شعراوي جمعة... ذكريات زمن التحوّلات دروس «الريِّس» (1 - 15)

نشر في 27-05-2017
آخر تحديث 27-05-2017 | 00:04


شعراوي جمعة هو من دون شك أشهر وزير داخلية عربي، وأحد الأسماء الكبيرة في عصر الزعيم جمال عبدالناصر. تولى مناصب وزير الداخلية، وأمين تنظيم الاتحاد الاشتراكي، وأمين طليعة الاشتراكيين (التنظيم السري لعبدالناصر)، وأحد القوى الرئيسة في مشهد ما بعد نكسة 1967. كذلك شارك في إدارة اللحظة الانتقالية التالية على وفاة عبدالناصر، قبل أن يدخل في صدام مع الرئيس الجديد آنذاك أنور السادات، ما أدى إلى خروج جمعة من المشهد السياسي في الحركة التي وصفها السادات بـ«ثورة التصحيح» عام 1971. وانطلقت بعدها حملة ضارية ضد الرجل استمرت طوال سنوات وجوده في السجن قبل أن يرد إليه الاعتبار جزئياً بعد خروجه حتى وفاته سنة 1988.

رجل بحجم جمعة، وطبيعة المناصب التي تولاها في نظام يوليو، تجعل شهادته وذكرياته على جانب عظيم من الأهمية، كونها تكشف الكثير مما جرى وتلقي بعض الضوء على أحاديث رجال كبار في عصر التحولات الكبيرة، في وقت تمدّدت مصر حضارياً وثقافياً وسياسياً في محيطها العربي، في سنوات شهدت لحظات تاريخية مشحونة بمشاعر النصر والهزيمة والإحباط وتفرق السبل بالأصدقاء.

«الجريدة» تستعرض في هذه الحلقات بعض جوانب شهادة شعراوي جمعة وذكرياته عن الحوادث الجسام التي كان شاهداً عليها وصانعاً لها أحياناً، وتقوم الحلقات على 450 دقيقة سجلها الوزير الراحل في غضون عام 1986 لدى مركز التوثيق.

والبداية مع استدعاء جمعة بعض الذكريات التي عاصرها في حضرة الزعيم جمال عبدالناصر، فالأخير شغل العالم وأحبه المصريون، بمواقفه التي انحازت إلى البسطاء والمستضعفين في الأرض، وكان رغم إغراءات السلطة رمزاً للنزاهة، وهو أمر يتفق عليه الأعداء قبل الأصدقاء. شخص بكاريزما عبدالناصر، كان محل إعجاب يصل إلى مرحلة التقديس بين رجاله، وشعراوي جمعة لم يكن استثناء ضمن هؤلاء، فرغم فارق السن البسيط بينه وبين عبدالناصر (مواليد 1918)، فإن جمعة (مواليد 1920)، كان يتعامل معه بصفته القائد والمعلم والزعيم والأخ الكبير. يسترجع شعراوي جمعة ذكرياته قائلاً:

ما لا يعرفه كثيرون ممن لم يقتربوا من الرئيس عبدالناصر أنه شخصية محببة جداً، تشعر تجاهه بمشاعر مختلطة، لكنها حقيقية، تجد نفسك تحبه وتهابه، وتحترمه، ولا تخاف منه. تحب أن تناقشه وتتعلم منه، وليس هذا بعدما أصبح القائد والزعيم فحسب، ولكن هذه الصفات موجودة فيه منذ أن كان لا يزال ضابطاً صغيراً.

في سنتي 1949 و1950، كنتُ مدرساً في الكلية الحربية، وكان عبدالناصر مدرساً في مدرسة الشؤون الإدارية. كان هو برتبة مقدم أركان حرب، وأنا برتبة يوزباشي (نقيب)، وكنتُ أستعد في هذه الأثناء للالتحاق بكلية أركان حرب، وهي كلية تمنح درجة توازي الماجستير في العلوم العسكرية، والدراسة فيها صعبة جداً.

كنا نستمر في التحضير لخوض امتحاناتها سنتين، ندرس فيها لغتين على الأقل، ونمتحن جزءاً باللغة العربية وآخر بالإنكليزية، ونمتحن في مواد: تكتيك، وشؤون إدارية، واستراتيجيا، وشرق أوسط، ومواد أخرى كثيرة جداً، وكانت تعطي درجة علمية تؤهل الضباط للعمل العسكري والعمل المدني في مستوياته العليا.

