د. عمر الدوسري و«المسألة الاجتماعية في الكويت» (9 من 10)

نشر في 25-05-2017
آخر تحديث 25-05-2017 | 00:15
 خليل علي حيدر تحتاج "كتلة القبائل" في الكويت، كما يطلق عليها د. عمر الدوسري في إطار دراسته "المسألة الاجتماعية"، إلى الكثير من البحوث، وبخاصة التاريخية والثقافية منها، أما ما يركز عليه الباحث في هذا الفصل فهو تطور نمو هذه "الكتلة" وبروز دورها السياسي، وعلاقتها بالمؤسسة التشريعية والتنفيذية منذ الاستقلال.

يعتبر د. الدوسري أبناء القبائل بمثابة "قوة نائمة" في بداية الحياة البرلمانية عام 1962 ويقول: "كانت كتلة القبائل تمثل أضعف الجماعات الاجتماعية في الحياة السياسية الكويتية في ذلك الوقت، ومع تطور المجتمع الحديث، واتساع الخريطة الاجتماعية للمشاركة السياسية التي أصبحت تضم، إلى جانب التجار، جماعات ذات توجهات أيديولوجية من المتعلمين الكويتيين"، مع هذا التطور "أصبح أبناء القبائل إحدى القوى الهامشية التي جرى الاستعانة بها أو اللجوء إليها لضمان الأغلبية الحكومية في البرلمان".

ويضيف الباحث أن الوثائق البريطانية في عام 1975 أشارت إلى ذلك "حين ذكرت أن الحكومة الكويتية لجأت إلى منح الجنسية لأبناء الخليج، وبخاصة أبناء البادية من أجل مواجهة بعض القوى المعارضة في البرلمان الكويتي، ولهذا ظل أبناء القبائل متمسكين بولائهم المطلق لأسرة آل الصباح". ويضيف مقتبساً عن رسالة دكتوراه للباحث "جاسم جرخي" The Electoral Process in Kuwait 1984 عن العملية الانتخابية في الكويت، إن أبناء القبائل "اعتبروا أن الحاكم طالما أنه من آل الصباح فإنه بمثابة الرأس لكل القبائل، وهو شعور بالولاء جعل كل أبناء القبائل على ولاء للأمير ورهن طاعته".

ويمضي د. الدوسري قائلاً إن القبائل قد اكتسبت قوتها السياسية والاجتماعية من خلال تجمع أفرادها في مناطق معينة حسب نظام الدوائر الانتخابية، إلا أنهم ومع زيادة عددهم، وارتفاع نسبتهم مقارنة بالفئات الاجتماعية الأخرى في البلاد كانوا يعيشون أوضاعاً اجتماعية صعبة، بالإضافة إلى عدم وعيهم بالعمل السياسي، ومعرفة أساليب التأثير في صنع القرار. ويستعين الباحث بالوثائق البريطانية في الستينيات، والتي تقول إن التعليم غيّر كل ذلك بعد سنوات، وإن ظلت مطالب القبائل، "تنحصر في توفير الخدمات لسكان مناطقهم الانتخابية، كما ازداد نفوذ شيوخ القبائل بعد تجنيس العديد من أفراد قبائلهم، وازدياد عدد المقاعد النيابية التي أصبحوا يحصلون عليها في الانتخابات النيابية، حيث تعاظم دورهم وتأثيرهم، رغم حداثة معرفة ناخبيهم بحقهم في التصويت، واختيار ممثليهم في البرلمان الكويتي، لهذا جاء غالبية نواب برلمان عام 1967 جدداً ممن لا يملكون خبرة الممارسة البرلمانية، لذا اقتصرت اهتمامات نوابه من القبائل بالدرجة الأولى على حل مشاكل الدوائر التي رشحوا عنها".

ويضيف الكتاب "تجدر الإشارة إلى أن عدد نواب أبناء القبائل في ذلك البرلمان كان عشرين نائباً، وهو برلمان تدور حوله شبهة التزوير، و15 نائباً في برلمان 1971، ولكن مع كثرتهم لم يشكلوا كتلة موحدة مؤثرة أو فعالة، ونبع حرص النظام على استيعاب القبائل من أن أبناءهم كانوا ينظرون إلى وزراء عائلة آل الصباح على أنهم خير من يمثلهم في مطلع سبعينيات القرن الماضي، والتي أصبحت فيها التشكيلة الحكومية لا تلقى معارضة كبيرة في البرلمان". ويضيف: "ولما كان الشيخ جابر العلي له دور كبير في عملية التجنيس لأبناء القبائل"، يقول الباحث، "فقد استطاع استقطاب نواب القبائل ضد نواب الحكومة أثناء استجواب وزير التجارة والصناعة خالد العدساني في مايو 1974، وكذلك استجواب وزير المالية والنفط عبدالرحمن العتيقي، وقد ضمت الكتلة نوابا من قبيلة العجمان وقبيلة "مطير" وقبيلة "عتيبة" بتأثير من الشيخ جابر العلي على تلك القبائل"، ويشير الباحث كمرجع هنا إلى كتاب الأستاذ صالح السعيدي "السلطة والتيارات السياسية في الكويت" الصادر عام 2010.

