نور الشريف... الفيلسوف العاشق (3 - 30)

الحب وحده لا يكفي

نشر في 29-05-2017
آخر تحديث 29-05-2017 | 00:04
رغم إحساس نور بالدفء والأمان وهو نائم إلى جانب عمه إسماعيل في سرير واحد، إلا أن الكوابيس بدأت تطارده. حتى أنه بدأ يحلم حلماً واحداً يتكرّر كل ليلة: «يركض في طريق طويل بلا نهاية، فيما ينزل من فوقه (مكبس) ضخم سيسقط عليه ليسحقه، وفي كل مرة يحاول نور الهرب، لا تنتهي الطريق، و(المكبس) لا يتوقف عن الهبوط».
قرر نور أن يقتل الخوف من الكوابيس ووقت الفراغ، بالانطلاق إلى الشارع ليمارس مع أقرانه «الكرة الشراب» في الحواري والأزقة، ما كان سبباً في أن يقترب من أنماط مختلفة من الأطفال، بعضهم من اتخذ التعليم طريقاً إلى مستقبل أفضل، والبعض الآخر عرف طريقه مبكراً، وهو الصراع في الشارع لأجل لقمة العيش. وكان من بينهم ذلك الصبي «حليم» الذي يكبر نور بعامين، ولفت نظره لبراعته الشديدة في المراوغة في لعب الكرة، فظل يلعب معه ويرافقه في تحركاته كافة.
لاحظ نور أن «حليماً» يقوم بإحدى أخطر المهمات التي قد ينجزها صبي في مثل عمره. اكتشف أنه «خبير» في سرقة التيار الكهرباء، وكانت أمراً معتاداً آنذاك، إذ لم يكن هذا الاكتشاف دخل البيوت كافة، وكان نوعاً من الرفاهية الاجتماعية. ولكن لم يكن عادياً أن يقوم بهذه المهمة صبي لم يتجاوز عمره 12 عاماً، يقفز بين أسطح المنازل ليوصل الكهرباء لمن يريد بطريقة غير مشروعة، واللمبة بعشرة قروش. حتى جاءت إلى المنطقة حملة تفتيش «الرقابة على الكهرباء»، فأسرع حليم إلى الأسطح ليفصل الكهرباء فصعقته وسقط صريعاً. وكانت لحظة الخوف الثانية التي شعر بها نور، غير أنه كما اكتسب صلابة من لحظة الخوف الأولى وأدرك الفرق بين والده وبين عمه، والمسافة التي يقف عندها مع كل من حوله، أدرك أيضاً من خلال لحظة الخوف الثانية أن التعليم هو الطريق إلى النجاة، وفي الوقت نفسه تنمية موهبته في كرة القدم ليكون لاعباً في النادي الذي يعشقه «المختلط» الذي تغير اسمه منذ عام 1944 إلى «نادي فاروق» بعدما حضر الملك فاروق مباراة نهائي «كأس فاروق»، ليتغير اسمه للمرة الثالثة بعد ثورة 23 يوليو 1952 ويصبح «نادي الزمالك».

اكتشاف ذاته

أثبت نور براعته كلاعب، فالتقطته فرق الشباب التي تألفت من أبناء حي السيدة زينب والأحياء المجاورة، ليشارك في مسابقات «الكرة الشراب» في ساحة «مسجد الرفاعي» بحي القلعة، وكان يشارك فيها كثيرون من الصبية برعوا في هذه اللعبة مثله، أو من هم أكبر سناً منه ككابتن يكن حسين، وكابتن سعيد أبو الهول، وغيرهما.

