مسلحون يستهدفون حافلة تقل أقباطاً في المنيا ويقتلون 28

• 10 إرهابيين ملثمين نفذوا المجزرة على طريق دير الأنبا صموئيل وفروا إلى الصحراء ومعظم الضحايا أطفال
• الأزهر والكنيسة يطالبان الشعب بالوحدة... والسيسي يترأس اجتماعاً أمنياً مصغراً وإدانات دولية وعربية

نشر في 27-05-2017
آخر تحديث 27-05-2017 | 00:04
استيقظ المصريون أمس على نبأ بدد فرحة استقبال شهر رمضان الكريم، إذ قتل ما لا يقل عن 28 مسيحياً وأصيب 26، معظمهم من الأطفال، في هجوم إرهابي استهدف حافلة كنسية في طريقها إلى دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا (جنوب القاهرة)، وهو الهجوم الذي يأتي عقب تحذير السفارة الأميركية بالقاهرة لرعاياها من قرب حدوث هجوم إرهابي في مصر.
قبيل حلول شهر رمضان المعظم، ورغم حالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ نحو شهرين، استهدفت عناصر إرهابية حافلة تقل أقباطاً بينهم أطفال كانوا في طريقهم للصلاة في دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا، صباح أمس الجمعة.

وأطلق الإرهابيون النار على الحافلة مما أسفر عن مقتل 28 مسيحيا وإصابة 26 آخرين أغلبيتهم من الأطفال، وسط مخاوف من تصاعد وتيرة العمليات التي تشنها التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها "داعش" ضد المسيحيين في مصر بصورة تهدد السلام الاجتماعي.

اقرأ أيضا

10 مسلحين

مصدر أمني قال لـ"الجريدة" إن عشرة من الإرهابيين الملثمين أطلقوا النار على حافلة كنسية تقل أقباطا كانوا في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل بالطريق الصحراوي الغربي بمركز مغاغة بمحافظة المنيا (صعيد مصر)، مما أسفر عن مقتل 28 مسيحيا معظمهم من الأطفال، وإصابة 26 آخرين، في حين نجا أربعة أطفال من الهجوم، لافتا الى أن الإرهابيين أطلقوا النار على سيارة ربع نقل كانت تقل 16 عاملاً في طريقهم إلى الدير ذاته، ورجح المصدر أن تكون هذه العناصر على صلة بالخلية الإرهابية التي هاجمت الكنائس خلال الأشهر القليلة الماضية، متوقعا أن يتم تجديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر جديدة.

الهجوم الخامس

ويعد هجوم المنيا الإرهابي الخامس من نوعه، والذي يستهدف تجمعات قبطية بعد تفجير استهدف الكنيسة البطرسية في القاهرة، ديسمبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 29 قبطيا، واستهداف سبعة أقباط في العريش مما استدعى نزوح مئات الأسر المسيحية من سيناء إلى الداخل المصري، إضافة إلى هجومين على كنيسة مار جرجس بطنطا ومار مرقس بالإسكندرية أبريل الماضي، أسفرا عن مقتل نحو خمسين شخصا معظمهم من الأقباط، وأعلن "داعش" استهدافه الأقباط منذ فبراير الماضي.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان مقتل 28 مسيحيا وإصابة 26 آخرين في هجوم المنيا الإرهابي، وقال رئيس هيئة الإسعاف الدكتور أحمد الأنصاري إنه تم نقل جثث القتلى والمصابين إلى مستشفى مغاغة بواسطة 25 سيارة إسعاف لتلقي الإسعافات الأولية، وأشار إلى أن وزير الصحة أحمد عماد الدين، أمر بنقل الحالات الحرجة من المصابين إلى معهد ناصر الطبي بالقاهرة، وكلف برفع درجة الاستعدادات القصوى وتوفير الأطقم الطبية والاستشاريين بجميع التخصصات الطبية لعلاج المصابين.

وكشف بعض المصابين عن تفاصيل الحادث بالقول إنه أثناء توجه الحافلة الكنسية وعلى متنها نحو 46 راكبا، معظمهم من الأطفال، ومعها سيارة ربع نقل كانت تقل 16 عاملا في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل، وعندما وصلوا إلى طريق فرعي يوصل إلى الدير، هاجمهم 10 ملثمين يستقلون سيارتين دفع رباعي، وأطلقوا النيران على الجميع، وبعدما أنهوا مهمتهم غادروا المكان قبل أن تصل القوات المصرية.

دعوة السيسي

وبينما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، لاجتماع مجلس أمني مصغر لبحث تداعيات الحادث، قال مساعد وزير الداخلية لقطاع شمال الصعيد، اللواء ناصر العبد، لـ"الجريدة": "أجهزة الأمن تواجدت في موقع الحادث الإرهابي فور علمها به، وتم الدفع بالقوات لتمشيط المنطقة الصحراوية المحيطة بالموقع لملاحقة العناصر الإرهابية".

