«بياض الثلج والأقزام السبعة» ينقلن تلميذات مدينة سورية محاصرة.. إلى عالم من الخيال

بأداء 13 تلميذة على خشبة مسرح أعد خصيصاً للعرض

نشر في 26-05-2017 | 14:16
آخر تحديث 26-05-2017 | 14:16
في دوما المحاصرة قرب دمشق، تجسد مجموعة من الفتيات شخصيات بياض الثلج والأقزام السبعة على مسرح مدرستهن، في مغامرة تنقلهن إلى عالم السحر والخيال الذي لم يجد طريقه منذ زمن إلى مدينة أنهكتها الحرب.

داخل إحدى قاعات التدريس، تعرض 13 تلميذة قصة بياض الثلج الشهيرة للأخوين غريم على خشبة مسرح أعد خصيصاً للعرض، بعد أشهر من التحضير والتدريب على التمثيل وأداء الأدوار باللغة الإنكليزية.

حين تستشيط زوجة الملك التي تتملكها الغيرة من جمال بياض الثلج غضباً يسود الصمت في القاعة. تدس لها السم في التفاحة فيتعاطف الجمهور معها. يعطس أحد الاقزام، فيقهقه الحاضرون كالأطفال.

بثوب أزرق فوقه رداء أسود وزنار أحمر، تؤدي الطفلة أفنان (10 سنوات) دور الملكة الشريرة بكل جدية. تقف مرارا أمام المرآة لتسألها عن الأجمل في القصر.

وتقول أفنان وهي تضع تاجا مرصعا فوق حجابها الأسود "عندما أمثل أنسى الجو الذي نعيشه في دوما وأشعر بالسعادة والفرح والأمل".

قبل شهر تقريبا شكلت دوما، معقل الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ العام 2012، مسرحا للقصف والغارات بشكل يومي. وغالبا ما تسبب القصف بمقتل أطفال وهم يلعبون أو أثناء وجودهم في المدارس أو في الأسواق مع عائلاتهم.

وأفنان نفسها نجت من الموت ذات مرة حين سقط الركام عليها إثر قصف طال منزل الجيران في الطابق الأعلى.

إلا أن وتيرة القصف تراجعت كثيرا منذ توقيع مذكرة أستانا في الرابع من الشهر الحالي والتي نصت وفق ما أعلنت موسكو، حليفة دمشق، على إنشاء أربع مناطق "تخفيف التصعيد" في ثماني محافظات سورية تتواجد فيها فصائل المعارضة، بينها منطقة الغوطة الشرقية.

واستغلت أفنان وزميلاتها هذا الهدوء لتقديم المسرحية أكثر من مرة خلال هذا الأسبوع، في نشاط مدرسي قد يكون عادياً في أي مكان في العالم.

لكن أثناء تقديم أحد العروض، سقطت قذيفتان على أطراف المدينة، وصل صداهما إلى القاعة التي غصت بالحاضرين، مذكرة بالحرب التي لم تسلم منها المدينة وأطفالها.

وتقول إحدى المدرسات لفرانس برس "لا يعرف الأطفال في دوما إلا هذا الجو، القصف بالنسبة لهم أمر طبيعي".

خلال العرض وقبله، تتصرف الفتيات كالمحترفات. يتأكدن من الديكور والمايكروفونات وأزيائهن المتقنة. كما يراجعن أدوارهن ويؤدين مشاهد معينة باللغة الإنكليزية التي كان التحدث بها بطلاقة تحديا كبيرا.

وتقول أفنان "وجدت صعوبة في تعلم اللغة الإنكليزية ولكني والحمدلله حفظت دوري جيداً".

وتؤدي زميلتها أمل الكردي (8 سنوات)، دور أحد الأقزام السبعة. ترتدي قميصا وقبعة بنية اللون وتضع لحية بيضاء.

وتوضح لفرانس برس "قمت بدور القزم عاطس" قبل أن تضيف بحماس "تعلمنا اللغة الإنكليزية والشجاعة وألا نخاف من التحدث أمام أحد".

وعرض بياض الثلج والأقزام السبعة هو الثالث في هذه المدرسة بعد عرضين سابقين في العامين الماضيين وفق ما يقول المشرفون عليه.

ويقول رئيس دائرة التعليم الأساسي في مدينة دوما والمشرف على تنفيذ النشاطات ياسر الأسعد لفرانس برس عرضت "ليلى والذئب قبل عامين والحسناء والوحش العام الماضي وهذه السنة بياض الثلج والاقزام السبعة".

من خلال تجسيد هذه القصة الخرافية الشهيرة باللغة الإنكليزية، ترغب المدرسة وفق الاسعد بتوجيه "رسالة إلى البشرية جمعاء بأن الطفل في سوريا قادر على الإبداع وقادر أن يخاطب بحضارته حضارات العالم الأخرى".

خلف الكواليس، كانت المعلمة المشرفة على التدريب ومخرجة المسرحية تراقب طالباتها أثناء العرض. لكنها لم تشأ التحدث بسبب حدادها على زوجها الذي قتل قبل أيام برصاصة طائشة خلال معارك داخلية بين الفصائل المقاتلة.

مع قبعة حمراء على رأسها ولحية بيضاء، تجسد حلا (10 سنوات)، دور القزم السعيد. وتقول "أنا القزم +هابي+ وانا سعيدة وفرحة دائما".

وتضيف بخجل "أحببت التمثيل لأن فيه الكثير من المرح والنشاط.. ويجعلنا أقوياء".

تُجمع الفتيات على أن العبرة من العرض المسرحي هو أن "الجمال الحقيقي هو جمال القلوب والأرواح وليس في المنظر الخارجي". وتقول ريحانة نعمان (11 سنة) التي تؤدي دور بياض الثلج الفاتنة الجمال "أرادت الملكة الشريرة أن تقتلني لكن الأمير أنقذني من الموت".

ويخشى أطفال دوما الذين ترعرعوا في ظل الحصار وتحت القصف الموت الحاضر في مدينتهم ويلاحقهم حتى المدرسة.

ويعيش ثلاثة ملايين طفل على الأقل في مناطق حرب في سوريا ويواجهون يوميا القصف الجوي والقذائف، في نزاع بدأ عامه السابع متسببا بمقتل أكثر من 320 ألف شخص.

وتروي دانية (11 عاما)، التي تؤدي مع زميلتها دور الراوية في المسرحية، تجربة قاسية عاشتها قبل عام ونصف العام، حين استهدف صاروخ مدرستها القريبة من المدرسة التي عرضت المسرحية فيها.

وتقول "كانوا ينقلوننا من صف إلى آخر خلال الدوام. فجأة سقط صاروخ في المدرسة، استشهدت المديرة ورأيت البنات والدماء أمامي على الارض".

وحذرت منظمة "سايف ذا تشيلدرن" في تقرير في شهر مارس من أن "خطر وجود جيل مكسور وضائع بفعل الصدمات والتوتر الشديد، لم يكن كبيراً كما الآن".

ويرى المدرّسون أن تدريب التلاميذ على عروض مسرحية يشكل متنفساً للطرفين معاً.

ويقول الأسعد "رغم الأوجاع والحصار نحن قادرون على الإبداع وأن نصنع الأمل رغم الألم، وقادرون على أن تنبت أزهارنا من الصخور".

back to top