في تلك الفترة كان الجيش ينقسم إلى ثلاثة أسلحة: مدفعية، وصواري، ومشاة، وكان أضعفها وأحدثها سلاح المشاة، وكان عبدالناصر أحد ضباط سلاح المشاة، وفكر في هذه السن المبكرة من حياته العملية في أن يشكل «فرقة» تؤهل الضباط الذين يريدون أن يدخلوا كلية أركان حرب متطوعاً، فجمع نحو 70 ضابطاً. كنا نذهب إليه مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً، ويعطينا دروساً في مادتي «التكتيك»، و«الشؤون الإدارية»، وكان يعاونه في هذه المهمة التطوعية الصاغ عبد الحكيم عامر.

كانت خلايا ضباط الأحرار في طور التكوين، وكانت ثمة حركة كبيرة في توسيع دوائر المنضمين إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكنت صديقاً للأخ حمدي عاشور الذي كان ضابطاً معي في الكلية الحربية، وكنا ندرس معاً في كلية أركان حرب، وهو عرفني إلى البكباشي جمال عبدالناصر، وجندني في خلية الكلية الحربية بتنظيم الضباط الأحرار.

لم يكتف عبدالناصر بإعطائنا الدروس ضمن مجموعة السبعين، بل وجدت نفسي بعد انضمامي إلى التنظيم ضمن مجموعة من صغار «الضباط الأحرار»، يعطيهم عبدالناصر دروساً إضافية في منزل الضابط حمدي عاشور الذي كان يقطن في شارع مصر والسودان، وكان اسمه يومذاك شارع الملك.

وكان حمدي عاشور يسكن في الطابق الخامس، ولا يوجد مصعد، وكان عبدالناصر يحضر إلينا في هذا المنزل ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً، يشرح لنا المواد المؤهلة للدخول إلى كلية أركان حرب، وكان ينزل بعد أن ينتهي معنا ليذهب إلى مجموعات أخرى يؤهلهم للثورة، وللترقي في العلم والعمل.

أستاذية عبدالناصر

كان يريد ضباطاً أكفاء مؤهلين على أعلى درجة من العلم، ولهم مكانتهم في الوقت نفسه، كي يشركهم معه في العمل التمهيدي لثورة 23 يوليو، وما زلت أذكر سعادته واحتفاءه بالناجحين منا، وكان هو أول المهنئين بدخولي كلية أركان الحرب. نجحنا في القبول بكلية «أركان حرب»، ونُقل عبدالناصر من التدريس في كلية «الشؤون الإدارية» إلى التدريس في كلية «أركان حرب»، والمدرس بهذه الكلية له من السلطات ما يمكن أن يضيع مستقبل أي طالب، يعني إذا قال: هذا الطالب لا يصلح، فلن يدخل الامتحانات، وتضيع عليه المدة التي أداها في الدراسة، ويرفض من الكلية، ولا معقب على كلام المدرس بالكلية.

توزعنا على مجموعات، وتم تسكيني في إحدى هذه المجموعات، وكنت أنا ضابط المشاة الوحيد فيها، وكنت عائداً من إنكلترا وكان تخصصي في «التكتيك»، خصوصاً «تكتيك المشاة - الوحدات الصغيرة»، وكان معي ضابط من سلاح «الفرسان» له صلة بالمشاة، ومجموعة أخرى من بقية الأسلحة، وكان عندنا مشروع على الأرض، وكان قائد المجموعة، أو أستاذها جمال عبدالناصر. كان المطلوب أن نعد مواقع سرية مشاة، وهي عبارة عن 100 عسكري، مقسمة إلى ثلاثة أقسام أو ثلاث فصائل، وكل فصيلة نحو 30 عسكرياً، وهذا عملي وهو تخصصي.

قال عبدالناصر: «شعراوي يطلع يعين على الأرض مواقع الفصائل»، فطلعت وعينت المواقع على الأرض، وتناقشنا فيها ووافق الجميع على ما فعلته، ما عدا ضابط «السواري»، فوجئنا به يقول لعبدالناصر: يا حضرة اليوزباشي أنت بتحابي شعراوي جمعة.