رغم مشاركته في واحدة من أكثر الألعاب شعبية وجماهيرية، فإن ذلك كله لم ينجح في إنهاء حالتي الانطواء والخجل اللتين كان يعانيهما. ما إن ينتهي من لعب مباراة الكرة، حتى ينسحب في هدوء عائداً يمشي ونظره إلى الأرض، لا يرفع رأسه كبقية السائرين في الشارع. وعندما يصل إلى بيته يسارع بالدخول إلى حجرته، مفضلاً أن ينفرد بنفسه، لا يجالس أياً من أولاد العائلة، إلا للاستماع إلى إحدى مباريات «الأهلي والزمالك» في المذياع. وكان معظم أولاد عمه، خصوصاً كبيرهم أحمد، يشجع «الأهلي» باستثناء عمته وشقيقته عواطف اللتين تشاركان نور تشجيع «الزمالك» حباً فيه. يعود بعد تناول العشاء لينام في البيت القديم مع عمه إسماعيل، ثم يذهب مجدداً في الصباح إلى البيت الجديد لتناول الفطور مع كبير العائلة عمه أمين منفرداً، إذ لم يكن بذلك مسموحاً لأحد غيره. يبدأ بعد ذلك نور باللجوء إلى أي من متعتيه: القراءة وسماع الموسيقى، اللتين كان يجد فيهما سلواه الوحيدة، حتى شاءت المصادفة يوماً أن يفتح شرفة حجرته على مبنى كان موجوداً، ربما قبل ولادته بسنوات طويلة، لكن ما إن وقعت عليه عيناه، حتى شعر بأنه يراه للمرة الأولى، إنها «السينما»... سينما «إيزيس» المواجهة لبيت العائلة في حي السيدة زينب. ظلّ واقفاً في مواجهتها فترة طويلة، يتأمل الصور والإعلانات التي علقت على واجهتها، ثم يقرأ ما كتب إلى جوارها:

«سينما إيزيس... تقدم ثلاثة أفلام في برنامج واحد... مع إعادة الفيلم الأول».

ضمت الواجهة العريضة لدار عرض سينما «إيزيس» ثلاثة إعلانات لثلاثة أفلام، الأول أميركي بعنوان «كوفاديس» أو «Quo Vadis» إنتاج 1951، بطولة روبرت تايلور، ديبورا كير، بيتر أوستينوف، وباترشيا لافان، إخراج ميرفن ليروي، والفيلم الثاني بعنوان «أضواء المسرح» أو «Limelight» وهو تأليف وموسيقى وإخراج وبطولة شارلي شابلن، ومعه كلير بلوم، وباستر كيتون.

كان الثالث هو الفيلم المصري «إسماعيل ياسين في الأسطول» لنجم الكوميديا وأسطورة عصره إسماعيل ياسين، ومعه أحمد رمزي، وعبد المنعم إبراهيم، وزهرة العلا، وإخراج فطين عبد الوهاب.

لم يفهم ابن الحادية عشرة من عمره، معنى كلمة «فيلم»، وما الذي تعنيه هذه الصور؟ ولماذا يضعونها بهذا الشكل على واجهة هذا المبنى؟ وهل يتم استئجار هذا المبنى الضخم لعرض هذه الصور فقط؟ وهل هناك مزيد من الصور؟ وما معنى كلمة «فيلم»؟

أسئلة كثيرة أثارتها تلك الصور التي وقع نظر نور عليها، غير أنه لم ينتظر طويلا، ارتدى ملابسه، وخرج مسرعا إلى الشارع متوجها إلى دار عرض سينما «إيزيس»، ودون تردد تقدم إلى «شباك التذاكر» وقام بقطع تذكرة فئة «تسعة مليمات»، ليجد نفسه بعد لحظات، بداخل هذا العالم الجديد الساحر.. الذي يطلق عليه «السينما» ليبدأ في اكتشافه.

في ظلام سينما «إيزيس» وجد نور نفسه داخل عالم جديد غريب ومثير، عالم يشبه تلك «البلورة السحرية» التي طالما سمع عنها في حكايات عمته، حيث يجلس في كثير من الأوقات، يضع رأسه على ساقيها الممددتين، لتحكي له العديد منها.

فجأة أضيئت الشاشة الفضية، وتحركت الصورة فوقها، وبدأ عرض ما يسمى «جريدة مصر السينمائية»، وهي أول جريدة مصرية مصورة ظهرت في شكل غير منتظم.

