

= ممثل! أنت فاهم إن دي شغلانة. يا ابني التمثيل ما بيأكلش عيش. عندك أنا أهو بمثِّل من سنين وبدرس في معهد التمثيل... وأنا اللي بصرف على التمثيل من شغلي في المدرسة.

* أمال الممثلين اللي بنشوفهم في السيما زي الأستاذ عبد المنعم إبراهيم وفريد شوقي وشكري سرحان ورشدي أباظة... وصلوا كده إزاي؟!

= دي يا ابني حظوظ وأرزاق. وما ينفعش الواحد يربط مستقبله بضربة حظ يستناها.

* يعني أعمل إيه حضرتك؟

= يعني تأخد التوجيهية وتدخل كلية محترمة تتخرج فيها تشتغل محامياً أو مهندساً أو مدرساً... ولو عايز تمارس هوايتك في التمثيل ما فيش مانع تعمل ده من وقت للتاني... لكن تشتغل ممثلاً. يبقى هتشحت إن شاء الله.

طوال طريق عودته إلى البيت، راح نور يلعن في نفسه الأستاذ حمدي، الذي قضى على طموحه وأحلامه في التمثيل والنجومية. كانت كلماته ثقيلة، كأنما حمله بين يديه وراح يهدهده، ويمنيه بالوهم «اللذيذ» الذي شارك معه في صنعه بتشجيعه له ولأدائه المتقن، ثم فجأة ألقى به من فوق جسر مرتفع، غير أنه وجد نفسه يتوقف عن السير، وراح يحدث نفسه مندهشاً: إزاي واحد زي الأستاذ حمدي ده يقول إنه بيحب التمثيل وكمان طالب في المعهد.. وبعدين يقول الكلام ده عن التمثيل؟ لا لا... أكيد الراجل ده بيكره التمثيل مش فنان. طب إيه اللي يخليه يقدم في المعهد؟ هو فاكر إن التمثيل شغل لازم يجيب منه فلوس كتير علشان يحبه؟ الله يخرب بيتك يا أستاذ حمدي!

مواجهة الإحباط

قبل أن يصل نور إلى بيته، التقى مصادفة خاله شعيب، مدرس اللغة العربية في مدرسة «محمد علي الإعدادية» والمشرف أيضاً على فرق التمثيل والخطابة في المدرسة، فلاحظ تغير ملامح ابن شقيقته الذي يعرف بالتأكيد عمق الخلاف بينه وبين أمه، غير أنه يقول مثلما يقول الجميع: «ده تفكير عيال... مسيره يكبر ويفهم». سأله عن سبب ضيقه فلم يجد نور بداً من أن يلقي بهمومه على خاله، ولم يكن يتصوّر أن لديه الحل، وأنه قادر على إعادة البسمة إلى وجهه، والسعادة إلى صدره:

= أنت بتحب التمثيل للدرجة دي؟

* أوي يا خالي... ونفسي أمثل.

= وعمك إسماعيل يعرف بالكلام ده؟

* ده نشاط في المدرسة يا خالي وهواية بحبها... ولا أنت تقصد إيه بسؤالك؟

= أبدا ماقصدش أنا بسأل بس.

* عموماً هو عارف ومبسوط أوي... خصوصاً أني شاطر كمان في دراستي وبطلع الأول على الفصل.

= خلاص يا سيدي شد حيلك وأنا مستعد كمان أضمك لفريق التمثيل اللي بدربه.

* بجد يا خالي... ياآه ده أنا نفسي أبقى ممثل بجد قدام الناس مش في فريق المدرسة.

= لا يا عم نور بس أنت...

* بقى اسمي في المدرسة محمد جابر يا خالي.

= حاضر يا سي محمد يا جابر. بس أنت بقى عليك تشوف مين من العيال زمايلك اللي بيحبوا التمثيل كده زيك علشان نضمهم للفريق.

* هو ما فيش غير واحد بس اسمه محمود الجوهري.

= خلاص يبقى اتفقنا.