فقال له: أحابيه ليه؟

قال له: لأنك أنت مشاة وهو مشاة أنت بتحابيه وطلعته هو يختار المواقع ويتدرب وتمنعنا من المشاركة في التدريب مثله.

هذا اتهام من طالب لأستاذه، ويستطيع هذا الأستاذ أن يضيع الطالب، ويقضي على مستقبله بكلمة، ولكنا فوجئنا بجمال عبدالناصر يقول: هنتكلم في الموضوع ده بعد الظهر لما نرجع إلى الكلية لمناقشة ما نفذناه اليوم.

وحين دخلنا إلى قاعة الدرس في الكلية قال عبدالناصر لضابط «السواري»: يا فلان أنت اتهمتني بكذا وكذا، ولكن أنا سأوضح لك أنا ليه اخترت شعراوي جمعة، مع إني غير مكلف أني أشرح لك، وقال له: الموضوع كذا وكذا وأنت أخطأت وأنا لن أعاقبك، ولكن كل ما أرجوه هو أن تدرك أنك رجل عسكري يبقى لازم تفكر بما تريد مناقشته، خصوصاً إذا كان الذي تناقشه في مستوى أكبر، أو أعلى منك...

خرج عبدالناصر بعدما أعطانا أحد أهم الدروس، وهو كيف يحتوي القائد المعلم أي شخص. وأذكر أن زميلنا هذا ذهب إلى «الريس» وتأسف له وظل طوال عمره يحمل هذا الجميل للمقدم أو «الأستاذ».

تسييس الشرطة

ظلّ شعراوي جمعة يحمل المشاعر نفسها تجاه عبدالناصر حتى آخر يوم عمل معه في سبتمبر 1970، وهو يتذكر لحظة تكليفه بمهمة وزارة الداخلية ولا ينسى تفاصيلها أبداً، إذ يقول:

حين كلفتُ بالوزارة، كان مع التكليف توجيه من الرئيس بأن الواجب الأساسي لي هو «تسييس الشرطة». كان معنى ذلك أن توضع الشرطة أفراداً وإمكاناتٍ في خدمة الجماهير، يعني وضع شعار: «الشرطة في خدمة الشعب» موضع التطبيق العملي، وأن ينفذ بكل صدق وبإحساس. وأذكر الرئيس عبدالناصر وهو يقول لي: «أنت ماسك تنظيم طليعة الاشتراكيين، وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى وزارة الداخلية، وأنت تمثل أمامي سكرتير الحزب، ومن الضروري أن نربط بين شقي النظام السياسي والأمني».

كنت أدرك أن الشرطة في الحقيقة تمثّل دائماً وباستمرار عنواناً للنظام، فهي على احتكاك يومي مع الجماهير، وهي التي يناط بها تقديم خدماتها المختلفة للناس، وهي تعبر بصدق عما إذا كان هذا النظام ثورياً أو غير ثوري. كان لا بد من تقدير موقف سريع، كي أضع خطة التحرك في ضوء هذا التوجيه، وقررت أن يكون التحرك في دوائر ثلاث:

الدائرة الأولى: أن أبدأ بالتحرك مع الضباط وبينهم، وثمة نواحٍ عدة لهذا التحرك، أولاً: الوعي السياسي، ولذلك كان إنشاء معهد تدريب الشرطة، وخُصِّص جزء من المحاضرات للتدريب السياسي والوعي السياسي، وثانياً: العامل الإنساني، كي يشعر كل ضابط داخل الشرطة بأن ظهره مَحمٍ وهو يقوم بواجبه لتحقيق العدالة، يعني لا استثناءات ولا وساطة ولا محسوبية، وكل إنسان يُكافأ بالعمل الذي يؤديه، فإذا جمعنا العدالة مع العامل الإنساني والوعي السياسي، أمكن للضباط أن يتحركوا بنجاح نحو الهدف الذي رسمته.