بدوره، كلف النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق، فريقا من محققي نيابة شمال المنيا الكلية بسرعة مباشرة التحقيقات في الحادث الإرهابي، وأمر النائب العام، أجهزة الأمن المختلفة بسرعة إجراء التحريات اللازمة للتوصل إلى هوية الجناة، في حين انتقل المحامي العام لنيابة شمال المنيا الكلية، المستشار أسامة عبدالمنعم سالم وفريق من أعضاء رؤساء وكلاء النيابة العامة إلى مكان الحادث لمعاينة الموقع.

وحدة الصف

الكنيسة الأرثوذكسية المصرية عبرت في بيان لها أمس، عن ألمها لهذا الاعتداء الآثم، وأضافت: "نواسي كل هذه الأسر المجروحة، ونتألم مع كل الوطن لهذا العنف والشر الذي يستهدف قلب مصر ووحدتنا الوطنية التي هي أثمن ما نملكه، ونحفظه ونحميه"، وقالت الكنيسة المصرية إنها تأمل اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تفادي خطر هذه الحوادث التي تشوه صورة مصر.

ودان شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، الحادث الإرهابي، مؤكدا في بيان رسمي أنه حادث "لا يرضى عنه مسلم ولا مسيحي، ويستهدف ضرب الاستقرار في مصر"، مطالبا المصريين أن يتحدوا جميعا في مواجهة هذا الإرهاب الغاشم، في حين دان مفتي الديار المصرية، شوقي علام، الحادث، مشددا على أن منفذيه خونة خالفوا كل القيم الدينية والأعراف الإنسانية.

إدانات محلية ودولية

ودان رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل الحادث الإرهابي الغادر وقدم خالص التعازي في ضحايا الحادث الإجرامي، متمنياً للمصابين الشفاء العاجل، وأكد في بيان عزم الدولة، حكومة وشعبا، على التصدي بكل قوة لتلك الأفكار والأعمال الإرهابية والقضاء عليها.

بينما حذر مجلس النواب المصري من أن الحادث الإجرامي الخطير يهدف إلى النيل من قوة ومتانة النسيج الوطني، وأصدر العديد من نواب البرلمان بيانات إدانة وأعدت النائبة مارجريت عازر بيانا عاجلا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بشأن الحادث، مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات تأمينية لحماية الفئات المستهدفة.

وتوالت الإدانات العربية والدولية المنددة بالحادث، إذ تقدم الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، بخالص التعازي والمواساة لأسر الضحايا، ودانت دول روسيا السعودية والبحرين والإمارات الحادث، في حين بعث أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، برسالة تعزية إلى الرئيس السيسي، أعرب فيها عن خالص تعازيه، متمنيا الشفاء العاجل للمصابين.

التحذير الأميركي

كانت السفارة الأميركية بالقاهرة أصدرت الأربعاء الماضي، بيانا تحذيريا لرعاياها في مصر من هجوم إرهابي وشيك، بعد علمها بوجود تهديد محتمل وفقا لما نشره تنظيم "حسم" الإرهابي على الإنترنت، وقالت السفارة في بيانها إنها لا تمتلك أي معلومات أخرى حول هذا التهديد المحتمل، ولكنها على اتصال بالسلطات المصرية، وستقدم معلومات إضافية إذا توفرت، وفعلت السفارة إجراءات السلامة المتعلقة بتجنب رعاياها السفر إلى سيناء والصحراء الغربية التي وقع بالقرب منها الهجوم الإرهابي أمس.

المفكر القبطي كمال زاخر، قال لـ"آخر ساعة"، إن هناك خللا داخل الأجهزة الأمنية المصرية، التي كان يجب أن تتعامل بجدية مع تحذير السفارة الأميركية، وأن تعلن الاستنفار الأمني وتكثف من وجودها في الطرق الرئيسية تحسبا لأي هجوم، بينما رأى الخبير الأمني اللواء محمود قطري، أن بيان السفارة الأميركية يؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك معلومات كان يجب أن تشاركها مع الجانب المصري.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، حلل خطورة الحادث قائلا لـ"الجريدة": ان "الحادث خطير لأنه يأتي ضمن سلسلة حوادث ممنهجة تستهدف الأقباط في مصر، وتعمل على إظهار النظام المصري بمظهر ضعيف في حماية أقلية مهمة مثل المسيحيين، فالجماعات الإرهابية تريد أن توصل رسالة للعالم كله عبر استهداف الأقباط بعدم كفاءة النظام المصري، ومن هنا يجب أن ننتبه لهذا الخطر الأمني ونضع خطة متكاملة للتعامل معه".