لاحظ شعيب ولع نور بالتمثيل، فقرّر ضمه هو وصديقه محمود الجوهري إلى الفريق الذي يدربه، فطار الاثنان فرحاً بهذا الخبر وأبديا استعدادهما ليكونا تحت تصرف الخال منذ هذه اللحظة.

كان شعيب يدرّب بعض الممثلين الهواة بعيداً عن المدرسة، ويخرج لهم عروضاً مسرحية ليقدموها لأبناء «حي الخليفة». في هذا المجال، حضّر لمسرحية «المغناطيس» التي كتبها الكاتب نعمان عاشور لتقديمها مع الفرقة الجديدة. وعلى مدار 15 يوماً كاملة، أعلن شعيب حالة الطوارئ القصوى، إذ واصل الفريق تدريباته يومياً، وأظهر نور براعة كبيرة خلال التمرينات، ما جعل شعيب يسند إليه دور البطولة في المسرحية.

كانت المشكلة هي الإنفاق على العرض، تحديداً إيجار المسرح ووضع الديكور، والعثور على مسرح بالمقاييس المتعارف عليها، ما كان مستحيلاً في ظل عدم توافر ميزانية للفريق... ففكر الفريق في استثمار «عربات الكارو» التي تجرها الخيول وتحمل البضائع لنقلها. كانت هذه العربات تخزّن ليلاً في مكان بالقرب من «قسم شرطة السيدة زينب» فذهبوا إلى أصحابها الذين يطلق عليهم «العربجية» لاستئذانهم في استخدامها:

- يعني إيه عدم المؤاخذة مش فاهم؟

= أنت عمرك ما رحت مسرح؟

- لا ملناش إحنا في قلة القيمة دي.

= ولا دخلت سينما؟

- قصره... هتعملوا عليها شغل أراجوزات زي بتاع شكوكو.

= تقريبا حاجة زي كده.

- عايزين كام عربية؟

= أربع عربيات.

- هاخد على العربية خمسين صاغاً.

= إحنا ناس على قد حالنا يا معلم وبندفع من جيبنا... والناس هتتفرج ببلاش مش هيدفعوا فلوس.

- قصره هتدفعوا كام؟

= هو اللي معانا أهو جنيه.

- زي بعضه... بس هجيب الولاد والجماعة ونيجي نتفرج... حاكم الجماعة بتوعي بيحبوا شغل الأراجوز بتاع شكوكو.

= أهلاً وسهلاً بيك أنت وجماعتك وكل حبايبك... ياكش تجيب الشارع كله.

عطش فني

كان أمراً معتاداً في الأفراح الشعبية تحويل «العربات الكارو» إلى خشبة مسرح، تجلس فوقها الفرقة الموسيقية التي تحيي الفرح، وتكون مكونة غالباً من عدد قليل من العازفين أو ما يطلق عليهم «الآلاتية»: طبال، وعازف أكورديون، وعازف كمان، وعازف ناي»، وأمامهم مطرب يعرفه فقط أبناء الحي، وربما الأحياء المجاورة، وراقصة «درجة ثالثة» يُستعان بها من «شارع محمد علي»، تكون ممتلئة ولا تتحرك غالباً، بل تهتزّ على أنغام الموسيقى ومنتهى أملها أن تجمع أكبر قدر من أموال المدعوين الذين يتبارون في الرقص معها أو حولها.