البلورة السحرية

جلس نور في ظلام دار العرض، مشدوهاً أمام تلك الصور المتحركة، وصور الزعيم جمال عبدالناصر وتحركاته وافتتاحه عدداً من المشاريع القومية، فيما تضج صالة العرض بالتصفيق. راح نور يقلدهم ويصفق بحرارة، ليعرض بعدها أحد أفلام «والت ديزني» للتحريك، وتعود صالة العرض إلى الظلام قبل أن يبدأ عرض أول الأفلام الثلاثة «الأضواء» أو Limelight وهو فيلم موسيقي أنتج في الولايات المتحدة الأميركية عام 1952، ونال عنه شارلي شابلن جائزة «أوسكار» أفضل موسيقى، لا سيما أنه قام بغالبية العمليات الفنية فيه، من كتابة وإخراج وتمثيل وموسيقى. جاء بعده «كوفاديس» أو Quo Vadis وتتناول أحداثه الاضطهاد المروع للمسيحيين الأوائل على أيدي الرومان، زمن الطاغية «نيرون» من خلال القائد الروماني الوثني الذي يقع في غرام فتاة أسيرة مسيحية، ومن ثم تتغيّر حياته. وبعد استراحة قصيرة بدأ عرض الفيلم المصري «إسماعيل ياسين في الأسطول»، وتدور أحداثه حول الشاب رجب الذي يحب «نادية» ابنة عمه، وتبادله هذا الشعور، ويبارك هذا الحب والدها، لكن والدتها ترفض زواجهما بسبب ضعف ابن عمها مادياً، وتحاول أن تزوجها لتاجر السمك الثري. تطلب الفتاة من ابن عمها التطوع في سلاح البحرية المصرية، وهناك يلتقي صديقيه «عبد البر» و«منير» اللذين يساعدانه في الزواج من «نادية». من بعده، أعيد عرض الفيلم الأول «الأضواء»، لتضاء في نهايته الأنوار وتبدأ جحافل الجمهور في الاندفاع نحو باب الخروج، فيما ظل نور جالساً في مكانه، ظناً منه بأن ثمة عروضاً أخرى ستقدمها دار العرض. كان يجلس معلقاً بصره بتلك الشاشة الفضية، لا ينظر يميناً ولا يساراً، كأن أبطالها ما زالوا يتحركون أمامه، ويخشى أن يغيبوا عن نظره، ولم يفق إلا ويد تربت على كتفه في عنف:

= أنت مستني حاجة يا أخينا؟

* هه... آه هم مش هيعرضوا أفلام تاني.

= لا... بح. شطبنا... يلا ورينا عرض كتافك.

* إيه... يعني أمشي؟

= والله تمشي، تطير، تزحف... أنت حر. المهم تهوينا علشان نكنس الصالة.

* أيوا يعني ممكن أدخل تاني بعد الكنس.

= أمال. تدخل تاني وتالت زي ما أنت عايز. بس تقطع تذكرة تاني يا خفيف.

شابلن الصغير

وجد نور نفسه منجذباً بشكل غير طبيعي إلى السينما. منذ ذلك الحين، لم يكن يمر يوم من دون أن يدخل هذه الدار. بل إن زيارته لم تعد مقصورة على سينما «إيزيس»، إذ كانت دور عرض «الدرجة الثالثة» متوافرة بكثرة في الحي والأحياء المجاورة وتعرض الأفلام بعد نزولها في دور الدرجة الأولى ربما بعام أو عامين. لذا فلا مانع من أن تعرض ثلاثة أفلام منها في برنامج واحد جذباً للجمهور، إذ كانت تتبارى دور العرض في الحصول على أحدث الأفلام. كان في حي السيدة زينب إلى جانب دارين للعرض الصيفي، ثلاث دور سينما شتائية هي «الشرق» و«الأهلي» في ميدان السيدة زينب، فضلاً عن «إيزيس» إلى جانب مسجد أحمد بن طولون في مواجهة بيت نور، وسينما قريبة بين «حي المدبح» والسيدة زينب هي «ابن البلد».

داخل هذه الدور تعرف إلى شارلي شابلن، ولوريل وهاردي، وكلارك غيبل، وجون وين، وإنغريد برغمان، ومارلين مونرو، وهمفري بوغارت، وغريغوري بيك، وغاري كوبر، ووقع في غرام أفلام «الكاو بوي». ثم انتقل إلى مرحلة الأفلام الموسيقية الغنائية الاستعراضية، وفي ظلام دار العرض حلم بأن يرقص كفريد أستير، وجين كيلي، وجنجر روجرز، ويغني كدوريس داي، وانتبه جيداً لأفلام يوسف وهبي وأمينة رزق، وعماد حمدي وشادية. كذلك شاهد أفلام أنور وجدي وليلى مراد، وإسماعيل ياسين وأحمد رمزي ورشدي أباظة، وأحب فريد شوقي وزكي رستم، وعبد المنعم إبراهيم، وربط بين الأخير وبين الممثل العالمي شارلي شابلن، ووجد أن ثمة ما يجذبه إليهما، رغم أن الأول ممثل مصري اعتاد أن يؤدي الأدوار الثانية، وقلما تتاح له فرصة ليقدّم الدور الأول أو لعب البطولة، فيما الثاني نجم أول دائم وممثل عالمي، وفوق ذلك كله يقوم بغالبية العمليات الفنية في أفلامه. لكن الحب جمع بينهما في قلب نور، فراح يبحث ويقرأ ويجمع المعلومات المتاحة كافة عن محبوبيه.