المنيا... تاريخ طويل من المواجهات الطائفية

تعد محافظة المنيا (240 كم جنوب القاهرة)، واحدة من أكثر المحافظات في مصر التي يتعرض فيها الأقباط لمواقف صعبة، سواء بسبب الهجمات الإرهابية التي تكثفت بعد ثورة 30 يونيو 2013، أو الاحتكاكات الطائفية، التي جعلت المحافظة التي تضم 12 في المئة من عدد المسيحيين في مصر تتصدر المحافظات المصرية في حوادث الاحتقان الطائفي في عام 2009.

وبعد فض قوات الأمن لاعتصامي أنصار جماعة "الإخوان" الإرهابية في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالعاصمة، خرج أنصار الجماعة لمهاجمة الكنائس في مختلف محافظات الجنوب المصري، ونالت المنيا النصيب الأكبر، إذ تم حرق 50 كنيسة في أحداث الشغب، فضلا عن مقتل 20 قبطيا أثناء محاولتهم الدفاع عن ممتلكاتهم وكنائسهم، وأعلنت عناصر إخوانية قرية دلجا بمحافظة المنيا إمارة إسلامية في سبتمبر 2013، لكن قوات الأمن نجحت في القضاء على العناصر الإرهابية بها.

وشهدت المنيا في الأعوام القليلة الماضية أزمات طائفية عنيفة، أبرزها قيام مجموعة من المتعصبين دينيا بتجريد سيدة مسيحية تبلغ 70 عاما، من ملابسها، للانتقام من ابنها الذي ارتبط بعلاقة عاطفية مع سيدة مسلمة، وهاجم نحو 300 متشدد منازل جيرانهم المسيحيين في قرية الكرم بالمنيا، في محاولة منهم للفتك بالشاب الذي فر هاربا، لكن أمه سقطت في يد المتشددين الذين جردوها من ملابسها، وتم الكشف عن واقعة في مايو 2016، فيما شهدت قرية كوم اللوفي أكثر من أزمة طائفية بسبب الخلاف حول تحويل مسيحي منزله إلى كنيسة.

6 مشاهد من المجزرة

روى شهود عيان ومصابون تفاصيل الحادث الإرهابي الذي وقع صباح الجمعة في محافظة المنيا، بجنوب مصر، وأدى إلى مقتل 28 قبطياً. ويمكن تلخيص الروايات في 6 مشاهد كالتالي:

المشهد الأول

سيارتان تتجهان إلى دير الأنبا صموئيل في البر الغربي لمحافظة المنيا بين مدينتي مغاغة والعدوة، الحافلة الأولى تقل أقباطاً، غالبيتهم من الأطفال، في رحلة قادمة من محافظة بني سويف للدير، ويتواجد بها ما لا يقل عن 45 راكباً، والثانية سيارة ربع نقل تقل ما يبلغ عددهم 16 عاملاً من نزل حنا وقرية الجرنوس بالمنيا.

المشهد الثاني

مجموعة مكونة من 10 ملثمين يستقلون سيارتين، يعترضون طريق الحافلتين في المدق المؤدي للدير عند هضبة أم طرطور، ويفتحون نيران بنادقهم الآلية على السيارتين، بل يهبط بعضهم ويتجه للحافلة الأولى ويواصل إطلاق النيران على الضحايا وغالبيتهم من الأطفال، فيما يقوم آخر، بحسب روايات بعض المصابين، بتصوير العملية كاملة بالفيديو.

المشهد الثالث

يفر الجناة بعد التأكد من إيقاع أكبر عدد من الضحايا، فيما ينجو 3 أطفال هم بيشوي ميلاد واصف، وفادي وائل عازر، وأمير وائل عادل.

المشهد الرابع

صرخات المصابين تملأ جنبات المكان، وتصل إلى مسامع بعض العاملين بالدير الذين يسرعون لإغاثتهم، ثم يصل إليهم ضابط شرطة من قوة تأمين الطرق التابع لمحافظة المنيا، وهو أول من أبلغ عن الحادث للأمن المصري وبدأ في استدعاء القوات وسيارات الإسعاف.

المشهد الخامس

دقائق معدودة وتصل قوات الأمن، على رأسهم اللواء فيصل دويدار، مدير الأمن بالمنيا. وتسارع القوات بتطويق المكان وإغلاق المداخل والمخارج في كافة ربوع محافظة المنيا، فيما تصل سيارات الإسعاف وتقوم بنقل المصابين لمستشفيات العدوة ومغاغة. وتطلق المساجد والكنائس نداءات للتبرع بالدم.

المشهد السادس

الإرهابيون تركوا ورقة مكتوباً عليها "صوماً مقبولاً" داخل الحافلة، بحسب رواية شاهد عيان، وسلمها لأجهزة الأمن التي بدأت على الفور في تمشيط المنطقة وتطويق المناطق الجبلية المحيطة بها بعد تزايد احتمالات اختباء الجناة بها.

الهجوم الإرهابي جاء بعد أيام من تحذير للسفارة الأميركية من هجوم إرهابي وشيك
back to top