ومع تصاعد نفوذ القبائل، يقول الكتاب، "حاولت الحكومة بقوة وفي الخفاء إقناع القبائل باختيار ممثلين عنها في البرلمان أكثر ليونة، لا سيما مع وجود نواب من التجار وأبناء العائلات الكبيرة والقوميين المعارضين، حتى تستطيع تأمين الموافقة على مشاريعها".

وقد ذكر السفير البريطاني في فبراير 1975 "أن الحكومة وزعت الدوائر بحيث لا تستطيع الاتجاهات السياسية الرئيسة الفوز بأكثر من أربع دوائر، كما كانت هناك انتخابات فرعية في الدوائر القبلية، فاز فيها زعماء القبائل الموالون للسلطة، كذلك استطاعت الحكومة دعم مرشحيها في الدائرة السابعة "الدسمة" التي نجحت بالكامل، كما تم انتخاب 25 نائبا جديدا في برلمان 1975 أغلبهم من نواب القبائل".

تم حل البرلمان في عام 1976 قبل أن تتاح الفرصة لنواب القبائل لممارسة دورهم لمصلحة الحكومة، كما كان الاتفاق بين الطرفين، يقول الكتاب "وفي المقابل تقدم الحكومة لأبناء القبائل كل الخدمات من توظيف وسكن وتعليم وصحة وتجنيس".

ظهرت مفاجأة جديدة في الحياة البرلمانية الكويتية بعد عودة مجلس الأمة! يقول الباحث: "ومع عودة الحياة النيابية في عام 1981م والتي شاركت فيها تيارات وقوى اجتماعية مختلفة جاءت نتيجة الانتخابات غير متوقعة، حيث ظهرت على سطح الحياة السياسية قوة جديدة لم تكن معروفة من قبل هي القوة الإسلامية، وحصلت هذه الجماعة على أغلبية كبرى متعاطفة مع الفكر الإسلامي خاصة من أبناء القبائل، وهو الأمر الذي قاد في فترة لاحقة إلى إحداث الخلل في ميزان القوى داخل البرلمان، وبدخول الإسلاميين البرلمان، وبدعم من نواب القبائل، بدأ البرلمان بالمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية واعتبارها المصدر الوحيد للتشريع، كما طالب الإسلاميون بعدة مطالبات ذات طابع إسلامي".

وضعت القوة الإسلامية الوليدة، وبخاصة في تحالفها مع القبيلة الحكومة في ورطة. يقول الباحث: "لقد كانت الحكومة هي من دعمت المرشحين الإسلاميين في الانتخابات، ولكن بعد وصول الإسلاميين إلى البرلمان، ومحاولتهم إقرار القوانين الراعية لمطالبهم وجدت الحكومة نفسها تدفع ثمن تعاونها مع الأغلبية الجديدة، وهو تعاون كان مرتبا له أن يضعف شأن القوى القومية، ولكن الحكومة اصطدمت بقوى جديدة لا تلبي طموحاتها وسطوتها على البرلمان، ولتعديل الأوضاع اضطرت الحكومة إلى التدخل ورمي كل ثقلها في انتخابات عام 1985م محاولة التأثير على نتيجة الانتخابات، وتحديد نتيجتها، وهي عادة حكومية في كل الانتخابات النيابية الكويتية منذ عام 1967م، وفعلا استطاعت الحكومة إسقاط القوى الإسلامية في معظم الدوائر".

لم يحل سقوط الإسلاميين في انتخابات 1985 المشكلة، ولم تأت هذه الانتخابات بالرياح المناسبة لسفن الحكومة! فيقول الكتاب:" القادم الجديد كان أشد وأقوى، وهو ما لم تتوقعه الحكومة، حيث جاءت أغلبية الأعضاء المنتخبين لبرلمان 1985م معارضين للحكومة من مختلف القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع الكويتي، وبالأخص القوميون الذين تمكنوا من الحصول على مقاعد لهم في البرلمان الذي سمي يؤمئذ "البرلمان القومي" أو برلمان كل مواطن، وكانت المفاجأة هي وقوف أغلب أعضاء القوى القبلية مع المعارضة لسياسات الحكومة، فما كان من الحكومة أمام هذا الموقف الذي لم تستطع السيطرة عليه بالإضافة الى المشكلات الداخلية والخارجية التي واجهتها الكويت سوى حل البرلمان بعد عام ونصف من انتخابه في 1986م، ويجمع أغلب الكويتيين أن هذا المجلس هو أقوى مجلس مر على تاريخ الحياة النيباية في الكويت قبل الغزو العراقي للكويت".

المقال القادم هو الأخير.

back to top