تعلّق قلب نور بهذا العالم السحري، ومن يتحرّك أمامه من ممثلين يلمعون كنجوم السماء. غير أنه خرج من مشاهدة هذه الكوكبة من النجوم والفنانين باثنين فقط، شعر بأنهما يمثلان له ولأجله، هما الفنان المصري عبد المنعم إبراهيم والنجم العالمي شارلي شابلن. ما إن كان يرى أياً منهما في واحد من أعماله، حتى يجلس منتبهاً منصتاً يحفظ كل حركة وكل كلمة، من دون أن يعرف لماذا. حتى أنه في أحد الأيام خرج من سينما «الشرق» وهو لا يزال يعيش بإحساسه في ما كان يراه على الشاشة، وراح ومن دون أن يدري، يمشي بين الجمهور الذي يخرج من دار العرض، بالطريقة نفسها التي يتحرك بها شارلي شابلن، ويقترب من أحد البائعين الجائلين، يلكزه بيده ثم يمشي، ويتناول قبعة واحد من جمهور السينما ليضعها على رأسه ثم يرفعها ويضعها أكثر من مرة، على طريقة شارلي، قبل أن يعيدها إلى صاحبها، فيما رواد السينما من حوله التفوا في دائرة لمشاهدته. ولم يفق نور من حالة التقمص، إلا عندما سمع تصفيق الجمهور وضحكاته، وقف ينظر إليه بدهشة، وعيناه تلمعان لا يفهم ما الذي يحدث. بل إن واحداً من الجمهور راح يطلب منه أن يعيد ما فعله، فاتبعه الثاني وألحّ الثالث، ولم يتردد نور طويلاً، وراح يعيد ما فعله تقليداً لحركات شارلي شابلن، وسط تصفيق وضحك كل من حوله.

الجريدة السينمائية

لم يكن اسمها في البداية «مصر السينمائية»، بل كانت تحمل عنوان «آمون»، وكان يصنعها آنذاك رائد السينما المصرية محمد بيومي، الذي قدم بواكير إنتاجها وظلّ يصدرها حتى ظهرت «شركة مصر للتمثيل والسينما»، كنتيجة مباشرة لحركة «تمصير الاقتصاد» الوطني، التي قادها الاقتصادي الكبير محمد طلعت حرب باشا. وجد الأخير أن الفن صناعة مربحة يجب تمصيرها، فأسس شركة للإنتاج السينمائي، وشركة «أستديو مصر»، لتنتج شركة «مصر للتمثيل والسينما» في 1925 أشرطة الجريدة، وكانت تقدم في دور العرض قبل الأفلام الروائية السينمائية.

كانت الأشرطة صامتة في بدايتها، وبعد ظهور الفيلم الناطق الأول «أولاد الذوات» ليوسف وهبي 1931، اتجهت شركة «مصر للتمثيل والسينما» إلى جعل أشرطة «الجريدة» ناطقة وصار اسمها «جريدة مصر الناطقة»، منذ عام 1937. وعام 1954 تغير اسمها إلى «جريدة مصر السينمائية»، واشترت حق تقديمها «الهيئة العامة للاستعلامات» التي أنشأتها حكومة ثورة يوليو 1952 ، وأصبح صدورها منتظماً، وصارت تعرض قبل الأفلام السينمائية، لتعرّف جمهور السينما إلى أخبار الدولة المصرية في المجالات كافة.

