الموصل: قلق على الإدارة الأمنية ووثائق تحيي إرهاب الميليشيات

نشر في 29-05-2017
آخر تحديث 29-05-2017 | 00:12
القوات العراقية تتقدم في حي الساحة غرب الموصل
القوات العراقية تتقدم في حي الساحة غرب الموصل
يحاول الموصليون في الغالب تجاهل الصور والفيديوهات التي توثق انتهاكات الجيش العراقي ضدهم ونشرت أخيراً في وسائل إعلام ألمانية وأميركية، وحظيت باهتمام دولي واسع. ويقول أهل ثاني أكبر مدن العراق إنهم مشغولون أكثر بمصير ربع مليون من أهلهم مازالوا محاصرين في الجزء القديم من الموصل، حيث بدأت قوات النخبة عمليات معقدة جداً، لم يسبق أن خاضت مثلها في الحرب ضد «داعش».

ونشرت مجلة دير شبيغل الألمانية صوراً التقطها مصور عراقي معروف عمل مع القوات العراقية وسمح له الضباط، على نحو غريب، بتوثيق عمليات تعذيب وانتهاكات شتى في الريف المحيط بالموصل ضد أشخاص متهمين بأنهم عملوا مع «داعش»، ثم نشرت شبكة إيه بي سي الأميركية فيديوهات صادمة، تظهر أن التعذيب أحياناً كان يمارس «لأجل التسلية».

وتقول مصادر عسكرية إن سياسة التعذيب تقلصت كثيراً في الآونة الأخيرة، وباتت القوات «منضبطة أكثر»، وإن الوثائق تعود إلى شهور مضت. لكن الخبراء يتساءلون حول نوع القلق الذي يمكن أن تشيعه وثائق مماثلة لدى المجتمع السني في المدن المحررة من «داعش»، حيث بات عليهم أن ينتقلوا من قسوة التنظيم المتطرف إلى سلطة قوات حكومية تمارس أحياناً انتهاكات منظمة انتقامية.

ويحاول الموصليون القول إن هذه الممارسات «محدودة»، ويستذكرون شجاعة مئات الجنود الذين ضحوا بحياتهم في سبيل إنقاذ أرواح الأهالي طوال سبعة أشهر من القتال الشرس، قائلين إنه لا يمكن تشويه سمعة المضحين بسبب ممارسات حصلت هنا أو هناك.

غير أن الأمر يتعدى تشويه سمعة القوات أو الثناء على تضحياتها، فرغم وجود ضابط موصلي كبير يدير الأمن في الجزء المحرر من المدينة، ويضمن عودة سلسة لمئات العوائل إلى منازلهم يومياً، فإن مستقبل الملف الأمني في نينوى يقلق الجميع بمن فيهم القادة الشيعة والأكراد، إذ يدركون أن حصول المزيد من الانتهاكات والقمع سيعيد بناء أسباب تمرد جديد، وقد يعني لاحقاً مشاكل عميقة تولد الحرب مجدداً.

ولا يتعلق الأمر فقط بمخاوف من ميليشيات شيعية مقربة لإيران، ويعجز حتى رئيس الحكومة حيدر العبادي عن ضبط حركتها في قلب العاصمة بغداد أو على أطراف نينوى والأنبار، بل إن نوايا الانتقام ليست خافية لدى أطراف مسلحة تمثل المكونات الأيزيدية والمسيحية التي تعرضت لانتقام من تنظيم داعش، وتتوعد بالثأر من عشائر عربية ينتمي إليها قادة بارزون للتنظيم.

ومجمل هذه الظروف دفع مسلحين من العشائر العربية السنية إلى العمل ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، والاقتراب من الأجنحة الموالية لإيران حماية لأنفسهم، غير أن العناصر السنة في الحشد راحوا ينخرطون في عمليات انتقام كذلك ضد بني جلدتهم، مثل النقيب عمر، الشخصية الرئيسية التي أشرفت على التعذيب في وثائق المصور العراقي الكردي.

ويقول المعارضون لعمليات الانتقام إنها تغذي الثأر المضاد والشعور بالظلم لدى ذوي عناصر «داعش»، وتدفعهم إلى تعزيز بيئة إنتاج العنف.

ويشهد العراق عملية «عزل» صامتة لعوائل التنظيم الذين يلقون مصرعهم، في حين يجري نقل نسائهم وأطفالهم إلى معسكرات احتجاز جنوب الموصل، في ظروف سيئة، ولا أحد يعلم مستقبل التعامل معهم، كما جرى إجلاء مئات العوائل من «الأنبار» و«صلاح الدين» واحتجازهم في معسكرات مشابهة.

وتقول الحكومة إنها تتخذ هذا الإجراء «حماية لعوائل داعش» الذين تهددهم عمليات ثأر اجتماعية لا يمكن للشرطة منعها إلا بإبعاد العوائل ضمن تقليد يعرف محلياً بـ«الجلوة العشائرية».

وتناقش الأطراف الدولية مع العراق ضرورة إصلاح وضع الإدارة الأمنية لنينوى، ومنح الإدارة المحلية صلاحيات أوسع لتقليص الانتهاكات المعتادة، وبناء ثقة مع الأهالي، غير أن النخبة الموصلية يعتقدون أن ذلك لن يطبق من دون دور أميركي أمني قد يتعزز مع بقاء آلاف الجنود الأميركيين حتى بعد انتهاء الحرب ضد «داعش»، وهو ما بات أمراً حتمياً خلال الأشهر المقبلة.

back to top