رغم سذاجة التجربة وبساطتها، فإنها كانت مدهشة ومشجعة، إذ استقبلهم الجمهور بالتصفيق والصفير، حتى شعر نور بأنه أحد هؤلاء النجوم الكبار الذين يراهم كل ليلة أمامه فوق شاشة السينما، لدرجة أن العرض استمر ليال عدة، بعدما قدّر شعيب أن تكون ليلة واحدة، ليجد نور نفسه ملتزماً كل ليلة بالوقوف على خشبة مسرح، وفي انتظاره جمهور غفير، فشعر بأنه في حالة عطش ونهم لا يقاوم لأجل التعرف إلى الوجه الحقيقي للمسرح وأيضاً للسينما. ولأنه محظوظ بالسكن في منطقة تمثّل قلب التفاعلات في القاهرة، قرر أن يذهب إلى «دار الكتب» في منطقة «باب الخلق» القريبة منه، ليبحث عن كتب يجد فيها المفهوم العلمي للمسرح، فربما عوضه ذلك، ولو مؤقتاً عن دخوله معهد التمثيل، ذلك الحلم الذي حاول أستاذه حمدي قتله في داخله. غير أن تجربة خاله شعيب جعلت الحلم يكبر وينمو لديه، فلا بد من أن يصبح أحد هؤلاء النجوم فعلاً وليس في الحلم فحسب. لكن كيف الوصول إلى ذلك؟ فهو ليس مستعداً لأن يفرط في حلمه أو يتنازل عنه، مهما كان الثمن.

لم يكن لدى شعيب من الوقت والقدرة والمال ما يجعله يستمر في تقديم عروضه، في الوقت نفسه لم يكن نور يستطيع أن يصبر على أن يقدم خاله عرضاً كل ثلاثة أو أربعة أشهر. لذا لم يجد من يشاركه جنونه وحبه التمثيل، من بين أصدقائه الذين يغلب عليهم حب كرة القدم، سوى صديقه المقرب محمود الجوهري، وهو ليس لاعب كرة القدم الشهير، فاتفقا على ألا يتركا عرضاً مسرحياً من تلك التي يقيمها الهواة، أو فيلماً جديداً أو قديماً، في أي من دور العرض في الحي، أو الأحياء المجاورة، من دون أن يسعيا إلى مشاهدته.

معهد التمثيل

لم يكن معهد التمثيل في مصر الجهة الوحيدة أو الأهم لوجود الممثلين على الساحة الفنية، ربما حتى مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، ذلك رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المخرج والرائد المسرحي زكي طليمات، عندما حرص على إنشاء معهد التمثيل عام 1930، غير أنه لم يستمر سوى عام، قبل أن يعيد إنشاءه مجدداً بموافقة وزير الشؤون الاجتماعية في مايو 1944، لتكون مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات. آنذاك، ظل اعتماد الساحة الفنية الأكبر على اكتشاف المخرجين والمنتجين للمواهب، من خلال مسابقات الجمال، وعروض الأزياء، فضلاً عن الحفلات. وقبل ذلك وبعده، كان الاعتماد على الصدف البحتة التي تقود النجوم إلى أقدارهم، قبل أن ينتبه الجميع إلى أهمية الدراسة في معهد التمثيل، بظهور جيل جديد خلال الخمسينيات من كتاب المسرح يختلفون عمن سبقوهم ليكتبوا مرحلة جديدة في تاريخ المسرح المصري الحديث ومن بينهم لطفي الخولي، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ومن المخرجين نبيل الألفي، وسعد أردش، وعبد الرحيم الزرقاني، وغيرهم.

ومع مطلع الستينيات، بدأ الفكر المسرحي يبحث عن هوية مسرحية متميزة عن القالب التقليدي المستعار من المسرح الغربي، وجاءت آراء توفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما كمساهمات جادة في هذا الطريق، وفوق هذا كله أنشأ الدكتور ثروت عكاشة عام 1960 «المؤسسة العامة لفنون المسرح والموسيقى» لتدريب الممثل على أحدث ما وصل إليه هذا العلم في العالم.

البقية في الحلقة المقبلة

نور وجد في شخصية عبد المنعم إبراهيم أول خيوط المحاكاة والتقمص

عمته وشقيقته «عواطف» أصبحتا الجمهور الأول للممثل الصغير

قرّر المداومة على مشاهدة الأفلام التي تعرضها دور السينما في الحي

الموهوب الصغير وجد طوق نجاة من الإحباط في تجربة خاله شعيب المسرحية

«الأستاذ حمدي» قضى على طموحات نور في التمثيل والنجومية
back to top