عبدالمنعم إبراهيم

هو عبد المنعم إبراهيم محمد حسن، ابن حي «الحسين» الذي برزت موهبته الفنية وهو لا يزال طالباً في المرحلة الابتدائية حيث شارك في العروض المسرحية لفرقة التمثيل في مدرسته. كذلك انضم بعد ذلك إلى فرقة مسرحية للهواة أسسها عبد المنعم مدبولي عندما كان تلميذاً في المدرسة الثانوية للصناعات الزخرفية التي تخرج فيها، ليعمل موظفاً في وزارة المالية صباحاً وفناناً على المسرح مساءً حتى التحق بمعهد الفنون المسرحية 1945. هناك تتلمذ على يد المخرج والفنان زكي طليمات، الذي ضمّه إلى فرقة المسرح الحديث بعد تخرجه في المعهد عام 1949، حيث شارك في مسرحيات عدة من بينها «مسمار جحا»، و«ست البنات» وغيرهما. عام 1955 استقال عبد المنعم إبراهيم من عمله الحكومي ليتفرغ للتمثيل في مسرح الدولة، كذلك انضم إلى «فرقة إسماعيل ياسين» التي قدّم معها مسرحيات «معركة بورسعيد، وتحت الرماد، والخطاب المفقود، وجمهوريه فرحات» وغيرها، كذلك شارك في أفلام سينمائية عدة في الأدوار الثانية، كصديق البطل وفيها تميز بشخصيته الحاضرة وبديهته السريعة حيث يفاجئ الجميع ويثير الضحك في كل لحظة بخفة ظله وحركاته من دون تصنع أو إسفاف، قبل أن يقدم البطولة المطلقة في أفلام «الأيام السعيدة، وسر طاقية الإخفاء، وسكر هانم». إلا أنه لم يستمر فيها طويلاً ليعود مجدداً إلى الدور الثاني.

شارلي شابلن

كان نجمه الثاني «شارلز سبنسر شابلن»، المولود في ضاحية «والوورث» الفقيرة في العاصمة البريطانية لندن في 16 أبريل 1889، حيث عاش طفولة فقيرة. انفصل والداه قبل أن يبلغ شابلن الثلاث سنوات، لكنه ورث عنهما موهبة الفن. كان والده مغنياً في «الميوزيك هول»، وأمه «ليلي هارلي» كانت تعمل مغنية وممثلة، لكن بسبب فقرهما عانى الصغير في طفولته، واضطر إلى العمل مع أخيه الأكبر غير الشقيق «سيدني» في مسح الأحذية. بعد سنوات، تأزمت ظروف العائلة ولم تعد والدة شابلن قادرة على رعايتهما، فقررت السلطات وضعهما في ملجأ للفقراء في «لامبث»، ليخرجا بعدها إلى الحياة ويعملا في مهن فقيرة عدة، حتى انتقل وشقيقه للعيش في أميركا. هناك وقعت عيناه يوماً على «حوزي عربة» كان يمشي مشية غريبة، فقلّدها بعدما أضاف إلى الشخصية السروال الواسع والحذاء الكبير، والسترة الضيقة إضافة إلى القبعة والعصا الشهيرة، فضلاً عن الشارب القصير، الذي غيّر من ملامح وجهه. وتقدم بهذه الشخصية إلى شركة «كيستون» للإنتاج السينمائي، فاعتمد ممثلاً، وانتجت الشركة له أفلاماً قصيرة بداية من عام 1914 من بينها «الملاكمة، المتشرد، حياة كلب، امرأة باريس»، حتى وصل إلى صناعة أفلامه الطويلة كفيلم «الصبي» عام 1921، أو «حمى الذهب». وبعد ظهور الصوت في السينما عام 1927، أخرج أفلامه وبرع فيها من دون استخدام الصوت معتمداً على الموسيقى التصويرية، لينطلق في مشواره نحو النجومية العالمية. وفي عام 1940 صنع فيلم «الدكتاتور العظيم» حيث جسد شخصية «أدولف هتلر» النازية بطريقة كوميدية وضع فيها رؤيته الخاصة عن الدكتاتورية والتسلط وحلم السيطرة على العالم ومقدراته، فسبب له الفيلم مشاكل كثيرة ووصل الأمر إلى حد إبعاده عن أميركا وانتقاله إلى سويسرا.

البقية في الحلقة المقبلة

ابن حي «السيدة زينب» أثبت براعته كلاعب كرة وأقرانه تسابقوا للعب معه

جلس نور مشدوهاً أمام ما تعرضه دار العرض من صور متحركة

شارلي شابلن وعبدالمنعم إبراهيم بوابة دخول نور إلى «البلورة السحرية»

نور تغلّب على لحظات خوفه وأدرك أهمية التعليم في حياته

اكتشف السينما وراح يبحث عن معنى كلمة «فيلم» في ظلام دور العرض
back to top