الدائرة الثانية: وهي ضباط الصف والجنود، وكان هدفي أن آخذ الدائرة الأولى وندخل جميعاً، ضباط الشرطة وأنا، إلى هذه الدائرة المهمة جداً، التي هي في الحقيقة عصب الشرطة، وتتمثل في ضباط الصف والجنود، وأعترف أنه لا أحد في قيادة جهاز الشرطة كان ينظر إلى الشرطي النظرة الصحيحة، بل كانت الجزاءات كثيرة، وكان ثمة إهمال في المعاملة، وغابت الرعاية الاجتماعية، كذلك، لم يكن يتوافر، وهذا مهم جداً، إحساس بالصلة بين القيادة في أعلى درجاتها، وبين الجندي في آخر السلم، أو في نهاية المستويات.

لذلك قررت أن يكون كل اجتماع مع رجال الشرطة في صورة ثلاثة لقاءات، الأول مع الضباط منفردين، ثم لقاء مع ضباط الصف، ومن بعده لقاء مع الجنود منفردين، كي يتحدثوا إلى بعضهم بعضاً وإليّ بصدق وبإخلاص وصراحة من دون حرج أو خوف.

سؤال ونجاح

كان يلح عليَّ في تلك الفترة سؤال ظلّ يؤرقني طويلاً وهو: كيف نتخلص من العقدة بين الضابط وبين الجندي؟ أو بمعنى أصح كيف نقضي على التعالي الوظيفي الذي ينال من كبرياء العسكري، ويجعله باستمرار في حالة خوف ورهبة من الضابط؟ كنت أتصور أن من المفروض أن يحل الحب والاحترام محل هذا الخوف وتلك الرهبة، وأقول بكل تواضع إننا نجحنا في هذا نجاحاً كبيراً.

بعدما استطعت أن أتحرك مع الضباط وأخذتهم إلى دائرة الجنود والأفراد، كان علينا أن نتوجه جميعاً إلى الدائرة الأوسع، الدائرة الثالثة، وهي دائرة الاتحاد الاشتراكي، فنجري أحاديث ونعقد لقاءات مع قيادات الاتحاد الاشتراكي، وكنت خلال زياراتي كوزير للداخلية إلى مقر الاتحاد الاشتراكي أصطحب معي مدير الأمن، وكانت تتمّ اللقاءات بين قيادات الداخلية وقيادات الاتحاد الاشتراكي في إطار متبادل من الاحترام والتقدير، ورتبنا العلاقة بيننا على أساس أن الاتحاد الاشتراكي قد يخدم الشرطة بإيجاد علاقة طيبة بينها وبين الجماهير، وأن تقوم الشرطة بالتخديم على الاتحاد الاشتراكي في أن تؤدي خدمات طيبة لجماهير الاتحاد.

حشود سورية

وأحد المواقف العصية على النسيان التي عشتها مع الرئيس عبدالناصر والتي لا تمحى من ذاكرتي ما جرى في سورية في نهايات سنة 1959. أثناء وجودنا في دمشق، شاهدت ما لم يشاهده إنسان على وجه الأرض، حشود من المواطنين، رجال ونساء وأطفال، يبيتون أمام قصر الضيافة، ثلاثة أيام متتالية، وشاهدت بعيني في حلب وحماة، كيف رفعت الجماهير سيارة جمال عبدالناصر، والناس محتشدة في طوفان من المحبة يحيط به.

في أحد الأيام التي كان فيها الرئيس في دمشق، ونحن برفقته، حضر المارشال تيتو في زيارة إلى سورية. آنذاك، كنتُ أعمل في المخابرات العامة. كنا نجلس في قصر الضيافة، وإذا بحراس تيتو ومخابراته يقولون إنهم لا يصدقون أن هذا الحشد كله لجمال عبدالناصر حقيقي، وقالوا: «أنتم كأجهزة تجمعون الناس وتحشدونهم، لأنه لا يمكن أن تتجمع هذه الجماهير كافة، ويسير عبدالناصر بينهم من دون حراسة».

حاولنا إقناعهم أن هذا الكلام ليس حقيقياً، لكنهم لم يقتنعوا، وفي صباح اليوم التالي، كان من المقرر أن نتحرك فجراً، ونذهب إلى اللاذقية بالسيارات مباشرة، ومنها يغادر المارشال تيتو سورية. وتحركنا نحو 50 كيلومتراً باتجاه اللاذقية، وإذا بعاصفة ثلجية شديدة لم نكن نتوقعها، ولا الأرصاد الجوية توقعتها، واشتدت لدرجة أن السائق لم يستطع السير من كثرة الثلج، وكنا على مشارف قرية تبعد نحو 40 أو 50 كيلومترا عن مدينة حمص السورية، فنزل الرئيس ومعه المارشال تيتو، ونحو أربعة أشخاص آخرين، ودخلنا منزل أحد الفلاحين الذي بادر أهله بإحضار الشاي، وجلسنا نشربه.

