«تكريم بطعم التمريض»!

نشر في 22-05-2017
آخر تحديث 22-05-2017 | 00:00
 مجدي الطيب جاء إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منح النجم الكوميدي سمير غانم جائزة فاتن حمامة التقديرية، ليثير جدلاً كبيراً حول قواعد الجائزة ومعاييرها، وعما إذا كانت مُخصصة، حسب ما تنص حيثياتها، على «تكريم الشخصيات السينمائية، التي ساهمت، وما زالت، في الارتقاء بالفن السينمائي، وتقدير عطائها المُشرف»، أم أنها تحوّلت إلى وسيلة لرفع روح الفنان المعنوية، والشدّ من أزره، في حال تعرضه لوعكة صحية، أو مروره بانتكاسة إنسانية، مثلما هي الحال مع الفنان سمير غانم!

هدف نبيل بكل تأكيد أن تُبادر مهرجاناتنا بدعم، ومؤازرة، الفنان في ظروفه الحياتية المختلفة، وهو الأمر الذي لا اعتراض عليه، بشرط أن يتم بمعزل عن الخلط بين الجائزة التي دُشنت على أسس فنية، أهمها تكريم مسيرة العطاء لأسباب موضوعية، وبين التعاطف الإنساني الذي يجعل من اللحظة «تكريم بطعم التمريض»، خصوصاً أن الانحراف عن الأهداف الأساسية للجائزة يفقدها أهميتها، ومغزاها، ويجعل الفرحة بها تتضاءل كثيراً، وربما تفقد جدواها في نظر كثيرين ممن كانوا في انتظارها!

اكتسبت جائزة فاتن حمامة التقديرية، أهميتها وثقلها، رغم عمرها القصير، من اسم صاحبتها فاتن حمامة (27 مايو 1931- 17 يناير 2015)، التي تُعد أحد رموز السينما المصرية والعربية، والعلامة الأبرز في تاريخها، ما أهلها لاستحقاق لُقب «سيدة الشاشة العربية». ودشِّنت الجائزة التي صممها النحات العالمي آدم حنين، عقب رحيل حمامة مباشرة، وبناء على مبادرة من زوجها، الذي قرّر منح جائزتين باسمها، أولهما تقديرية والثانية للتميز، تذهبان إلى «الشخصيات السينمائية التي ساهمت، وما زالت، في الارتقاء بالفن السينمائي». وطوال دورتين من الدورات الأخيرة للمهرجان استحق «جائزة فاتن حمامة التقديرية» النجم حسين فهمي، والنجم يحيى الفخراني، واسم المخرج الراحل محمد خان، بالإضافة إلى المنتج الفلسطيني حسين القلا، والمخرج المالي شيخ عمر سيسوكو، فيما ذهبت «جائزة فاتن حمامة للتميز»، التي تُمنح للأجيال الشابة التي حققت مكانة طيبة على الساحة الفنية، وحفرت بموهبتها وطموحها وحب الجمهور الجارف لها مكاناً بين النجوم الساطعة، إلى الفنانين المصريين نيللي كريم وأحمد حلمي، والهندية فرح خان، بينما أعلن منحها هذا العام للفنانة التونسية هند صبري.

هكذا سارت المبادرة، ومن ثم تنبأ كثيرون بأن تذهب «جائزة فاتن حمامة التقديرية» في الدورة التاسعة والثلاثين (21 – 30 نوفمبر 2017) إلى الفنان القدير محمود ياسين أو غيره من المخضرمين الأحياء، تبعاً للمعايير الفنية والتقديرات الموضوعية التي منحتها سابقاً للنجم حسين فهمي في الدورة السابعة والثلاثين (11 – 20 نوفمبر 2015) والنجم يحيى الفخراني في الدورة الثامنة والثلاثين (15 – 24 نوفمبر 2016). لكن المفاجأة تمثلت في قرار اللجنة الاستشارية العليا بمنح الجائزة للفنان سمير غانم، الذي يُعد واحداً من حاملي راية الأفلام الرديئة التي ذاع صيتها في فترتي الثمانينيات والتسعينيات في مصر، واصطلح على تسميتها «أفلام المقاولات»، وعرفها العالم بنوعية الـ B-movies، واعترف «غانم» بنفسه، عبر أكثر من حوار إعلامي، بأنه قام ببطولة ما يقرب من 50 فيلماً منها، مثل: «الراقصة والحانوتي، والغشيم، وعضة كلب، وتجيبها كده تجيلها كده هي كده، والعرضحالجي في قضية نصب، وسلاحف النينجا»، وكالعادة أرجع السبب إلى ظروف عائلية، على رأسها إصابة شقيقه بالفشل الكلوي وسفره إلى أميركا للعلاج، ما اضطره إلى الإنفاق عليه من عائد تلك الأفلام، التي أكد مراراً وتكراراً أنه لم يستفد منها مادياً أو معنوياً، وبالطبع أدبياً!

من هنا، ومنذ الوهلة الأولى، أدرك الجميع أنه «تكريم بطعم التمريض»، وأن المجاملة لها دور كبير في اتخاذ قرار اللجنة الاستشارية العليا، التي اختارت «الفنان المسرحي»، ولم تعرف الطريق إلى «السينمائي» سمير غانم، وكانت تستطيع أن تجعل للمبادرة الإنسانية طعماً وأبعاداً وأوجهاً مختلفة، بأن تتبنى الدعوة إلى تنظيم بانوراما لأفلامه، وتكريمه ليلة الافتتاح، عبر إهدائه درعاً ما للمهرجان، بعيداً عن «جائزة فاتن حمامة التقديرية»، التي كان ينبغي أن تذهب إلى صاحبها الحقيقي بعيداً عن المجاملات أو التعاطف، الذي يسيء إليها، ويفقدها فحواها!

«جائزة فاتن حمامة التقديرية» في خطر في حال الابتعاد بها عن الخط المرسوم لها: «تكريم عطاء الشخصيات السينمائية التي ساهمت، وما زالت، في الارتقاء بالفن السينمائي»، والارتكان إلى الاستثناء يمكن أن يُصبح قاعدة، وحينها سيصبح الفوز بها «تحصيلاً حاصلاً» ليس أكثر!

back to top