فجأة، وتحت هذا الثلج المنهمر، والسيل الكبير، خرجت القرية جميعها، سيدات ورجال وأطفال، لترحب بجمال عبدالناصر وضيفه المارشال تيتو، فقرر الأخير أن نسير في اتجاه حلب بدل التوجه إلى اللاذقية، وانتشر خبر وجود عبدالناصر، إلى أن وصلنا إلى حلب، والجماهير لا يمكن وقف حشودها، ولا يمكن وصف مشاعرها.

قرر المارشال تيتو تأجيل موعد مغادرته إلى اللاذقية، ومكثنا في حلب، والحشود الجماهيرية المتوافدة تزيد على مدار الوقت، نظرنا إلى اليوغسلافيين في أعينهم نظرة ذات مغزى ومن دون تعليق، وأقروا واعترفوا، وقالوا: حتى لو أردتم فلن يمكنكم أن تجمعوا هذا الحشد الضخم. بهذا الفيض من المشاعر وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية، كانت تلك الأيام من أمجد تواريخ الأمة العربية، ولسـت أشك لحظة في أن نكسة الانفصال الذي جرت عام 1961 كانت المقدمة الطبيعية لما جرى بعدها بست سنوات في نكسة 1967.

وفاة رياض

في 9 مارس 1969، تٌوفي عبدالمنعم رياض، وكان رئيس أركان حرب القوات المسلحة بعد النكسة، وأحد أكفأ الضباط في العمليات وإدارة المعارك. تلقينا الخبر ونحن جالسون في اجتماع مجلس الوزراء، حيث استلم الرئيس ورقة، نظر فيها ثم أعطاها لفوزي، ثم غادر الأخير بعدها فوراً، فسألنا ماذا حدث؟

واتضح أن عبد المنعم رياض، كان يعاين موقعاً من مواقع العمليات في الضفة، وبعد ذلك سقطت قنبلة وانفجرت إلى جواره، واستشهد. أقيمت جنازة عسكرية شعبية له في اليوم التالي من ميدان التحرير، وحفاظاً على الأمن أمرت بنزول نحو 10 آلاف عسكري من جنود الأمن، لأن الجنازة ستسير من ميدان التحرير إلى جامع شركس، وسيشارك فيها الرئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء.

سارت الجنازة في طريقها المرسوم، وتوجهنا من ميدان التحرير إلى أول شارع قصر النيل، وهناك هجمت الجماهير، وذاب الـ 10 آلاف عسكري وسط الجموع الغفيرة التي ملأت الميدان وما حوله من شوارع، وأصبح عبدالناصر وسط الجماهير، وأثناء سيره، جاء إليه من يقول، بعدما غادر أعضاء مجلس قيادة الثورة الجنازة: «تفضل يا سيادة الرئيس من الجنازة، لأننا لن نستطيع السيطرة عليها»، فإذا به يغضب جدا، وأشاح بوجهه عنه، وواصل السير في الجنازة.

كنا عام 1969، بعد النكسة، وبعد التظاهرات عام 1968، وكانت الأجواء متوترة بما يكفي، وكانت حرب الاستنزاف في أوجها، ثم استشهد الفريق رياض، فنزل جمال عبدالناصر وسط شعبه ليس بينه وبينهم حُجَّاب، من دون شرطة أو جيش أو أية حماية، وهذه كانت أسعد لحظات جمال عبد الناصر.

حمدي عاشور جندني في تنظيم الضباط الأحرار وعرفني إلى جمال عبدالناصر

كنتُ ضمن مجموعة من صغار «الأحرار» الذين أعطاهم البكباشي دروساً خصوصية

كنتُ ضمن مجموعة من صغار «الأحرار» الذين أعطاهم البكباشي دروساً خصوصية

الانفصال بين مصر وسورية في 1961 كان مقدمة لما جرى في نكسة 1967
back to top